الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد السلام فيزازي: إشكالية العالم العربي والإسلامي..!

عبد السلام فيزازي: إشكالية العالم العربي والإسلامي..! عبد السلام فيزازي

إشكالية العالم العربي والإسلامي غدت شبه عصية، إذا ما أردنا عد الأسباب والحوافز المتحكمة في قدرات تهدر بشكل من الأشكال في سبيل تحقيق ضرورة تنمية ثقافية سياسية أن على المستوى الذاتي إلى جانب المستوى الموضوعي، ولهذا تختتم علينا على اعتبار أننا نعد من الدول المتأخرة في هذا المجال أو يمكن أن نؤمن ولو من باب الطوباوية أننا في طريق النمو.. وحتى نكون موضوعين ونحن تتوخى تحقيق هذه التنمية علينا فعلينا تحقيق ديمقراطية جديدة وحداثة شأنها شأن الدول التي كانت بالأمس مثلنا إلا أنها حققت بالعمل والعزيمة ما جعلنا ننظر إليها نظرة إعجاب وتساؤل يرهب أجيالنا التي من الأكيد أنها ستحاسبنا عن وقت أضعناه في الليل والقال بينما غيرنا كان يعمل بصمت ورؤية ثاقبة نحو أفق انتظار لم تؤمن يوما أنه يعد من المستحيلات.. وهذه الديمقراطية الحداثية عليها أن تتجاوز شتى عناصر التخلف والاستبداد وصولا إلى الانحطاط الذي لا يمكن أن يختلف عليه اثنان. أنها عناصر تبقى شئنا أم أبينا عالقة في ثقافتنا السياسية السائدة والتي تكرسها الحكومة المنبثقة من أحزاب تجاوزها الزمن إذا ما قسناها بباقي سياسة الدول التي تركتنا نجر أذيال التقهقر الذي لم يكن يوما قدرا مقدرا..ا والحال ونحن نقدم نقدا ذاتيا نيابة عنها أنه لا يمكن البتة الخروج من مزالقنا الراهنة بغية التفاعل الفعال وبصيغة إيجابية مستصحبين نحاسب حضارتنا دون تطليق باقي الحضارات الإنسانية التي يجب أن نعتبرها مرجعيات لا مجرد عنها في زمن عولمة لا تؤمن بالفردانية بعيدا عن الكونية التي هي ملك للجميع.. ومع هذا علينا حقيقة ممارسة القطيعة المعرفية والسياسية وثقافة التخلف التي لا يتبناها ألا من كتب عليه أن يعيش إعاقة ما بعدها إعاقة؛ بثقافة التخلف والاستبداد التي أصبحت فردا في العشيرة لا يمكن قبولها في زمن التنافس الشرس بين الدول لأنها تعد المسؤولة عما نعيشه من الأقل لا تعد ولا تحصى إلى درجة انعكست على مشاريعنا التقدمية المهدورة أننا لم عليها فرملة الحرية التي تبنى عليها التنمية على اعتبار أننا المحرك الأساس لكل تنمية واعدة.. ويكفينا ما عشناه وبشكل مسترسل يستفحل يوما بعد يوم إلى أن تجاوز بنا المحلي والقومي وصولا إلى بثه خارج الضفة الأخرى ونجوم في السماء تنظر ولا تعسف. يكفي الأمة من هذا الاستبداد السياسي إلى أن صار سياسويا بامتياز ولم نعد نستطيع تحمله هو الجاثم على صدورها فرضي بالمقام فأقام، والجميع بل اختصر القول لأقول أن العقلاء وحدهم من يدركون عواقبه المتمثلة في عرقلة انطلاقتها الحضارية الجديدة بعيدا عن الغنائية السياسية التي لا ترى إلا أفق الاستحقاقات والباقي عندها لا يمثل إلا عبورا لا يهمها ما دام ليس لصالحها وهنأ تتضارب الذاتية مع الموضوعية، والمصلحة الذاتية على حساب المصلحة العامة.. الاستبداد الذي أصبح يلفحنا داخليا وخارجيا هو المكبل لافق انتظار امتنا بمزيد من الكوابح التي أقل ما يجب أن يقال عنها أنها عدوانية مفضوحة ضد الوطن والشعب وبالتالي الإنسانية قاطبة، وهذا ما يتولد عنه أيضا الانحباس التطوري واختناق سياسي بل حتى الحقوقي والحضاري وفي غياب عدالة صارمة ضد كائن من كان من كل من ينتمي لهذا الوطن علما أننا سواسية أمام القانون وأمام أنظار العالم.. وانطلاق من كل هذا تتشكل الحاجة الماسة بغية تحقيق عملية تفكك وجذريا بثقافة الاستبداد الديكتاتوريات في زمن الحريات المطلقة التي تدعونا إليها عولمة ليست ملكا لأحد؛ ومن هنا أيضا نستطيع أن نرنو إلى تحقيق وبناء فكر وثقافة سياسية جديدة المبنية على الديمقراطية الحقة لا الصورية المتهالكة في العالم العربي حيث سيسود القانون ولا شئ غير القانون إلى جانب احترام حقوق الإنسان الذي بدأ للبعض يخاله مجرد لعبة ترد والأمثلة بدت للعيان.

