الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

سفير عبد الكريم : المدرسة المغربية وغياب المشروع المجتمعي

سفير عبد الكريم : المدرسة المغربية وغياب المشروع المجتمعي سفير عبد الكريم
لم يتفاجأ أستاذ الفلسفة عندما عبر له أحد التلاميذ عن حيرته أمام مايتلقاه من معلومات ومعارف، خاصة بين ماعبر عنه التلميذ بدروس التربية الإسلامية والفلسفة.
صدقني يا أستاذ لقد قضيت ساعتين من الثامنة إلى العاشرة في حصة التربية الإسلامية والآن حصتين من الفلسفة. في الأولى كان كل شئ يدور حول الماضي وتمجيد الماضي والعودة إلى الماضي لحل مشكلات الحاضر.
أما في الفلسفة فكل شيء مختلف، مساءلة الماضي والحوار مع الماضي ومجاوزة الماضي وإبداع الحاضر..ولم أعد أعرف أي طريق أتبع؟
لم يعبر هذا التلميذ في الحقيقة إلا عن مأساة المنظومة التعليمية أو لنقل السياسة التعليمية. هذه الأخيرة التي تقدم نظرة مزدوجة إلى الأمور والأشياء والحياة. نظرة تجعل التلميذ المغربي/ مواطن المستقبل/ حائرا مابين التقليد والحداثة. مابين الماضي والحاضر . نظرة تريد أن تعيده للماضي كي يحيا الحاضر. بمعنى أوضح أن الحاضر لايجد ضماناته إلا في الماضي وأن الحاضر عاجز على أن يجد ضماناته في ذاته.
إن ما كان يطالببه هذا التلميذ هو المشروع المجتمعي للمدرسة المغربية. فهل تمتلك المدرسة المغربية مشروعا مجتمعيا واضحا وحاسما في اخياراته الإستراتيجية؟
إن هذا السؤال يتجاوز المدرسة المغربية كجهاز ايديولوجي لتصريف اختيارات الدولة إلى الدولة والمجتمع ككل. فالمدرسة حاملة للمشروع المجتمعي وليست هي صاحبة المشروع المجتمعي. فهل تمتلك الدولة المغربية والنخب مشروعا مجتمعيا يمكن للمدرسة أن تصرفه؟
الواضح من لغة الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي هو تعبير عن إجماع وطني أن الجميع بمن فيهم الدولة والأحزاب والنقابات والجمعيات والفاعلون الاقتصاديون والشركاء كلهم يتقاسمون نفس الشعار وهو "الوفاء للأصالة والتطلع الدائم للمعاصرة".
أليست هذه دعوى سلفية محافظة للعودة إلى الماضي والتشبث بالماضي والعيش في حالة انتظار وتطلع دائم لعيش الحاضر الذي لن نعيشه. وهنا يظهر واضحا أن الاختيار الاستراتيجي للجميع هو اختيار الماضي فيما تبقى المعاصرة مجرد تطلع نمني النفس به لكننا لا نعمل شيئا من أجل بلوغه. والمشكلة الكبرى هي أننا نعرف جيدا أننا غير قادرين على أن نكون كالماضي أو أن يصلح أحوالنا ما صلح به حال أسلافنا، ومع ذلك فإننا نصر ونتجاهل الحقائق ونتشبث بما لا يمكن التشبث به. فللحاضر تاريخيته وقوته وأساليبه ومنطقه في الأشياء والأمور التي تختلف جذريا عن الماضي. والنتيجة أننا لا نعيش الماضي ولانعيش الحاضر.
إن هذا التيه الحضاري هو المشروع المجتمعي الذي تقترحه الدولة والنخب المغربية على المدرسة المغربية وعلى المغاربة سواء كانوا في التعليم العمومي أو في وهم التعليم الخصوصي. يتجلى هذا واضحا أيضا في الاختيارات البيداغوجية الارتجالية والتي لا تمثل سوى مساحيق عصرية لإخفاء الوجه التقليدي المحافظ لبيداغوجيا مدرسية تقليدية ترتكز على الحفظ والاستظهار والإلقاء والإملاء والجاهز وإرجاع البضاعة...أما الفهم والتحليل والنقد والتساؤل والمناقشة والمقارنة والتجريب والتركيب..فهي مغيبة مما حول العلوم كالرياضيات والفيزياء من علوم العقل والمنطق إلى علوم الحفظ والتكرار والاعتماد على الذاكرة. ناهيك عن الاجتماعيات والتربية الإسلامية والفلسفة وعلوم الحياة والأرض...مما يشجع ويربي على الغش لأن الذاكرة بحكم الطبيعة لا يمكنها حفظ كل شيء.
والنتيجة أجيال من أشباه الفقهاء في التعليم والطب والهندسة والإعلام والآداب والفنون...
هذا هو مشروع المدرسة المغربية. لذلك فعلى الدولة والنخب أن تخرج من هذا الارتباك التاريخي وأن تقطع مع هذا التيه الحضاري وأن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في وضوح الفكرة القائلة بأنه إذا كان من المستحيل أن نعود إلى الماضي ففي المستطاع أن نعيش الحاضر..