الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الإلاه حبيبي: المرض أو الوباء يقتضيان حربا ضد العادات السائدة

عبد الإلاه حبيبي: المرض أو الوباء يقتضيان حربا ضد العادات السائدة عبد الإلاه حبيبي

العادة هي تكرار نفس السلوكات كانت لفظية أو جسدية أو حتى طقسية كل لحظة، كل يوم، مع الحرص على الاستمرار في إتقانها وتحسينها بجرعات من الخطاب التبريري، حيث يتم نقل عدواها إلى المحيطين بنا  بدعوتهم إلى رحابها  حتى يتحقق الانسجام بين الأفراد على حساب الاختلافات التي ينبغي لها أن تختفي لنصبح أمام جماعة ملتحمة في نفس العادات وممارسات سلوكية شبه متطابقة، أي أمام مجتمع تحكمه عقلية ناتجة عن عادات الأجداد والآباء التي نقلت بالتوجيه، بالوعيد، بالتوبيخ أو حتى بالعقاب من جيل إلى جيل لتأخذ في الأخير هامة الهوية الثقافية، حيث ستحظى بالاحترام والتقديس الذي سيعرقل كل تفكير أو نقد أو مراجعة قد تخلخل هذه العادات التي تكلست وأصبحت عقليات تعادي العقل والعقلانية والحساب الدقيق للعواقب والقدرة على التكيف مع كل المستجدات، سواء كانت في مجال الاقتصاد أو الاجتماع أو الصحة والثقافة..

 

لهذا فغالبا ما نجد أن مصدر رفض التغيير هو العادة المألوفة، والخوف من الجديد، من المستجد، من ضياع الركائز التي توفرها العادة وتؤمنها لنا في شكل حماية نفسية من السقوط في الفراغ الذي يشبه العدم... لهذا فالمرض أو الوباء يقتضي حربا ضد العادات السائدة، سواء كانت غذائية، متعلقة باللباس، بالجسد، بالمكان، باستعمال الأدوات، بالرفاق والزيارات وتقنيات التواصل التي لها علاقة بأعضاء الجسد، أي يفرض علينا فجأة أن نقوم بتغيير إكراهي لما ألفنا ممارسته عند بداية كل يوم..

 

الوباء عندما ينتشر يكون قد صادق العادة، وتكون هذه الأخيرة هي نصيرته، وحليفته، وهي التي تفتح له الأبواب، والقلوب، وتقدم له الأجساد على طبق من ذهب حتى يستعملها لتحقيق مآربه الكارثية... لهذا فوباء دوما يحتمي بما ألفه الناس، وكأنه كائن ذكي يعرف كيف يحرك في الناس هذه الألفة، ويحثهم بطريقة لاشعورية على التمسك بالعادات ورفض التغيير والإجراءات التي قد تقيد حريتهم وتحرمهم من اللذات التي استأنسوا جنيها من ممارسة نفس الطقوس والعادات...

 

الهلع مصدره الخوف من تغيير العادات والإجبار على اكتساب أخرى قد تبدو أول وهلة مهددة لنمط العيش، وإيقاع الحياة العادية، لهذا  تبدو مصدرا لقلق غير واضح وارتياب يكتنفه التردد والارتباك، لهذا تظهر مقاومة خفية ضد التقيد بالعادات التي يفرضها مثلا الحجر الصحي، أي أن يتخلى الفرد عن ميكانيكا يومية، عن ما يعتبره حقوقا مكتسبة، حتى ولو لم يقم يوما بمراجعتها والتحقق من مدى إيجابياتها أو سلبياتها...

 

لهذا بات من الضروري البدء بتفكيك سؤال العادات لخلق عقلية جديدة قادرة على التكيف السريع مع المستجدات، كانت حروبا طارئة، أو كوارث طبيعية أو وباءات عابرة... وهذا هو دور المثقفين ورجال التعليم والتربية والإعلاميين بهدف تسهيل عمليات التقنين الصحي التي تفرضها مقتضيات الاحتياط ومحاربة انتشار العدوى، العادة هي البينة النفسية التي ينبغي مخاطبتها حتى نحررها من تحالفها المحتمل مع الوباء وتسهل بالتالي مروره السلس لكل الأجساد ونصبح على ذلك  نادمين...