الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

الدكتور تدمري: كورونا الصدمة التي ستغير وجه أوروبا والعالم

الدكتور تدمري: كورونا الصدمة التي ستغير وجه أوروبا والعالم د.تدمري عبد الوهاب
من خلال تبعنا لما يشهده للعالم حاليا من تطور متسارع لانتشار وباء كورونا خاصة بأوروبا التي صنفتها المنظمة العالمية للصحة كبؤرة مرشحة لان تكون حاضنته الأساسية في قادم الأيام .
ومن خلال رصدنا للاهتمام المتزايد بالوباء وتداعياته الصحية والاقتصادية من طرف الإعلام الدولي، وحالة الهلع التي أحدثها لدى شعوب العالم كوباء جديد عليها،لا تتوفر لحد الساعة الأدوية المناسبة لعلاجه ولا اللقاحات الضرورية للوقاية منه وهو ما زاد من حالة الخوف الجماعية .
ومن خلال رصدنا لعجز المنظومة الصحية في الدول الأوروبية على إحداث خرق ملموس في هذا الوباء، وحصره في حدوده الدنيا كإجراء أولي قبل السيطرة والقضاء عليه نهائيا ،خاصة مع ما تبينه الأرقام من ارتفاع لعدد الوفيات في هذه الدول مقارنة بعدد الإصابات المعلنة دون استحضار تلك الأعداد الغير المعلنة المقاومة بشكل ذاتي والتي تعد حاملة للفيروس دون أن تظهر عليها علامات المرض والتي تعد بعشرات الآلف وذلك في غياب الفحص الشاملdépistage .
فمثلا ايطاليا التي بلغ فيها عدد الوفيات حوالي 2500 من أصل 26 ألف مصاب أي بنسبة 9,6% ، واسبانيا 600 حالة وفاة من أصل 14 ألف مصاب أي بنسبة 4,21%، وهي بذلك توازي إيران في أعداد الإصابات وفي النسبة المئوية للوفيات رغم ما تعيشه هذه الأخيرة من حصار جائر، وفرنسا 264 وفاة من أصل 9100 إصابة أي بنسبة 3%إلى حدود يوم الأربعاء الأخير.هذا في حين بلغ عدد الوفيات في الصين 3100 حالة من أصل 80000 إصابة، أي بنسبة 3,75 % مع الأخذ بعين الاعتبار أن النسب المئوية في الدول الأوروبية لحد الساعة ليست معبرة بالنظر إلى حجم الإصابات . وان ارتفاع أعداد المصابين بالوباء، سيجعل هذه النسب مرشحة للارتفاع بما يتناسب وارتفع أعدادها.وهو ما يبين من جهة عجزا ملموسا في المنظومة الصحية للدول الأوروبية.
ومن جهة أخرى عن ارتفاع نسبة الشيخوخة لديها مما جعل الوباء أكثر فتكا بشعوبها ولم تعتمد هذه الدول في سياساتها الصحية ما يتناسب وارتفاع نسبة شيخوخة مجتمعاتها.
كما أنه ومن خلال تتبع ما اتخذته الدول الأوروبية من إجراءات احترازية ووقائية صحية واقتصادية حمائية من أجل التخفيف من التداعيات السلبية على اقتصادياتها الوطنية، وعلى مستوى المعيشي لمواطنيها من خلال الضخ لعشرات الملايير من الدولارات من صناديقها السيادية، وأداء أجور العمال والمستخدمين الذين اجبروا على البقاء في منازلهم التزاما بما اتخذته حكوماتهم من إجراءات وقائية للحد من انتشار الوباء ،وتخفيض الضرائب عنهم..
في مقابل كل هذا ومن خلال رصد تصرفات بعض الدول الغنية التي كانت تقدم نفسها كقوى لها الحق لوحدها في قيادة العالم، وعملت دوما على إخضاعه لرغباتها السياسية والاقتصادية.
وكيف حاولت استغلال هذا الوباء لخدمة مصالح اللوبيات المالية والاقتصادية المتحكمة في مراكز قراراتها السياسية والمهيمنة على العالم، وكيف يعبر اليمين المتطرف المتحكم في هذه الدول عن وحشيته المفرطة في استغلال مآسي الشعوب .وما عبر عنه الرئيس البريطاني بوريس جونسون وفريقه بتبنيه لنظرية مناعة القطيع المتمثلة في إيلاء الأولية للعلاج، للفئة العمرية المنتجة وترك من هم فوق الستين كفلة غير منتجة، تشكل عالة على الاقتصاد، لمواجهة مصيرهم المحتوم، لا يخرج عن سياق ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي من سلوك سياسي غير أخلاقي عبر إصراره في سن المزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية في حق الكثير من شعوب العالم ،بما فيها تلك التي تعرف تفشي واسع للوباء كإيران مثلا. ومحاولته الأخيرة لشراء الشركة الألمانية المتخصصة في البحث وإنتاج الأدوية واللقاحات وذلك من اجل أن ببسط إرادته على العالم بطريقة مخجلة،تجعل من الوباء سوقا تجارية للربح على حساب مآسي شعوب العالم.
