الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الغني السلماني: كورونا والقهر المعرفي

عبد الغني السلماني: كورونا والقهر المعرفي عبد الغني السلماني

أهمية الثقافة الطبية

إن التزود بالمعلومات والحقائق الطبية، أصبح اليوم ضرورة ملحة في الحياة المعاصرة، التثقيف في المجال الصحي للأفراد أساسي لرقي المجتمعات، إنها فرصة كي يتحدث العلماء وأصحاب الاختصاص في مجال الطب والمعرفة، وليس مجال للمشعوذين والرقاة والجهلة الذين يفتون بدون علم في الأمراض والكوارث، إذ لا بد والحال كذلك من ثقافة صحية عقلانية وعلمية.

 

كرونا والاقتصاد

من المحتمل جدا أن يكون هناك انعكاس على مستوى التبادلات الاقتصادية، وخاصة أن الصين هي المورد الرئيسي للسلع الوسيطة لبقية دول العالم، لذلك سيتراجع مستوى الإنفاق نتيجة لخسائر الدخل، وكلما تأجج الخوف من انتقال العدوى، وتصاعد أجواء عدم قدرة المختبرات في إيجاد الدواء المناسب في أسرع وقت، وأمام التأثير المباشر للآلة الإعلامية التي تقدم المعطيات كل لحظة وحين سيفرض ذلك على الشركات لتسريح الشغيلة، لأنها غير قادرة على دفع رواتبها. وقد ظهر هذا بشكل جل على العديد من القطاعات الحساسة على المستوى الدولي كالسياحة، كما ستتضرر أسعار أسهم خطوط الطيران بشكل غير متناسب، هذا الوضع سيكون له تأثير مباشر على سيكولوجية المستهلكين ومؤسسات المال والأعمال حيث يدفع بها واقع "جائحة كورونا" إلى توقع انخفاض الطلب مما يؤدي بها إلى الحد من إنفاقها واستثماراتها. وهذا الأمر سيؤدي حتما إلى تفاقم حالات إغلاق الشركات وفقدان العديد من الوظائف. مما سيترك الباب مشرعا على احتمالات لا يمكن التكهن بمستقبلها؟

 

عموماً يمكن القول إنّ انتشار فيروس كورونا في العديد من دول العالم اتّخذ صورتين، أولى يمكن أن نسمّيها بالبعد السياسي للمرض، ارتبط بتدخل الدولة في تدبير الحياة وتحديد مواقع المرض وكيف يمكن تقديم للأخبار للناس ولقد كانت الصين هي السباقة إلى الإعلان عن خطوات تبرز مهارتها وعلميتها وجاهزيتها لمواجهة الجائحة ، وكيفية تحوّل الإعلان عن الفيروس إلى ترسيخ وظيفة الإنضباط للسلطات وعدم التشكيك في القرارات وهذا عنصر أساسي لتقييم "جودة الأنظمة السياسية".

 

الصورة الثانية لظهور هذا الفيروس كورونا جعل الرأسمالية العالمية تعيش نوعا من الارتباك، لأن طموحها يرتكز بالأساس على استغلال كلّ إمكانيات البشر لتحقيق أكبر ربح ممكن عن طريق وفرة الإنتاج، في غياب تراكم السياق التاريخي لتشكّل المؤسّسات والممارسات الطبّية؛ رغم تطورها مازالت عاجزة عن توفير المطلوب .

 

كورونا والبعد المعرفي

رغم الأشكال الاحترازية التي تتخذها الدول، يمكن أن أستشهد بما قاله الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في دروسه الأخيرة في «كوليج دو فرانس» عن وباء الطاعون من خلال إجراء الحجر الصحي بالقول: "إنه ليس حجراً صحياً بمعنى (الحقيقة)، وإنّما له صلة بالخوف من كل ما يهدد مركّب السلطة وسلامة استمرار الدولة."

 

هاجس فوكو هو الكشف عن خبايا هاجس الذي لعبته الرأسمالية في بناء السلطة البيولوجية، والتكنولوجيا السياسية للحياة، وبلورة تمثل جديد عن الجسد، من خلال ظهور الظواهر الخاصة بحياة النوع البشري في نظام المعرفة والسلطة، في حقل التقنيات السياسية. إن الضغط البيولوجي على المجتمعات قد ظل، على امتداد آلاف السنين قوياً في زمن الأوبئة والمجاعة والخوف من الموت، مما سيعطي فرصة لمراكز البحوث من أجل إيجاد نظرية النمو الاقتصادي والزراعي شبيهة بالتي كانت في القرن الثامن عشر، والتي ساهمت في تزايد الإنتاجية وأصبح الموت يكفّ عن تطويق الحياة. ولكن في ذات الوقت، كان تطور المعارف، المتعلقة بالحياة والتمتع بها كافيا كي يمنح للإنسان فرصة ليعيش ويتمدد أكثر.

 

هكذا يكون التحكم النسبي في الحياة يبعد قهر الأمراض من وشكات الموت، مما جعل من منظمة الصحة العالمية تعتبر أن فيروس كورونا “كوفيد-19” يشكل “جائحة”، وهي أعلى درجة من “التفشي” و”الوباء”، ويعني أن المرض وصل مرحلة تحدي السيطرة.

 

لكن العلم يشتغل من أجل الخلاص؟

(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏)  ‏المجادلة‏:‏ الأية 11