الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

حسين ساف: لابد من استراتيجية مندمجة لمعالجة رهان التعليم والتكوين عن بعد بالمغرب

حسين ساف:  لابد من استراتيجية مندمجة  لمعالجة رهان التعليم والتكوين عن بعد بالمغرب حسين ساف

لقد أفرز التعامل مع جائحة كوفيد-19 المستجد في المملكة المغربية ثلاث أنواع من ردود الفعل

الأول الذي يستحق التنويه جاء في البداية بتبني استراتيجية استباقية نهجها الملك والحكومة والشعب، بمستوى جاد ومسؤول لكل هذه الأطراف في التعامل مع تداعيات الوباء, التي ستغير بالتأكيد سلوك بلدان العالم بأسره، بما في ذلك المغرب الذي اتخذت فيه عدة قرارات ومبادرات جريئة وغير مسبوقة قاسمها المشترك تسريع تنفيذ ما كان التردد يطاله، وإطلاق أوراش كانت التوافقات السياسية تعرقل مسيرتها نظرا لانعكاساتها المتشعبة التي تتداخل فيها الاجندات السياسية والإكراهاتالاقتصادية في ظل أجواء اجتماعية يصعب فيها ضبط مساراتها المتعاكسة عند اتخاذ اية مبادرة جريئة، ومنها إطلاق عملية التعليم عن بعد والعمل عن بعد، وذلك باستخدام تكنولوجيا المعلومات

الثاني:بعد الثورة الرقمية التي جعلت من المواطن فاعلا أساسيا في العالم الافتراضي كمنتج وموزع ومقيم ومسوق ومؤثر في القرارات السياسية والاقتصادية للشركات، أدت تداعيات الوباء الى تعزيز دور مواطني دول العالم كان متقدما أو في طريق النمو، كمنقذ للوطن ، و ليعطيه دورا غير مسبوق أمام هلع كل الفاعلين في المجتمعات وخاصة من هم في الصفوف الأولى في محاربة المرض من أطباء وفشلهم لحد الآن في إيجاد الدواء ومن حكومات فاجأها رهان إيجاد الاسرة ومعدات الانعاش الكافية في حالة تفشي الوباء وتزايد أعداد المرضى،

الثالث:يستحق التشجيع والتطوير والاستمرارية كسلوك مجتمعي راقي وهو الظهور المتصاعد لمبادرات ومواقف تضامنية كانت في الماضي القريب نادرة في ظل النظام الاقتصادي السائد رغم محاولات تحديثه بالجيل الجديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي غالبا ما تفرغ من جوهرها قبل أو بعد تطبيقها,

في هذا السياق يأتي القرار التضامني لشركات الاتصالات الثلاث في المغرب ليستهدف فئة استراتيجية في المجتمع وهم التلاميذ والطلبة والمتدربين. وذلك بمنح "إمكانية الولوج مجانيا بصفة مؤقتة الى جميع المواقع والمنصات المتعلقة بالتعليم والتكوين عن بعد الموضوعة من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي "لضمان الاستمرارية البيداغوجية" وتمكينهم من "متابعة التحصيل الدراسي والعلمي" .

في اعتقادي من مزايا هذه المبادرة الجريئة أنها ترفع الستار عن حاجة ملحة ورهانات كبيره مازال يواجهها قطاع التعليم والتكوين وحده، وصعب عليه إيجاد الحلول بشأنها لوحده، رغم وجود بعض المبادرات الانفرادية وغير المندمجة لبعض الشركات التكنولوجية الكبرى بالمغرب التي حاولت المساهمة وضع منصات شبه مجانية، ومبادرات أخرى لبعض الجامعات التي قدمت تجارب ناجحة لكنها بقت محدودة على بعض المواد البيداغوجية ولم ترق لمستوى سن التدريس عن بعد.

لقد دقت ساعة معالجة رهان التعليم والتكوين عن بعد ببلدنا في إطار استراتيجية مندمجة تتكاثف فيها جهود كل المؤسسات العمومية وشبه العمومية والخاصة وكل الأطراف المعنية وعلى راسهم الأساتذة والمدربين والمهنيين والمتخصصين الذين يملكون وينتجون المضامين البيداغوجية التي تعتبر عنصرا أساسيا في إنجاح ورش التعليم عن بعد ببلدنا. والذين من الواجب مراعاة ملكيتهم الفكرية، وتشجيعهم ماديا بسخاء والحرص على تأطير عمليات تسجيل الدروس وورشات التداريب من طرف مهنيين في التواصل والإنتاج السمعي البصري في استوديوهات بمواصفات مهنية قد لا تتوفر عليها أغلب المدارس والمعاهد والجامعات، وذلك تفاديا لرداءة الأداء وللعزوف المحتمل عن تتبع بعض الدروس عن بعد خاصة تلك التي تتم عبر البث المباشر الذي يتطلب كفاءة عالية في التصوير والإخراج والتفاعل. وفي هذا الصدد لابد من التنويه بمبادرة صحافيين بطنجة قدموا نموذجا تضامنيا لوزارة التعليم بمساعدتها على تصوير حصص دراسية بأحدث وسائل التكنولوجيا طيلة يومين متتاليين.

معاهد الصحافة مطالبة بالتضامن بوضع استوديوهاتها رهن إشارة الأساتذة

أعتقد أن هذا نموذج رائع يمكن الاشتغال على مأسسته بفتح أبواب استوديوهات معاهد الصحافة في وجه المدرسين التابعين لمدارس الدولة والمدارس الخصوصية أيضا لتأطير تسجيل الدروس التي ستكون مجانية ومفتوحة عبر المنصات الموجودة وقنوات التواصل الاجتماعي للتلاميذ بمختلف مستوياتهم ...

هؤلاء التلاميذ (وأنا شاهد إثبات مع تلاميذ عائلتي) يعانون منذ يوم الاثنين 16 مارس من فشل بعض التجارب التي تم الاشتغال عليها بسرعة وبدون منهجية واحيانا باستعمال بعض منصات البث المباشر .... علما أن البث المباشر عن بعد من أصعب العمليات التي تتطلب خبرة هي للأسف غير متوفرة لدى أغلب الأساتذة وهم لا يلامون على ذلك ... لأن البث المباشر يتطلب مهارات عالية....كما يعانون من استخدام بعض المدارس الخاصة ومراكز الدعم المدرسي للخدمات المجانية لبعض منصات منتديات الدردشة التي لا تتلاءم مع الوظيفة التربوية

الخلاصة إن القرار التضامني لشركات الاتصالات الثلاث المتخذ بالتنسيق مع الوزارتين الوصية على التعليم والتكوين وعلى الاقتصاد الرقمي والوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، يعتبر بداية مشجعة لإطلاق مشروع وطني مندمج بمجانية دائمة للتعليم عن بعد بشراكة بين القطاعين العام والخاص وكل الفاعلين وعلى رأسهم الأساتذة المدربين المهنيين.

 

حسين ساف المدير العام لشبكة المحتوى متعدد الوسائط