الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

د. تدمري عبد الوهاب: وباء كورونا.. المؤشرات والتداعيات

د. تدمري عبد الوهاب: وباء كورونا.. المؤشرات والتداعيات تدمري عبد الوهاب

يظهر من خلال التطور السريع لانتشار وباء كورونا عبر العالم أننا فعلا أمام مرحلة جديدة للمنظومة الصحية الدولية، وأن المجتمع الدولي أمام تحدي جدي لم ولن يكون كسابقيه من الأزمات التي شهدها العالم، كون هذا الوباء بانتشاره الواسع وبما صاحبه من إجراءات احترازية ووقائية دولية ستكون له انعكاسات على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

 

لكن فقط هل يمكن اعتبار هذا الهلع الذي يشهده العالم له ما يبرره من الناحية الصحية، علاقة بالتهديد الفعلي لانتشار هذا الوباء؟

 

هل يمكن عزل ظهور هذا الوباء عن ما يشهده العالم من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خلقت مناخا دوليا يسوده الخوف، مما يحمله المستقبل من أزمات وحروب تهدد السلم والأمن الدوليين؟

 

أكيد أن سرعة انتشار هذا الوباء وقدرته على اختراق حدود الدول والقارات، يشكل إحدى المخاوف الأساسية التي تستدعي ما نشهده الآن من تدابير احترازية وإجراءات طبية ووقائية موحدة، خاصة بعد أن أعلنته المنظمة العالمية للصحة وباء عالميا.

 

لكن فقط أود أن أقول في هذا الصدد، هل حجم الهلع الذي أصاب العالم والمجتمعات البشرية من جراء تفشي هذا الوباء يتناسب فعلا وحجم الأضرار الصحية المترتبة عنه؟ خاصة إذا ما استحضرنا العدد الإجمالي للإصابات منذ ظهور هذا الوباء في نونبر من سنة 2019، أي بعد خمسة أشهر، والذي يمكن تقديره في حدود المئة ألف حالة أو أكثر بقليل وعدد الوفيات لم يتجاوز الأربعة ألف عبر العالم، هذا في الوقت الذي تحصد فيه الأنفلونزا العادية سنويا، حسب المنظمة العالمية للصحة، أرواح ما يقارب 250000 إلى 500000 شخص، وإصابة ثلاثة إلى خمسة ملايين شخص بإصابات حادة تستدعي الولوج إلى المستشفيات للعلاج. هذا دون احتساب أعداد الإصابات والوفيات في دول العالم الثالث، نظرا لتخلف الأنظمة الصحية فيها ولعدم توفرها على إحصائيات دقيقة.. ودائما عن نفس المنظمة يعتبر ثلث سكان العالم حاملين لبكتيريا السل المعدية، وبلغ عدد الوفيات نتيجة هذا المرض في سنة 2016 لوحدها ما يناهز مليون وثماني مائة ألف شخص. والملاريا أودت بحياة 445000 شخص في نفس السنة.

 

إذن، وباستحضار هذه المعطيات التي تبين بالأرقام والوقائع أن حجم الخوف المستشري في مجتمعات العالم من جراء هذا الوباء، لا يتناسب وانعكاساته الصحية لحد الساعة، مقارنة بباقي الأوبئة التي تجتاح الكرة الأرضية سنويا. وهو ما يدعونا للبحث في أسباب أخرى إضافية لما يعيشه المجتمع الدولي وشعوب العالم من تضخيم للوباء إلى حد ظهور فوبيا جماعية انعكست على المعاملات الإنسانية بين البشر، وأظهرت سلوكات انعكست جماعيا على شراء وتخزين الاغذية، وكأن المجتمع الدولي امام كارثة انسانية تؤشر على قرب نهاية العالم.

 

بالتالي ومن أجل فهم ردود الفعل الجماعية هاته، يجرني القول بأسباب إضافية اخرى قد تساهم في فهم ما يجري حاليا من أحداث علاقة بهذا الوباء.