من هنا تتشكل الحاجة الماسة إلى تفكيك ثقافة الاستبداد والديكتاتورية في الفضاء الثقافي والسياسي العربي، وبناء فكر وثقافة سياسية جديدة، قوامها الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وصيانتها.

ولعلنا لا نبالغ حين القول: إن المسؤول الأول عن إخفاقات الأمة المتتالية في كل حقول الحياة، هو الاستبداد والاستئثار بالرأي والقرار والاستفراد بالسلطة.

وذلك لأن الاستبداد بمتوالياته العديدة والخطيرة، هو الذي يؤسس للفشل والإخفاق، ويشرع للهزيمة والانكسار. فحيثما كان هناك استبداد سياسي. توافرت كل موجبات الإخفاق والهزيمة. بل لا يكتفي فعل الاستبداد بذلك، بل يحاول إسقاط كل عناصر القوة في الأمة، وذلك من أجل ضمان ديمومة استبداده واستمرار ديكتاتوريته.

لذلك فإن الخطوة الأولى في مشروع التقدم في المجالين العربي والإسلامي، هو نبذ الاستبداد وتفكيك ثقافية وموجباته، ودحر مبرراته، ومقاومة رجاله ومؤسساته. وبدون إزالة الاستبداد السياسي، ستبقى كل التطلعات مجردة، وكل الأعمال والأنشطة بدون أفق حقيقي.

من هنا ينبغي أن تتجه كل الجهود والطاقات لمقاومة الاستبداد، وإرساء معالم وحقائق سياسية - اجتماعية جديدة تستند إلى قيم الديمقراطية والشورى والتداول السلمي للسلطة. وهذا بطبيعة الحال، بحاجة إلى ثقافة سياسية جديدة، تتجه إلى صياغة العقول وبناء الحقائق على هدي هذه الأسس والمرتكزات.

فالاستبداد هو أم الرذائل كلها، ولا خيار أمامنا إذا أردنا الأمن والتنمية والاستقرار، إلا التحول نحو الديمقراطية وبناء أنظمتنا السياسية والتربوية والثقافية على أسس الديمقراطية والمشاركة وحقوق الإنسان.

 

فالاستبداد بمتوالياته وتأثيراته المتواصلة، هو الذي أوصل العديد من المناطق والدول في المجالين العربي والإسلامي إلى دوامة العنف والقتل المجاني. وذلك لأنه (الاستبداد) هو الذي يغذي مصادر العنف وينشط حركة الصراع السلبي في المجتمع. وهو الذي يشرع في كل الأحوال إلى ممارسة القهر والقوة في العلاقات الإنسانية والاجتماعية والسياسية. فالاستقرار لا يتحقق بالإرغام والإكراه المتعسف، بل بالرضا والمشاركة والتوزيع العادل للثروات وتكافؤ الفرص.

