السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

الشاعر إدريس بلعطار يترافع عن الأبعاد الجمالية في الكتابة الزجلية بمعرض الكتاب

الشاعر إدريس بلعطار يترافع عن الأبعاد الجمالية في الكتابة الزجلية بمعرض الكتاب الزجل طور أدواته وأساليب اشتغاله وأصبح رهانه بالفعل هو الذائقة الشعرية

تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" مع قراءها الورقة التي ساهم بها في ندوة فكرية الشاعر الزجال إدريس بلعطار، في المعرض الدولي بقاعة مراكش يوم الثلاثاء11/02/2020 تحت عنوان "الأبعاد الجمالية في الكتابة الزجلية"، والتي قام بتسييرها محمد رمصيص؛ وشارك فيها  مراد القادري واحميدة بلبالي.

ملاحظات حول عنوان الندوة

"أبدأ ورقتي بملاحظة حول عنوان الندوة "الأبعاد الجمالية في الكتابة الزجلية"..ووددت لو استبدلت (الكتابة الزجلية ) بـ (المتن الزجلي) ، على اعتبار أن سؤال الشفهي وانتقاله إلى المكتوب مازال يطرح عدة إشكالات، إذ نحاول إخضاع هذا الشعر الشفهي لنظام لغة أخرى؛ الشيء الذي يدفع إلى طرح عدة أسئلة ليست مطروحة في الشعر المعرب (الفصيح ) الذي لايوجد به لحن، سواء على مستوى النطق أو الكتابة لكونه يعتمد لغة معيار لها قواعدها الصارمة والصريحة؛ في وقت يعتمد فيه الزجل على لغة محكية بشقيها (اللغة البيضاء واللغة الاصيلة ).

فهل هذه الكتابة أو التدوين أو الطباعة تحمل معها الهوية الشفهية للزجل أم تحد منها ؟ وهل هذه الكتابة تحافظ في الجانب الفونيتيكي على الأبعاد الصوتية والتعابير الصوتية الألفاظ والتعابير الزجلية أم لا تفعل. فعندما نكتب مثلا (قلب معذب) فنحن نكتبها بخلفية اللغة المعربة، في وقت وجب كتابتها بألف بين الباء في الكلمة الأولى والميم في الكلمة الثانية، فقد التقى ثلاثة سواكن تباعا مما يجعل السكون الأوسط ينقلب إلى حركة عن طريق النبر كقاعدة ضمنية (قلب امعذب ).

أيضا على المستوى الكليغرافي ليس هناك اتفاق حول رسم/كتابة للمتن الزجلي فلفظة "كلمة" مثلا هناك من يكتبها بالتاء المربوطة ومن يكتبها بالهاء ومن يكتبها بالميم فقط (كلم) بفتح على الميم ومن يكتبها بالف ممدودة "كلما" بل هناك من يكتبهآ بتاء مبسوطة خصوصا إذا كانت بسكون حي (كلمت الحق) .

بالنسبة أيضا لحروف الجر الموقوفة التنفيذ في (دارجتنا ) فتأتي كتابتها بأشكال متعددة فحرف "على" يأتي بالهمزة أو من دونها (على/اعلى ) وتكتب بتسكين اللام مع حذف الألف "عل/ واقف عل الباب" كما قد تكتب العين وحدها مجردة "ع الله".

وقد تم التطرق لهذا الإشكال وإشكالات أخرى خلال ندوات ولقاءات سابقة تم فيها اقتراح إرفاق الدواوين المطبوعة بتسجيلات صوتية حتى يحصل التطابق بين التلفظ والكتابة . ووجب أيضا ومن أجل تلق سليم وضع هوامش للمفردات المحلية بالنسبة للدواوين المطبوعة خصوصا وأن الزجل المغربي أصبح له متلقيا خارج حدود الوطن ، فإذا أخذنا التعبير الرائع بلاغيا للمبدع الصديق احميدة بلبالي "برية في كم الريح"، فإن كلمة برية قد تطرح لبسا عند القارئ العربي الشيء الذي يفرض شرحها على الهامش حتى يتمكن من تمثل الصورة الشعرية بكامل الوضوح..كما وجب الإشارة إلى الرموز و الأساطير المحلية الموظفة في الكثير من النصوص الزجلية؛ فعندما أقول (كنت تشعليني ..حتى نزند ونڭدا/ باش نهمد ونهدا/ وطيور رمادي/تتجدد في الولدة/وتزيد ف لعلو موال)، هنا أنا لست ملزما بالإشارة إلى أسطورة طائر الفنيق أو العنقاء لكونيتها لكن عندما أقول (واليابوري بوالعوامة/وملك للسما/وملوك للما/وشكون حرزو/حتى جف جناني وخرب)، فأنا ملزم بالتعريف بـ "اليابوري" على اعتباره سلطان الماء في الأسطورة الڭناوية. هذا بالنسبة لملاحظتي حول عنوان الندوة.
قبل الدخول في موضوع ألندوة، " الأبعاد الجمالية في الزجل المعاصر" لابد من الوقوف على مجموعة من المحطات التي ساهمت بشكل كبير في تطوير زجلنا. لابد من الوقوف على ظاهرة المجموعات التي أشرت على ظهور قصائد جديدة تتغنى بما هو اجتماعي وسياسي وقومي وإنساني (يابني الإنسان/علاش حنا عديان )، وطرحت في قصائدها أسئلة ذات بعد فلسفي وجودي (واش حنا هما حنا..؟)، كما اتخذت من (الزجل/الكلمة/الحرف/اللغى..) موضوعا لها (لكلام لمرصع فقد المذاق/والحرف البراق ضيع الحدة) أو (صغى للنغمة وذوق سر الكلمة وروى وكون حاضر) ـ (نقول كلامي وغادي فحالي).

