الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: الفساد الهيكلي والمُهَيكِلُ والمُهَيْكَلُ

أحمد الحطاب: الفساد الهيكلي والمُهَيكِلُ والمُهَيْكَلُ أحمد الحطاب، فاعل مدني
عنوان قد يبدو غريبا شيئا ما لكنه يعكس واقع البلاد وما آلت إليه من تقهقر إنسانيا، أخلاقيا وتنمويا.
فساد هيكلي (أو بنْيوي) لأنه أصبح جزأ من بنية الحياة اليومية بالنسبة للذين يعانون منه أو الذين يمارسونه. وقد لا أبالغ إذا قلتُ إن شريحة عريضة من المجتمع أصبحت غير قادرة على العيش بدونه لأنها تستفيد منه ومن خلاله.
فساد مُهَيْكِلٌ لأنه هو الذي أصبح يوجه بل يتحكم في سير العديد من القطاعات والمؤسسات والعمليات وعلى رأسها الانتخابات ضاربا عرض الحائط القانون والأعراف والقيم والأخلاق بل دولة الحق والقانون.
فساد مُهَيْكَلُ أي له مَن يعمل على دوامه واستمراره حفاظا على المصالح الخاصة وطمعا في توزيع الغنائم والكعكات تنكُّرا للمصلحة العامة للبلاد والعباد. وهذا يعني أن وراءه أيادي خفية ومتعفِّنة لا تفكِّر إلا في ملء البطون والجيوب. والغريب في الأمر أن هذا الفساد بتجلياته الثلاثة ينمو ويتطوَّر ويتخذ أبعادا مقلقةً رغم التقارير والتحذيرات الوطنية والدولية ورغم استراتيجيات محاربته. لماذا؟
لأنه لا يمكن محاربة الفساد بالكلام والشعارات والإعلانات وأرقام الهاتف، الخ. لأن هذا الفساد، كما سبق الذكر، هيكليا، مُهَيْكِلاً ومُهَيْكَلاً. وهذا يعني أنه يحمي مصالح معينة ومتجذر في المجتمع والقضاء عليه يتطلب أولا إرادة سياسية قوية وصلبة تحكمها سيادة تطبيق القانون ولا شيء آخر غير القانون خارج أية اعتبارات كيفما كان نوعها.
وبالموازاة مع تطبيق القانون، يجب إعادة النظر في العديد من الأشياء من بينها على الخصوص:
ـ تمحور السياسات العمومية وبدون استثناء حول كرامة اللإنسان لأن انعدام الكرامة الإنسانية قد يكون سببا في انتشار الفساد بحثا عن هذه الكرامة ولو بطرق غير مشروعة.
ـ إخضاع الحقل السياسي لتغيير جذري لأنه وبكل أسف مصدر من المصادر الأساسية للفساد علما أن الفساد السياسي أخطر من غيره بكثير لأنه يفتح الأبواب على مصراعيها لوصول الفاسدين إلى مراكز القرار وللمال العام ليمارسوا جميع أنواع الفساد وخصوصا في مجال تسيير وتدبير الشأنين العام والمحلي وهنا حدث ولا حرج. وأول تغيير يجب أن يحدث هو تغيير نمط الاقتراع وتغيير قانون الأحزاب لقطع الطريق على المرتزقة الذين يؤثثون المشهد السياسي بدون فائدة.
ـ إعادة الاعتبار للمدرسة وللمدرسين لأنهما الركيزتان الأساسيتان لتنشئة اجتماعية حقيقية خيطها الناظم هو الأخلاق السامية وحب الوطن والصالح العام ولأن دور المدرسة ليس هو شحن أدمغة المتعلمين بالمعارف الجافة المعزولة عن واقعهم اليومي. المدرسة هي تكوين المواطن والإنسان قبل تكوين العامل والطبيب والمهندس والقاضي والمقاول والسياسي، والمحاسب، الخ. إن أخطر المدارس هي تلك التي تكوِّن كل هؤلاء دون أن تشبِّعَهم بالقيم الإنسانية السامية. حينها، تصبح المدرسة عبارةً عن معمل أو مصنع يُنتج أشخاصا منمطين قد تكون الربوتات robots أحسن أداءً منهم.
ـ إعادة النظر في توزيع الثروة التي تُنتجها البلاد لأن توزيعها الآن يقتصر على فئة ضيقة علما أن المغاربة يساهمون في تحريك عجلة التنمية عن طريق مردود عملهم وعن طريق أداء الضرائب المباشرة وغير المباشرة. إنه من غير المقبول ومن غير المنصف أن يساهم المغاربة بكيفية أو أخرى في تحريك عجلة التنمية، وفي المقابل وبغير موجب حق، تستفيد من هذا التحريك فئة محصورة على حساب السواد الأعظم من المواطنين وخصوصا أن ما تُنتِجه البلاد من ثروة خلال العشرين سنة الأخيرة قد تضاعف مرتين. فأين هي هذه الثروة؟
ـ تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة تطبيقا صارما ورادعا لا اعتبار فيه إلا للقانون ولا فرق فيه بين الضعيف والقوي وبين الغني والفقير وبين المثقف والأمي، الخ. لأن التجربة بينت في عدة بلدان أن الضرب على أيدي الفاسدين والمفسدين يكون بمثابة عبرة لمن قد تسوِّل له نفسه أن يقترف فسادا أو أن يشارك فيه أو أن يشجِّع عليه. يجب حتما القطع مع الإفلات من العقاب.
هل سمعتم في يوم من الأيام حزبا سياسيا واحدا عض بالنواجذ على هذه المطالب الخمسة السالفة الذكر وألح على تحقيقها؟
هل رأيتم برلمانا من البرلمانات المتعاقبة على الولايات التشريعية كرّس جهودَه وتفانى في العمل لإيجاد حل أو حلول ولو لواحد من هذه المطالب؟
أما الحكومات، فلن تكون مظلومة إذا نُعِتَت بالفاشلة لأنها ليست إلا تجميع لأحزاب سياسية فقدت مصداقيتها ومشروعيتها الاجتماعية مند زمان.