الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: فرنسا.. الخروج من المنزل ممنوع إلا بإذن

يوسف لهلالي: فرنسا.. الخروج من المنزل ممنوع إلا بإذن باريس يوسف لهلالي

الخروج اصبح ممنوعا بفرنسا بعد دخول الحجر العام الى حيز التنفيد، لكن ذلك ممكن بعد طبع استمارة تحملها معك لتبرير هذا الخروج والقصد منه. هذا الصباح قررت ان أقوم بجولة في المدينة دون ان اترك سيارتي، على كل حال يمكنني القيام بذلك  بفضل بطاقة الصحافة.

غريب وضع المدينة كل شيء يوحي ان سكانها غادروا وتركوا كل شيء ووراءهم، الطريق السيار رقم 4 والذي كان دائما مكتظا بالسيارات والشاحنات، اصبح شبه فارغ، ومن النادرأان  ترى سيارة في  الطريق المقابل، عند الدخول الى المدينة  إلى ضاحية ميزون الفور  السيارات مركونة في الشوارع والمحلات مقفولة.

نفق المترو مفتوح، وان السكان غادروا المدينة وتركوا  نترون الانفاق يشتغل لوحده دون  ان يوقفوا حركته. العديد القليل ممن تراهم هم عمال المترو او الشرطة. عندما  تتحرك في الشوارع ترى سيارات الشرطة التي تراقب بعض السيارات لمعرفة  سبب خروجها ووجهتها. المدينة وكأنها محاصرة من طرف عدو غير مرئي.

تبدو  باريس العاصمة وهي اكبر مدينة سياحية بالعالم  وكأنها فقدت سكانها وزوارها دفعة واحدة، وهو مشهد لم نعتد على رؤيته إلا في أفلام الخيال العلمي حيث تفقد مدينة كل سكانها بسبب وباء قاتل، او في روايات  مثل رواية البير كامي  الطاعون  حيث يتصور الكاتب  أحد مدن  الجزائر خالية من كل شيء.

هكذا كانت باريس وأغلب المدن الفرنسية بعد تطبيق الحجر الصحي الشامل  ومنع السكان من الخروج إلا بمبررات محددة: وهي العمل، موعد مع طبيب، ظروف عائلية قاهرة مثل العناية بشخص مسن أو الأطفال، أو من اجل  المشي بشكل منفرد ودون  مرافقة.

والمدينة فارغة إلا من بعض النقط  مثل الصيدليات. عندما تمرامامها تجد صفا طويلا جدا لان كل شخص يبتعد عن الاخر بمتر أو مترين تطبيقا لنصائح الطبية لتجنب العدوى. العدد القليل من المارة الذين  نراهم يضعون كمامات  على  افواههم.

وعند الاقتراب عند احد  محلات بيع المواد الغدائية نرى حركة غير عادية وفوضى أمام أحد  الأسواق  حيث يوجد   صف غير منظم وتدافع أحيانا من اجل الدخول. وحالة من الخوف بادية على بعض المنتظرين وكأن المواد الغدائية سوف تنفد من السوق.

وذلك رغم النداءات المتكررة لسلطات وبائعي المواد الغدائية انه لا يوجد أي مشكل في تزويد الأسواق. وداخل المحل عدد من المواد نفدت خاصة المعلبات بمختلف اشكالها والدقيق،العجائن والأرز، وهي مواد  تكاثر عليها الطلب.

وحسب احد مسؤولي هذا المحل، فان الطلب فاق التوقعات وكل السيناريوهات، وأضاف اننا تعودنا على طلب كبيير في أعياد نهاية السنة، ولكن الطلب في نهاية هذا الأسبوع فاق كل الأرقام  في بيع المواد الغدائية فيما كنا نحققه في السابق.

بعض وسائل النقل مازالت تشتغل رغم انها فارغة من الركاب، مثل حافلات النقل التي تجوب الشوارع بدون سياح، واغلب المواقع السياحية هي فارغة،  وتم اقفال كل المتاحف، المسارح وقاعات السينما، ومحلات بيع  الملابس والمواد الغير الغدائية كلها مقفولة.

المدينة تشيه  المدن التي نراها في الأفلام  بعد ان تعرضت لقصف نووي. ورغم هذه الحالة فان السلطات الفرنسية تكرر باستمرار في وسائل الاعلام  الى مواطنيها  تجنب  الخروج الا للضرورة، وأصبح كبار المسؤولون من رئيس الدولة ورئيس الحكومة يطالبون من مواطنيهم البقاء في المنازل والنظافة، وغسل الايدي كل ساعة.

وهو امر غريب ان يطلب كبار مسؤولوا الدولة وباستمرار من مواطنهم النظافة وغسل الايدي وتجنب الخروج.  لانه امام هذا الواباء الخطير الذي ينتشر بسرعة لا يمكن تصورها، لا ينفع امامه الا  النظافة والعزل الاجتماعي، ووقف كل الأنشطة الجماعية .

رئيس الحكومة الفرنسية  ايدوارد فيليب رفع  دعيرة  المخالفة لكل من لم يمتثل  لهذا الأمر إلى غرامة قدرها 135 يورو وهو مقابل حوالي 1400 درهم.

المسئولون الحكوميون في فرنسا يقومون بتدخلاتهم  في الإعلام بما فيه المرئي عبر الهاتف أو من خلال لقاءات مصورة من مقرات عملهم، رئيس الحكومة ايدوار فيليب قام بلقاء متلفز مع القناة الثانية من  مكتبه، وقال انه يفرض عن نفسه ما يطلبه من مواطنيه وهو العمل عن بعد واستعمال وسائل التواصل.

هذه الجائحة غيرت كذلك الخطاب السياسي، الرئيس الفرنسي أعلن حزمة من الإجراءات  بملايير اليورو من أجل دعم مقاولات بلاده وكذلك من اجل احتفاظ المقاولات بكل العمال من خلال تقديم تعويض عن  التوقف عن العمل.

وهي كلها إجراءات  جد  اجتماعية وفي صالح الاجراء. وزير المالية برنو لومير ذهب الى ابعد من ذلك، وقال أن حكومته ستلجأ لكل الوسائل من اجل انقاد المقاولات الفرنسية بما فيها التأميم، من اجل حماية الشركات المهددة جراء انتشار فيروس كورونا. هذا الخطاب  لم  يكن بالإمكان الادلاء به في  زمن اخر خارج الأجواء التي فرضتها جائحة كورونا.والا كان  سينعث بكونه احد بقايا الشيوعيين بفرنسا.

بعيدا عن أجواء  الاقتصاد والسياسيين، رجال ونساء الصحة في حرب بدون هوداة ضد انتشار فيروس كورونا بفرنسا، وهي حرب مخيفة امام تزايد اعداد المصابين بهذا الوباء. حيث يستمر عدد المصابين في الارتفاع.

وتبقى منطقة الالزاس هي الأكثر تأثرا بهذا البواء، وأمام تزايد الحالات وعدم قدرة المستشفيات المنطقة على لاستقبالهم تم  اللجوء الى الجيش  لنقل عدد من الحالات نحو مدينة تولون بالجنوب الفرنسي .

وأصبح مسؤولوا الصحة يرددون أنه في الأيام المقبلة سيكونون مجبرين على اختيار من سيقومون بمعالجته من المصابين.

وهو اخيار صعب لكن النظام الصحي سيكون مجبرا على  تطبيقه من اجل مواجهة هذا المرض.

أمام خطورة هذه الأوضاع عدت من حيث  جئت الى منزلي، على كل حال كل فضاءات العمل أصبحت مقفولة إلا التي  ليس لأصحابها اختيار.