و"الاستبداد أو الطغيان (Tyranny) يمكن تعريفه على أنه ذلك الإكراه الذي تمارسه سلطة ليس لها الحق في استعمال القوة، أو حتى سلطة شرعية تتجاوز القيود والحدود في استعمالها. والإرغام (أو الإكراه) الذي (قد) تمارسه السلطة المستبدة هو عادة إرغام يمكن تجنبه (أو تجنب القسط الكبير منه) من ناحية، ويتعذر التنبؤ به (في أغلب الأحيان) من ناحية أخرى. أما ضحيته الأولى فواضحة وجلية: الفرد وحريته. ومن الشرور البارزة لهذا الإكراه الاستبدادي أنه يلغي الفرد كشخص مفكر ومقيم ويجعله مجرد أداة لتحقيق أهداف الآخرين. فهو مرغم على التصرف وفق خطة حياة ليست له. وعلى خدمة أهداف لا تخصه. والاستبداد، دون أدنى شك، من الممارسات الملازمة لأي نظام ديكتاتوري أو قل، لأي نظام حكم مطلق".

والاستبداد كثقافة وممارسة لا تتوقف فقط عند طبيعة وآليات صنع القرار السياسي وتسيير شؤون الدولة الكبرى، بل هي تتسرب إلى كل الحياة والتفاصيل. بحيث يكون الطابع الاستبدادي هو المسيطر على مختلف شؤون المجتمع وقضايا الوطن. وحاجتنا الطبيعية والإنسانية إلى الانضباط والنظام والوحدة، ينبغي ألا تقودنا إلى ممارسة الكبت والاستبداد.

وذلك لأن هذه الممارسات لا تؤدي إلى الغاية المنشودة، بل على العكس من ذلك تماماً. حيث إن الكبت لا يصنع انضباطاً، والاستبداد لا يخلق وحدة، بل تشتتا وتداعياً مستمراً. فالاستبداد ليس هو الحل العبقري والحضاري لتلبية حاجات الإنسان المتعددة. بل هو حل العاجزين والجاهلين لسنن الاجتماع الإنساني.

و"إن الدول الاستبدادية التي تبدو قوية للمراقبين في الخارج، كما بدا الاتحاد السوفيتي، وكما تبدو الصين نسبياً حتى الآن، هي في واقع الأمر دول ضعيفة من الداخل لا تجرؤ على الخيار الديمقراطي وعلى حمل جنين الديمقراطية في جوفها الضعيف والمريض. أما الدول القوية، فعلى ما نسمع عنها من مشكلات داخلية، فهي التي تواصل المسار الديمقراطي على رغم تلك المشكلات الداخلية، بل تحلها بالديمقراطية".

حاجتنا إلى ثقافة سياسية جديدة:

 

من المهم القول: إن عملية تأسيس ثقافة سياسية جديدة وبنائها، تتجاوز رواسب الانحطاط وموروثات الاستبداد السياسي، ترتبط بطبيعة الهدف أو الأهداف المتوخاة من هذه العملية. وعليه فإن الغاية المتوخاة من الثقافة السياسية الجديدة، هي إشاعة النمط الديمقراطي في الحياة العامة للعرب والمسلمين. بحيث تكون الديمقراطية كثقافة وآليات ووسائل ونظم، هي السائدة في الحياة السياسية وإدارة شؤون الدولة والسلطة، كما هي جزء حيوي في النسيج الاجتماعي والثقافي.

فالثقافة السياسية الجديدة التي ننشدها ونتطلع إليها، هي تلك الثقافة التي تعزز التطور الديمقراطي والحقوقي في مجتمعاتنا، وتحول دون بروز السياقات الثقافية والاجتماعية والسياسية المفضية والمؤسسة إلى الديكتاتورية والاستبداد.

إننا بحاجة إلى ثقافة سياسية تعزز الخيار الديمقراطي في صفوف المجتمع، وتعمل على تهيئة المناخ لرفض كل محاولات تكميم الأفواه والعودة بالمجتمع إلى الأنظمة الشمولية التي تلغي الإنسان وحقوقه، وتحارب كل محاولاته للتحرر والانعتاق من رقبة الاضطهاد والقهر السياسي والاجتماعي.

ومحاولات الأنظمة الشمولية في رفع شعارات تقدمية لتعبئة المجتمع باتجاهها، دون خطوات عملية تترجم هذه المحاولات، أضحت عملية مكشوفة، ولا تثمر إلا المزيد من التوتر والاحتقان. لذلك فإن حاجتنا إلى ثقافة سياسية جديدة، تتكثف في النقاط التالية:

1- بناء الوعي الاجتماعي والسياسي على أسس العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وتجاوز كل أشكال الوعي الاجتماعي والسياسي المشوه. الذي يبرر استخدام القهر ويسوغ ممارسة الاستبداد ويقبل بتأجيل مشروع حقوق الإنسان وامتهان كرامته.