 

- عولمة الوباء

أكيد أن الوباء يشهد انتشارا سريعا حسب ما نرصده من ارتفاع لعدد الإصابات، لكن كذلك كون خصوصية هذا الانتشار تكمن في تجاوزه السهل للحدود بين الدول. وقد ساد في رصد وتتبع انتشاره الثورة الرقمية والفضاء الأزرق الذي شكل ضغطا إضافيا على الدول الحكومات بما ينشره رواد هذا الفضاء من معلومات متباينة تجمع بين الحقيقة العلمية والمعطيات والواقعية وبين معطيات وأخبار تلامس الخرافة وتجانب الصواب. وهو ما يحمل الدول والحكومات إلى اعتماد بيانات تبين بالأرقام تطور عدد الاصابات والوفيات. كما أن هذا الفضاء الأزرق، وبحكم ما يتيحه من سهولة في انتقال المعلومة عبر العالم، وبحكم ما يتداوله من أخبار حول انتشار الوباء، أصبح مادة وموضوع تداول يومي بين الناس بمختلف أعمارهم ومواقعهم الاجتماعية وأماكن تواجدهم عبر الكرة الأرضية.

 

- الوضع الاقتصادي العالمي

صحيح ان الاقتصاد العالمي، وبإقرار الخبراء الاقتصاديين، يشهد ركودا خطيرا لم يسبق له مثيل. ركودا يذكر بأزمة الثلاثينيات من القرن الماضي. ركودا لم يشف منه منذ الأزمة الاقتصادية لسنة 2008. لكن صحيح ايضا أن انتشار هذا الوباء انعكس وسينعكس سلبا على اقتصاديات العالم، وهو ما بينته التقارير الاقتصادية الدولية الأخيرة. بمعنى أن الأزمة الاقتصادية العالمية ستزيد حدة بما ينذر بقرب حدوث أزمة اقتصادية عالمية جديدة، بكل ما سينتج عنها من انعكاسات اجتماعية وسياسية على شعوب ودول العالم. لكن ما هو مثير أيضا هو استشعار الشعوب لتداعيات هذه الأزمة، حتى قبل ان تبلغ ذروتها، والتي تجلت خلال العشرية الأخيرة في الكثير من الأحداث الاجتماعية والحركات الاحتجاجية الشعبية الغاضبة من سياسات حكوماتها ودولها، وذلك في الكثير من بلدان العالم؛ والتي تحول البعض منها الى حروب دموية داخلية طاحنة غذتها بعض القوى الرأسمالية العالمية التي تتغذى على ماسي الشعوب، وذلك بحثا عن استفادة اقتصادية ومالية تخفف من أعبائها الاقتصادية الداخلية نتيجة ما تشهده من ركود ومن انخفاض لمعدلات النمو لديها الذي يشكل على سبيل المثال لا الحصر، أقل من 2 % بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية كأول اقتصاد عالمي هيمن لعقود على العالم. وما تصرف الرئيس الامريكي مع ملوك وأمراء الخليج، عندما قايض صراحة بقاءهم في الحكم ببضع تريليونات من الدولارات لينعش بها اقتصاد بلاده الآيل للانهيار، إلا اعترافا ضمنيا بواقع الأزمة التي يعيشها الاقتصاد الامريكي كممثل للاقتصاد الرأسمالي العالمي.

 

إذن بقدر ما أدت الانعكاسات الاجتماعية للأزمة الاقتصادية والسياسية العالمية إلى توترات وعدم استقرار اجتماعي في الكثير من بلدان العالم؛ بقدر ما خلقت حالة عدم اطمئنان الشعوب في المستقبل، وهو ما رفع من مستوى منسوب الخوف لديها من انتشار الوباء، رغم كون هذا الخوف لا يتناسب وحجم انعكاساته الصحية وفق المعطيات والأرقام بالمقارنة مع أوبئة أخرى أكثر فتكا بساكنة الكرة الأرضية.

 

- خصوصية انتشار الوباء

إن وباء كورونا، حسب خريطة انتشاره لحد الآن، يبين خصوصية يمكن أن تكون عنصرا إضافيا مهما في فهم حالة الهلع التي يشهدها العالم. خصوصية طال من خلالها أساسا دولا مصنفة من العالم الأول وذات أنظمة صحية متقدمة. ومنها من اعتبر نفسه في منأى عن الأوبئة منذ بداية القرن العشرين. وأخص بالذكر الدول الغنية والأوروبية التي شهدت اخر وباء في بداية القرن العشرين مع ما سمي آنذاك بالأنفلونزا السوداء أو الإسبانية. وبالتالي ما كانت تبالي بما يعيشه العالم الثالث من أوبئة فتاكة لشعوبه تحصد سنويا ملايين البشر. لكن فقط يبدو من خلال الاهتمام الواسع بهذا الوباء من طرف هذه الدول وحجم المرافقة الإعلامية له، إنها فعلا تخاف على مواطنيها وعلى وجودها كأمم، وهذا حق من حقوق الإنسان وواجب عليها إزاء شعوبها، لكن فقط ألم يكن بالأحرى كذلك إيلاء نفس العناية والاهتمام لما تعانيه الشعوب الفقيرة من انتشار واسع للأوبئة التي تؤدي سنويا إلى وفيات بالملايين، هذا دون إضافة اعداد الوفيات بسبب الفقر والمجاعة .