وعندما أتتبع ما تقوم به الصين الشعبية بعد أن حاصرت الوباء وخرجت من مرحلة الخطر بإمكانياتها الذاتية ، من مبادرات إنسانية تطوعية هدفها مساعدة الشعوب الأخرى بالخبرات الطبية والآليات والأدوية على تجاوز محنتها مع الوباء، ومد يدها للتعاون الدولي من اجل تطوير مجال البحث العلمي بهدف إيجاد لقاح فعال له تستفيد منه الإنسانية .
عندما استحضر كل ما سبق من معطيات وسلوكات تعكس الإرادة الحسنة لبعض الدول في تعاون دولي يقوم على أساس التضامن والمصالح المشتركة بين الشعوب ، في إعلان صريح يؤصل لضرورة أنسنة العلاقات الدولية، وتحويل هذا الوباء من تهديد إلى فرصة لقيام نظام دولي جديد اكثر عدلا يراعي المصالح المشتركة للشعوب ، ويولي العناية للبعد الاجتماعي في إقرار السياسات الاقتصادية للدول والحكومات. .في مقابل ما عبرت عنه بعض الدول الأخرى بما فيهم امريكا كمتزعمة للبيرالية المتوحشة من مواقف عنصرية اتجاه بقية العالم، وما أقدمت عليه من سلوكات تمثلت في عدم احترامها للقانون الدولي وتشبثها بسياسة المزيد من العقوبات الاقتصادية في حق الشعوب والحكومات التي تعتبرها خصما يرفض الخضوع لإرادتها رغم ما تعيشه بعض هذه الشعوب من مأساة حقيقية مع الوباء .
ربما كل هذا يدفعنا إلى القول أن هذا الوباء قد اظهر عجزا مهولا للمنظومة الصحية للدول الأوروبية بعد أن وضعها الوباء في اختبار عملي بين عدم استعدادها لمواجهة الطوارئ الكبرى الناتجة عن تفشي الأوبئة أو كوارث طبيعية أخرى علاقة بارتفاع نسب الشيخوخة لدى مجتمعاتها .رغم ما تمتلكه هذه الدول من إمكانيات هائلة علمية ومادية ولوجيستيكية، ورغم ما أقدمت عليه من إجراءات اقتصادية لتخفيف الأضرار المترتبة عن الوباء سواء تلك المتعلقة بإنعاش اقتصادياتها الوطنية، أو المتعلقة بحماية الأمن الاجتماعي والمعيشي المواطنين.
وبما ان الوباء بما يتطلبه من إمكانيات هائلة لمجابهته ،وبما يشهده العالم من تقدم وتطور لم يعد فيه مسموحا للأوبئة أن تفتك بحيات الملايين من البشر، كما كان الشأن سابقا .فان المعضلة الكبرى هي بالنسبة للدول ذات الاقتصاديات الضعيفة والبنيات التحيتية والصحية الغير المؤهلة حتى في الأوضاع العادية ،وما بالك عن قدرتها على مواجهة الأوبئة رغم كون هذا الوباء لحدود الساعة طال بالأساس الدول الغنية ولم يطل بنفس الحدة الدول الفقيرة، التي تشكل مجتمعاتها أرضية خصبة لانتشاره الواسع علاقة بما تعرفه هذه المجتمعات من هشاشة اقتصادية واجتماعية و صحية .
إن هذا الوباء بالنسبة لهذه الدول يشكل فعلا ناقوس خطر حقيقي يجب أن يكون عبرة لها و محفزا للقطع مما تنتهجه من سياسات تفقيرية إزاء شعوبها، وتقطع مع الفساد الذي ينخر مؤسساتها .
وكل الإجراءات الاحترازية التي تتخذها من حظر للتجوال وإغلاق المحلات التجارية الخ ... سوف لن تجدي نفعا أن لم تكن تتوفر على بنيات اقتصادية واجتماعية وصحية سليمة وموارد مالية قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية بما فيها الأوبئة.