إننا لا نبالغ حين القول: إن الذي ساعد بشكل مباشر في تغول الأنظمة الاستبدادية - الشمولية في العديد من دولنا ومجتمعاتنا، هو الوعي الاجتماعي والسياسي المشوه، الذي لم يتعامل بفعالية وصدق مع مشروع الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن هذا الوعي الممسوخ الذي يرحب بالاستبداد السياسي ما دامت السلطة في يده، ويتجاوز عن كثير من الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات السياسية وحقوق الإنسان، هو أحد المسؤولين المباشرين عن تردي أوضاعنا وتدهور استقرارنا السياسي.

وحاجتنا إلى الثقافة السياسية الجديدة، تنبع من حاجتنا إلى بناء وعي اجتماعي وسياسي جديد، يمارس القطيعة بكل مستوياتها مع الديكتاتورية والاستبداد وكل مسوغات تعطيل مشروع الحريات السياسية والديمقراطية الشاملة. ويبني هذا الوعي الجديد حقائق العدالة والمساواة وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة واحترام حق التعبير والاختلاف، وصياغة واقعنا كله وفق متقضيات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

2- إن الديمقراطية كبنية وآلية وممارسة، ترتكز على مفهوم المشاركة السياسية. إذ لا يمكن أن تبنى الديمقراطية في أي بيئة اجتماعية، بدون مشاركة سياسية - مجتمعية فاعلة.

إذ إن مستوى المشاركة هو الذي يحدد مستوى الديمقراطية، كما أن توسع دائرة المشاركة السياسية في الفضاء الاجتماعي، هو أحد التعبيرات المهمة على الوعي الديمقراطي في المجتمع.

لذلك كله فإننا بحاجة إلى ثقافة سياسية جديدة، تدفع المجتمع وتحفزه بكل فئاته وشرائحه وأجياله إلى المشاركة السياسية وشؤون إدارة الشأن العام. من هنا فإن حاجتنا إلى الثقافة السياسية الجديدة، بمستوى حاجتنا إلى الديمقراطية والحريات السياسية. وذلك لأنه لا يمكن إنجاز ديمقراطية في بنائنا الاجتماعي والسياسي من دون مشاركة الناس.

ووسيلتنا الحضارية لتحفيز الناس للمشاركة في هذا المضمار، هو خلق ثقافة سياسية جديدة، تدفعهم بشكل ذاتي - دينامي إلى تحمل المسؤولية العامة والمشاركة بحيوية وفعالية في الشأن السياسي العام.

"والثقافة السياسية الجديدة التي تفترضها استراتيجية الانتقال الديمقراطي هي - باختصار - الثقافة التي تحمل النزعة النسبية في وعي السياسة والمجال السياسي محل النزعة الشمولية (أي التوتاليتارية)، وتحمل التوافق والتراضي، والتعاقد، والتنازل المتبادل، محل قواعد التسلط، والاحتكار، والإلغاء.... إلخ، فتفتح المجال السياسي - بذلك - أمام المشاركة الطبيعية للجميع. وتفتح معه السلطة أمام إرادة التداول السلمي عليها. هذا يعني أن في قاع هذه الثقافة السياسية النظري مفهوماً مركزياً تأسيسياً للسياسة والسلطة: إنهما - معا بحسبها - ملكية عمومية للمجتمع برمته يلتقي معها أي سلم معياري تتوزع بموجبه أقساط ومستحقات السياسية والسلطة على قواعد الامتياز أو الأفضلية أو ما في معناها من أسباب السطو على الرأسمال الجماعي السياسي.

وغني عن البيان أن مفهوم السياسة والسلطة، بهذا المعنى، يعيد تعريف الشرعية السياسية بوصفها تلك التي تتحصل برضا الشعب وحرية اختياره، من حيث هو مصدر السلطة والتشريع في النظام المدني الحديث، وليس بوصفها حاصل امتياز ما: عرقي، أو فئوي، أو ثيولوجي، أو أيدلوجي... إلخ".