 

خلاصة القول أن وباء كورونا، رغم كون ما أحدثه من هلع وخوف عبر العالم، وذلك بما لا يتناسب وتداعياته الصحية حسب الأرقام المتوفرة، سواء بالنسبة لعدد الإصابات ولا بالنسبة لعدد الوفيات مقارنة بالأوبئة الاخرى التي تصيب دول العالم الثالث. فإن ما أحدثه من فوبيا جماعية هو شق كبير مته، نتاج الشعور المتنامي لدى شعوب العالم بحالة عدم الاطمئنان للمستقبل، التي رافقت الانعكاسات الاجتماعية والسياسية للأزمة الاقتصادية العالمية، وما رافقها من اضطرابات ونزاعات مسلحة؛ إضافة إلى ما رافق هذا الوباء من اهتمام مبالغ فيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي عملت على عولمته وتداول موضوعاته حتى أصبحت متاحة لدى أبعد قرية في الكرة الارضية، خاصة مع ما أظهره هذا الوباء من خصوصية على مستوى انتشاره الذي طال بالأساس دول العالم الأول، وخاصة أوروبا التي اعتبرتها المنظمة العالمية للصحة البؤرة القادمة للوباء، وهو ما زاد من حدة الاهتمام به بشكل غير مسبوق، وبشكل لم يسبق تداوله من قبل عندما كانت الصين تعاني منه لوحدها الأمرين، كوباء جديد عليها وعلى العالم.

 

إلا أنه وبالرغم من كل ما سبق، على المجتمع الدولي واجب مجابهته واتخاذ ما يلزم للحد من انتشاره في إفق القضاء عليه. كما على العالم أن يهتم لما ينخر الشعوب الفقيرة من أوبئة تحصد ملايين الأرواح سنويا.

 

أكيد أن الانتشار السريع للوباء في الدول الأوروبية عمل على إحياء ذكريات الماضي لديها، مع ما طالها من أوبئة، والتي كان آخرها الانفليونزا الاسبانية سنة 1918 التي أودت بحياة الملايين من الاوروبيين، وأظهرت أن ما كانت تعتبره في عداد الماضي الذي لن يتكرر بفعل تطور انظمتها الصحية غير صحيح؛ واعتقادها بأن الأوبئة هي فقط من خصائص العالم الثالث لم يكن صائبا، خاصة أمام ما تشهده من تفشي سريع لهذا الوباء.

 

في هذا السياق يمكن القول إن الوباء، وبغض النظر عن طبيعته وأسباب ظهوره كحالة طبيعية أو بفعل فاعل في سياق ما يشهده العالم من نزاعات وصراعات على مراكز القوة والنفوذ، إلا أنه أثبت بقدرته على اختراق الحدود السياسية للدول والقارات، وبانعكاساته الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي أدت الى ارتفاع منسوب حالة عدم الاطمئنان لدى مختلف شعوب العالم وإلى تعميق حالة الأزمة والركود التي يشهدها الاقتصاد العالمي بما ينذر بكارثة اقتصادية عالمية جديدة قد تعصف بالنظام السياسي والاقتصادي العالمي كما هو متعارف عليه الآن، وبتراجع اقتصاديات دول وصعود أخرى.

 

وإن على العالم واجب تدمير ما لديه من مخزون من الأسلحة الجرثومية التي أظهر الوباء الحالي، أن أي استعمال لها سيشكل كارثة انسانية تعم الجميع بفعل قدرة ما ستحدثه من أوبئة على اختراق الدول والشعوب، خاصة مع ما يشهده العالم من تطور لوسائل الاتصال، وسهولة التنقل وارتباط الشعوب بعضها ببعض. وأن تأثيرها سيكون أكثر إيلاما للإنسانية من الأسلحة الكيماوية والنووية ذات الفعل المحدود جغرافيا.