إلى من علمونا التفكير وأخرجونا من أنفاق الظلمات، نلتمس منكم العذر مما فعل بعض السفهاء بهيبتكم و مكانتكم المرموقة في المجتمع . تعددت أشكال التضييق عليكم من خيانات وخذلان وترويج الأكاذيب ونصب الفخاخ والتنكيل ببعضكم .
وبدأت تتنامى وتتسع داخل أدراج المحاكم ملفات ملفقة، إلى أن تلاشت معالم تلك الصورة النمودجية التي تميزكم عند الكثير من الناس، و كساها الضباب . كما تطاولت بعض المنابر الإعلامية الصفراء وبعض الأعمال (الفنية) كالمسلسلات والأفلام والمسرحيات و البرامج التافهة على صورتكم وهيبتكم، حتى أضحت في أسوا حال. يحملونك تردي المستوى التعليمي ؛ وأصبحت كمشجب تعلق عليه كل الأخطاء و أوجه القصور في مجتمعنا.
وكون المؤامرة هي أقصر طريق للتهرب من المسؤولية ، تآمر عليك شردمة من المأجورين بايعاز من خفافيش لا يشتغلون إلا في الظلام، منهمكين في توجيه الرأي العام خصوصا الأسر ضدك ونحن نعلم بأن معظم هاته الأسر تعاني من تدني مستوى الوعي التربوي وعدم إدراك الدور الحقيقي للأسرة و لمدرسة في التربية .
نعي جيدا بأن الأسرة لن تستطيع أن تنهض بواجباتها على أحسن وجه تجاه الأبناء إلا في ظل تعاون وثيق مع المؤسسة التعليمية، بحيث أن المسؤولية مشتركة وتكاملية، والتعاون مفروض بين هاتين المؤسستين التربويتين الرئيسيتين ؛ لأن كلاهما يقوم بوظيفة التنشئة الاجتماعية .
وللإشارة فالأطفال الصغار يتأثرون أكثر بآبائهم وأمهاتهم في البيت لكن عند ذهابهم إلى المدرسة يتأثرون أكثر بأساتذتهم ،نتحدث هنا عن القدوة، لذا إذا جرد أبوي المتعلم الأستاذ من الاحترام الواجب، لن يجد الأبوان من أبنائهم احتراما، لأنهم ضيعوا احترام الأب المعنوي فلا شك سينقضون يوما على الأب البيولوجي .
لذا إذا انقطع حبل الاحترام المشدود بين الأسرة و الأستاذ ستنشأ بينهم العداوة وتستفحل الكراهية مما قد يؤدي إلى التناحر والتطاحن ثم الاعتداء على الحياة ، مما سيؤثر سلبا على العملية التعليمية التعلمية والدور التربوي للمؤسسة .
من هذا المنطلق يمكن القول بأن أي اعتداء على الأستاذ هو بمثابة اعتداء على الأصول يستوجب التشديد في الإدانة. و لن تقوم للتعليم قائمة إلا إذا كان الأستاذ مهابا من مجتمعه ومن طلابه، لأنه بسقوطه ستنهار التربية بل المجتمع بكامله .
في السياق ذاته،عندما تتحول علاقات المحبة بين الأسرة والأستاذ إلى بغضاء فان جميع النتائج سيكون لها الأثر السلبي الأكبر على الأبناء و المجتمع ككل. دعوة إذن إلى توثيق وتمثين الروابط الاجتماعية بين الأسرة و المؤسسة التعليمية وإلى تقوية صلات المحبة، التآلف والتعاون بين آباء وأمهات المتعلمين والأساتذة . لأن هذا التواصل هو الكفيل بدرء الهوة و الفراغ الذي ما فتيء يملؤه متصيدو الفرص الذين يصطادون في الماء العكر ويعملون جاهدين على شيطنة وتعكير هذه العلاقة .
يجب أن تعبد إذن طرق التواصل بين المؤسسة التعليمية والأسرة لمناقشة كافة القضايا التربوية المتعلقة بالأبناء و إشراك أولياء الأمور في تقويم المؤسسة بشكل مباشر . كل هذا من أجل توفير بيئة داعمة للمتعلم لإنجاح مساره التعليمي و السلوكي .
تجدر الإشارة كذلك بأنه لتحقيق وضع مهنى يحفظ الإجلال و الكرامة للأستاذ ولأدواره يجب عليه هو الآخر المشاركة في الحوار مع آباء وأمهات المتعلمين والمجتمع المحلى . لذلك يجب عليه أن يمتلك مهارات الاتصال الفردي والجماعي لاستخدامها مع أولائك الموجودين في بيئات ثقافية متباينة .
وينبغي عليه أيضا أن يقتنع بأن من أدواره التعاطف مع الآباء وتأييدهم مما سيساعد على تحقيق الهدف المنشود من إشراكهم في العملية التربوية وهو تحسين المستوى التحصيلي لأبنائهم . كما سيساعد حسن التواصل والتفاعل الإيجابي هذا على تصحيح بعض التمثلات الخاطئة التي تنسب للأستاذ ويزيل الحواجز النفسية والاجتماعية بينهما . فالاحترافية تعنى أن الأستاذ يكتسب وضعه الإعتباري من خلال المجتمع الذي تعد الأسرة نواته الأساسية .
نخلص إذن إلى القول بأن دور كل من الأب و الأم من جهة و الأستاذ من جهة أخرى يتمثل في التنشئة الاجتماعية للأبناء عن طريق التربية . و لامناص من التعاون والتواصل بينهما لإنجاح هذه المهمة .
ولندرك ونعي جيدا ما يحاك صباح مساء ضد المدرسة العمومية والتربية والتعليم وضد الأستاذ كرمز..
ولنستفيق من خدر البهتان و التهرب من المسؤولية لبعض من ينصبون أنفسهم أوصياء على الشأن العام ،لنقول لهم جهارا كفانا تآمرا على الأستاذ الرمز و على المدرسة العمومية.
ولنعد النظر في نمط تفكيرنا اتجاه الأستاذ. وللمجتمع بكل أطيافه أقول : لا تقف وقفة المتفرج و لنعمل على التصدي لمن تسول له نفسه إفساد الرباط الذي يجب أن يكون مقدسا بين الوالدين و الأستاذ و لنعمل على تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية تجاه قضايا المجتمع .
وللأسر أهمس لنتحرك للعلاج سريعاً قبل أن ينفصم الأمر، والعلاج لا يكون إلا في التعاون و التكامل بين الأسرة و الأستاذ .
ولنتفرغ معا لتربية جيل واع ، مثقف و كفء يستطيع تحدي الغد بصعابه، حتى يتسنى لنا الافتخار به أمام أمم الأرض .
و للأستاذ أقول: بعلمك تبوأت العلا و علوت قدراً، فعذرا أستاذي .
فما قدروا حق المعلم قدره ....ومن حقه، كالوالدين.
عبد العزيز اليلي، الكاتب العام لفيدرالية جمعيات جهة درعة تافيلالت للقلب والشرايين