ـ لابد من المرورعلى تجربة (زجل الكليات)الذي راهن على قوة المضمون نظرا للظروف العصيبة التي أفرزته. ولابد من الوقوف على ريادة سي أحمد المسيح في طبع أول ديوان زجلي وبذلك فتح شهية الطبع أمام مجايليه والأجيال الموالية وكان له الفضل أيضا في تعبيد طريق الزجل إلى منصات الشعر التي كانت حكرا على الشعر المعرب (الفصيح).

ـ لابد من الوقوف على تجربة الرابطة المغربية للزجل وفضل الأستاذ إدريس المسناوي، هذا الإطار الذي ضم ثلة من خيرة الزجالين المغاربة من الجيل الثاني والذين أكدوا حضورهم في الساحة بشكل قوي ،ويكفي أن نذكر (بوعزة الصنعاوي وعزيز بن سعد ونهاد بنعكيدة ...واعتذر عن باقي الأسماء)، وضمت الرابطة المغربية للزجل أيضا مجموعة من الأساتذة المهتمين بمتابعة الزجل نقدا وتنظيرا؛ مما خلق دينامية غير مسبوقة تجلت في تنظيم العديد من اللقاءات والتي أعطت للزجل إشعاعا قويا، وتجلت أيضا في طبع العديد من الدواوين ،كما تجلت في الإنفتاح على الفضاء الجامعي هذا دون نسيان دور الاتحاد المغربي للزجل في اكتشاف العديد من التجارب الجديدة من الجيل الثالث، وكذلك دور جمعية الشعلة للتربية والثقافة الذي كان موازيا سواء على مستوى المركز أو على مستوى بعض الفروع، وأيضا دور الكثير من الجمعيات الوطنية هنا وهناك.

ـ لابد أيضا من الوقوف على فتح المجال امام الزجل المعاصر ليصبح للبحث العلمي الجامعي ،فكانت أطروحة شهادة نيل دكتوراة الدولة "جمالية الكتابة في القصيدة الزجلية المغربية الحديثة" للدكتور مراد القادري وتلثها مؤخرا شهادة مماثلة للاستاذ محمد بوستة بجامعة بن زهر بأكادير، وصدرت عدة دراسات من أهمها :كتاب للدكتور محمد رمصيص "من لغة الظل إلى لغة الشعر، وكتاب "فن الزجل "للأستاذ محمد داني، وكتاب "القصيدة الزجلية بالمغرب (عزف على أوثار العشق والغضب) للأستاذ مصطفى لمباشري، وكتاب (شعرنا المغربي إلى اين؟) للدكتور محمد الديهاجي، والعديد من الدراسات. كما تم إصدار العديد من الانطولوجيات التي عرفت بالعديد من الزجالات والزجالين، وأصبح الزجل أحد سفراء الثقافة المغربية في الكثير من الأقطار العربية وترجمت بعض الدواوين والنصوص إلى لغات أجنبية..

كل هذا يؤكد أن الزجل طور أدواته وأساليب اشتغاله وأصبح رهانه بالفعل هو الذائقة الشعرية والجمالية، هذه الأخيرة التي تعني بشكل مبسط استحضار الجوانب الفنية والرهان عليها في مستويات عدة منها اللغة والمعجم والصورة والخيال وأيضا الايقاع.