ان الوباء وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي يروج لها البعض التي ترجح ان الوباء قد يكون من فعل فاعل ،والتي لا أشاطرها شخصيا .كون هذا الفيروس المسبب للوباء يتواجد بشكل طبيعي ويتكاثر عادة عبر وسيط حي خاصة الخفافيش الخ ..ومن خلال هذا الوسيط أو الوسائط ، ولظروف معينة قد يكون انتقل إلى الإنسان .وبالتالي لا أظنه صناعة مخبرية وإلا لكانت مضاداته متوفرة لدى الساهرين على إنتاجه .كما أن عدم تمكن الدول ذات الخبرة العلمية والمخبرية في مجال البحث الجرثومي من إيجاد لقاح فعال له لحد الساعة، يبعد هذه الفرضية التي ان تبنيناها فعلينا تبيان المستفيد سياسيا واقتصاديا وتجاريا من هذا الوباء ،هذا في الوقت الذي نعلم أن الجميع متضرر منه بشكل مباشر أو غير مباشر ،ولم يطرح في الأسواق أي لقاح له . بل لما ذهب الرئيس الأمريكي في سلوكه المستهجن والغير الأخلاقي إلى حد تقديم رشاوي من اجل نقل المختبر الألماني المتخصص في البحث الطبي والصيدلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية من اجل الاستفادة حصريا مما يمكن أن يدره من أرباح مالية، أي سبق لاكتشاف اللقاح ضد هذا الوباء .
كما إن هذا الوباء، ورغم ما أظهره من تعفن بعض الدول وخاصة امريكا كقوة مهيمنة على العالم ،وذلك من خلال ما سبق ذكره من سلوكات مخزية، آو حتى مما تسربه عبر وكلائها من إخبار عنصرية ، تحمل فيها مسؤولية انتشار الوباء، لدول وشعوب اكتوت بنيرانه، بدل تقديم المساعدة لها وإسقاط العقوبات الجائرة عنها. .فأنه بالمقابل اظهر سلوكات أكثر نبلا وإنسانية تجلت في مواقف بعض الدول المطالبة بإسقاط العقوبات الاقتصادية الأمريكية الأحادية على شعوب العالم من اجل تمكين هذه الدول من قدراتها لمواجهة الوباء ،خاصة روسيا والصين الشعبية التي أثبتت للعالم قدرتها على تخطي الوباء ،بل أكثر من ذلك استعدادها لتقديم خبراتها ومساعداتها في هذا المجال إلى الدول الأخرى بما فيها تلك المصنفة ضمن التحالف الغربي الأمريكي كايطاليا وفرنسا ، وهو ما اختصره صراحة الرئيس الصربي في حديثه عندما رفع من مرتبة الرئيس الصيني إلى مستوى الأخ للشعب الصربي، وللشعوب الأوروبية ،وأكد على أن الصين الشعبية فعلا أثبتت بسلوكها الاخلاقي، إنها ترقى إلى مستوى الصديق الذي يمكن التعويل عليه.
إذن فوباء كورونا وطريقة التعامل معه داخليا وخارجيا ، احدث فرزا في المنظومة الدولية بين تلك التي تعنى بشؤون وأمن مواطنيها ،وتهتم لما تشهده الشعوب الأخرى من ماسي نتيجة انتشار الوباء.
وبين الدول التي تنظر إلى شعوبها فقط كقوة عمل، يهتم بها بقدر ما هي مفيدة لتدوير عجلة الإنتاج. و تعتبر ماسي الشعوب الأخرى فرصة لزيادة الإرباح المالية والتجارية.
ان هذا الوباء ومن خلال كل ما سبق يبدو انه يمهد دول العالم لتقبل نظام عالمي جديد أكثر عدلا ، قائم على التضامن بين الشعوب في مواجهة الكوارث ،ويجعل من المصالح المشتركة للدول مبدءا محددا للعلاقات الدولية. وبما ان الصين الشعبية حاليا بما أبانت عنه من قدرات علمية ومادية لمحارة الوباء ،وما تشكله من قوة اقتصادية لا زالت متفوقة في نسبة نموها بما يناهز 6% في مقابل نسبة نمو لا تتجاوز 2% بالنسبة للاقتصاد الأمريكي ،أضف إلى ذلك ما تقدمه الصين من سلوك أخلاقي في تعاملها مع الشعوب الأخرى التي تعاني من هذا الوباء ، وذلك بخلاف ما تنتجهه أمريكا من سلوكات عدائية حتى مع حلفائها،ولم يردعها انتشار الوباء عن التخلي عن هذه العنجهية والممارسات الغير الاخلاقية .كل هذا يؤهل فعلا العالم لتقبل قيام نظام عالمي متعدد الأقطاب.ويمهد الطريق للصين لأن تبرز كأول قوة اقتصادية عالمية في هذا النظام العالمي الجديد.
د.تدمري عبد الوهاب