 

3- إن كثيراً من التناقضات والتوترات السياسية والاجتماعية الداخلية، لا يمكن معالجتها بدون ثقافة سياسية جديدة، تؤسس لنمط جديد من العلاقة والتواصل بين مكونات المجتمع وقواه قوامها التسامح والحرية وسيادة القانون وقيم حقوق الإنسان. فكثير من مشكلات الداخل في المجالين العربي والإسلامي، بحاجة إلى رؤية وحلول جديدة، تتجاوز النمط التقليدي في معالجة هذه المشكلات. فأزمات السلطة وعلاقتها بالمجتمع وتعبيراته المتعددة وطبيعة الموقف من التعدد والتنوع المذهبي والقومي والعرقي المتوافر في العديد من المجتمعات، بحاجة إلى ثقافة سياسية جديدة، تعيد صياغة العلاقة وعلى أسس جديدة بين السلطة والمجتمع، كما أنه لا يمكن تجاوز معضلات التمييز الطائفي والعرقي والقومي، بدون ثقافة سياسية، تعيد إلى التنوع كينونته ومتطلباته، وترسي دعائم المواطنة وأسس الوحدة وفق رؤية وثقافة لا تلغي الخصوصيات الثقافية لكل فئة أو شريحة في المجتمع والوطن، دون أن تشرع إلى الانكفاء والانحباس في الذات.

من هنا فإن إعادة بناء أسس الثقافة السياسية في المجالين العربي والإسلامي، وبناء أنماط جديدة للعلاقة بين مختلف مكونات المجتمع والوطن على أسس الحرية والعدالة من المداخل والروافد الأساسية لبناء واقع ديمقراطي وسياسي جديد.

فالثقافة السياسية الجديدة هي الإطار الضروري لتمكين أفراد المجتمع من ممارسة وظائفهم العامة والقيام بمسؤولياتهم السياسية. وتنظيم العلاقات بين تنوعات المجتمع تنظيماً حضارياً وبعيداً عن الصراعات والحروب المفتوحة.

4- إن الإصلاح السياسي الذي تتطلع إليه الشعوب العربية والإسلامية اليوم، بحاجة إلى ثقافة سياسية جديدة، تبلور تطلعات الإصلاح السياسي، وتنضج المضامين السياسية والمجتمعية لعملية الإصلاح السياسي. وبالتالي فإن الثقافة السياسية المنشودة هي التي تساهم في انضاج الشروط الاجتماعية والثقافية والسياسية للانخراط في مشروع الإصلاح السياسي.

فالقطع المعرفي والعملي مع حقائق التسلط والهيمنة وموجبات احتكار السلطة والقرار والرأي وانتهاك حقوق المواطنين وإرادتهم، بحاجة إلى رؤية سياسية جديدة وثقافة مجتمعية ودستورية، تأخذ على عاتقها بلورة برنامج وطني متكامل للانعتاق من كل أشكال الاستبداد السياسي وموجباته، والانخراط الفعلي في بناء حياة سياسية جديدة للمجالين العربي والإسلامي على قاعدة الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إننا في العالم العربي والإسلامي اليوم، بحاجة إلى ثقافة سياسية تعيد تنظيم أولياتنا السياسية وتصيغ علاقات مكوناتنا بعضها مع بعض على أسس الحرية والعدالة، وتولي اهتماماً خاصاً وحيوياً لمسائل التنمية والتعايش الأهلي والمواطنة الدستورية. وتدعم سياق التحديث السياسي القيمي والمؤسسي الذي يتطلب القبول القانوني بالتعددية وتشكيل الأحزاب السياسية والمؤسسات المدنية والتشكيلات النقابية وضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.

وبكلمة: إننا بحاجة إلى ثقافة سياسية تنسجم ومتطلبات الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية وقيم الحوار والتسامح وحقوق الإنسان.

إننا بهذه العناصر والقيم الأساسية، نتمكن من تجديد حياتنا السياسية وتجاوز تحديات المرحلة والانطلاق من إمكانات الواقع وممكناته لبناء واقعنا الوطني على هدى هذه القيم ومقتضياتها الثقافية والمؤسسية.

 

د/عبد السلام فيزازي