فبالنسبة للغة فهي لغة محكية لغة التواصل اليومي لشرائح اجتماعية متنوعة (بدوية ومدينية)، هذه اللغة التي تحولت في الزجل إلى لغة شعرية تتغيا بناء دلالات جديدة تعبر عن رؤية الزجال الذي يمتلك إلى جانب ثقافته الشعبية ثقافة عالمة ومعارف كونية.
أما المعجم فتتجلى جماليته في الإنتقاء وحسن التوظيف على اعتباره مساعدا على بناء الصورة الشعرية لما يحمله من شحنة نفسية وجدانية واجتماعية وأيضا رمزية، وتتجلى هذه الجمالية في تفجير المعنى الأصلي للمعجم وتوليد مدلولات جديدة له..

وعلى مستوى الصورة والخيال فالتعابير والتركيب في (دارجتنا) لها حمولة خيالية تصويرية على مستوى التداول والاستعمال اليومي. والزجال الواعي بهذه الحمولة يوفرها توظيفا جديدا يكون بعدة تقنيات وأساليب كالإضافة والقلب والتشذيب الخ، فالأساسي في الصورة الشعرية هو اللامألوف (الانزياح في لغة النقد) والذي يتم هو الآخر بعدة أساليب بلاغية أهمها الإستعارة والرمز والأسطورة سواء كانت كونية أو محلية.

أما بالنسبة للإيقاع فقد عرف هو الآخر تطورا ملحوظا في محاولة لتكسير رتابة إيقاع القصيدة التقليدية حيث ركز على الإيقاع الداخلي سواء على مستوى الأصوات كـ (المدود و الأصوات المتقاربة "الجناس"...) أو على مستوى الكلمات إذ لجأ إلى التكرار مثلا سواء بالنسبة للفظ أو المقطع، أو على مستوى الصيغ إذ نجد توظيف الكثير منها كالإستفهام والنفي والنهي والتعجب وغيرها من الصيغ.

أما بالنسبة للإيقاع الخارجي و من خلال العديد من التجاريب منذ البداية إلى أن نصل إلى محاكاة الأشكال المستحدثة في الشعر المعرب (قصيدة النثر والومضة الشعرية) فقد عمد الزجل المعاصر إلى تجريب عدة ايقاعات مازجا(قياسات) موروثة (لفراش ولغطا) مثلا بنظام مستحدث كنظام السطر، أو بانيا لوزن ثم تكسيره ثم إعادة بنائه، أو مشتغلا على مجموعة من القياسات (الأوزان) في قصيدة واحدة مع الحفاظ على وحدتها العضوية ولضيق المجال سأسوق نموذجين فقط مع أن الأمثلة كثيرة ومتنوعة.

النموذج الأول مقطع من ديوان "توحشت راسي" للأستاذ أحمد لمسيح. والمقطع الثاني من ديوان "لخبار في راسك" للأستاذ عزيز غالي.

يقول المقطع الأول:

ديني ياخاطري عند راسي (8 مقاطع صوتية)

ديني بغيت احماقي يغلب (8 مقاطع صوتية)

خليني يا خاطري نقاسي (8 مقاطع صوتية )

أو فوراق شوقي نكلبg (8 مقاطع صوتية )

يدي مرعوشة ما تعلمت غير تغضب (11 م ص)

كيف توالف سيدي مولاي وللكذوب تكتب (13 م ص)

اكيف تمسخ اكلام القلب والحرف إلا حنى تغلب (15 م ص)

عقلي هو مولاي والحرية للغير الصفا مايقرب (17 م ص).

الأشطر الأربعة الأولى تدخل في نظام (الرباعيات) بينما الأربعة الثانية هي عبارة عن نظام السطر مع ملاحظة عدد المقاطع الصوتية أتت على شكل متتالية حسابية (11..13 ..15..17).
بالنسبة للنموذج الثاني يقول عزيز غالي:

كتبي بنية واحكي ليا (8م ص في الشطر)

على شجرة من دمي

وجدر من عقلي

وعلى دوار والديا (8م ص)

فتشي مزيان يابنت امي (8 م ص)

وحيدة وحيدة

وف كل جنان

وف كل طوبة

عل الحيطان

سولي البير المهجور

وذاك الواد الناشف

و اللي ف لقبور المنسية (8 من ص).

يمكن ملاحظة بناء وزن وهدمه ثم إعادة بنائه، وهناك أشكال إيقاعية أخرى ويبقى السؤال الملح هو إلى أي حد واكب النقد المغربي المعاصر ـ الذي أضاء الكثير من الجوانب في شعر الزجل ـ إلى أي حد واكب هذه التطورات والتحولات التي مارسها الزجل المعاصر بخصوص هذا التجريب في الإيقاع الخارجي ؟"