الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبدالسلام الصديقي: توسيع نطاق تقلب سعر صرف الدرهم، هل كان مناسبا؟

عبدالسلام الصديقي: توسيع نطاق تقلب سعر صرف الدرهم، هل كان مناسبا؟ عبدالسلام الصديقي
قررت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، بعد التشاور مع بنك المغرب، توسيع نطاق تقلب سعر صرف الدرهم، ابتداء من يوم الاثنين 9 مارس 2020 من +- 2.5 في المائة إلى +- 5 في المائة بالنسبة إلى سعر الصرف المركزي المحدد من طرف بنك المغرب على أساس سلة من العملات مكونة من اليورو والدولار الأمريكي بنسبتي 60 في المائة و40 في المائة على التوالي". بهذه العبارات تم الإعلان عن قرار اتخذ يوم 6 مارس.
ومن أجل توضيح أسباب نزول هذا القرار، يضيف البلاغ: "ويندرج هذا الإجراء في إطار مسلسل إصلاح نظام سعر الصرف، الذي انطلق في شهر يناير 2018، ويأتي بعد بلوغ الأهداف المحددة للمرحلة الأولى.
ويتم الشروع في هذه المرحلة الثانية من الإصلاح في ظروف ماكرو اقتصادية وملائمة على الصعيد الداخلي تتسم على الخصوص بمستوى ملائم للاحتياطيات من العملة الصعبة، ومستوى تضخم متحكم فيه، واستدانة الدين العمومي وصلابة القطاع المالي".
ومن خلال قرائتنا لهذا التعليل. يبدو وكأن القرار اتخذ بمعزل عن الظرفية السائدة حاليا والتي يطبعها وجود ظاهرتين بالغتا الأهمية ألا وهما فيروس كورونا وحالة الجفاف. وحينما نأخذ بعين الاعتبار هذين الظاهرتين، نجد أنفسنا أمام وضعية تختلف كليا عن تلك التي رسمها بنك المغرب.
فرغم صعوبة قياس تأثير الاقتصاد المغربي بفيروس كورونا، يمكن القول أن هذا التأثير سيكون عميقا. وهناك قطاعات حساسة أصبحت تعاني من مخلفات هذا الفيروس كالسياحة والخدمات المرتبطة بها، والنقل الجوي، والتجارة الداخلية والخارجية..في حين لم تتمكن بورصة القيم بالدار البيضاء من مقاومة الذعر الذي أصاب الساحات المالية عبر العالم، وتعرضت لخسارة مهولة في حصة واحدة قدرت بحوالي 3 في المائة لترتفع الخسارة إلى حدود 20 في المائة منذ بداية السنة.
وتنضاف إلى هذه التأثيرات المباشرة، تأثيرات غير مباشرة معروفة في مثل هذه الحالات، وهي مرتبطة بالعامل النفسي وردود الفعل.
كما أن ظاهرة الجفاف لم تعد مجرد فرضية، بل أصبحت واقعا لا مفر منه كيفما كان تطور مستوى التساقطات في المستقبل. وفي أحسن الحالات، سيكون لدينا موسم فلاحي دون المتوسط الوطني المسجل خلال السنوات الماضية. وهذا يدل على أن البلاد تمر بمرحلة صعبة. وإذا كانت اللحظة لا تدعو إلى الانتظارية، فإنها ليست ملائمة لاتخاذ قرارات من شأنها أن تقوي الهزات وتصب الزيت على النار.
وفي ظرفية مفتوحة على جميع الاحتمالات، مثل التي نعيشها اليوم، ولنقلها بكل مسؤولية، كانت الحكمة تقتضي تأجيل القرار الذي اتخذه بنك المغرب على الأقل إلى حين تجاوز أزمة فيروس كورونا.
ويبدو لنا هذا الإجراء متسرعا وغير مناسب، متسرع لكونه لا يدخل ضمن أولويات البلاد التي تواجه قضايا مستعجلة تمس العيش اليومي للمواطنين، غير مناسب لكونه سيزيد في تعقيد الأوضاع ويعمق التخوف من المستقبل. 
وعليه، فالإطار الماكرو اقتصادي أبعد ما يكون مناسبا، خلافا لما قيل، والاحتمال كبير في تفاقم الأوضاع. فالصادارات يمكن لها أن تعرف تراجعا وصعوبات حقيقية أمام انكماش الطلب الموجه للمغرب وخصوصا الطلب الصادر عن الاتحاد الأوروبي. وهو ما سيعمل على تفاقم الميزان التجاري خاصة إذا أضفنا تضخم الفاتورة الغذائية. كما أن ميزان الأداءات الجارية سيعرف بدوره نفس المنحى بالنظر إلى التراجع المحتمل للتحويلات الجارية. أما الاستثمارات الخارجية المباشرة، فلقد دخلت في مرحلة الانخفاض قبل ظهور الأزمة الحالية، ولا ندري بأي معجزة ستجد سبيلها نحو الميل المتصاعد. وهذا  المعطى يهم العالم بأسره كما يهم المغرب طبعا.
وفي ظرفية مثل هذه، إن الإسراع المفاجئ في عملية تحرير صرف الدرهم يحمل في طياته الكثير من الأخطار، خلافا للتوقعات المتفائلة التي بشرنا بها كل من صندوق النقد الدولي والسلطات المغربية.
طبعا، القرار اتخذ ولا ننتظر التراجع عليه. ولكن على الأقل يجب على الحكومة أن تكون في مستوى اللحظة، وتعطي إشارات قوية من شأنها أن تساعد بلدنا على تجاوز هذه الأوضاع الصعبة بأقل تكلفة، واستعادة الثقة.
عبدالسلام الصديقي،أستاذ جامعي، ووزير التشغيل والشؤون الاجتماعية الأسبق