الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد أكديد: ثمن المقاومة في زمن الانبطاح

محمد أكديد: ثمن المقاومة في زمن الانبطاح محمد أكديد
ما إن نفذت أمريكا عمليتها الجبانة باستهداف القائد الشهيد الجنرال الإيراني قاسم سليماني والقيادي في هيئة الحشد الشعبي بالعراق الشهيد أبو مهدي المهندس ورفاقهما في محور المقاومة حتى هب الطابور الخامس لأمريكا وإسرائيل في المنطقة من المنبطحين والمتصهينين والطائفيين للتشفي في الشهيد، ونعته بالمجرم الذي قتل أهل السنة في العراق وسوريا!! رغم أن دوره كان محوريا في حماية شعوب هذه الدول وكل المنطقة من خطر الإرهاب الذي انخرطت فيه الجماعات التكفيرية بدعم استخباراتي وعسكري ومالي إقليمي ودولي، خاصة خلال السنوات الأخيرة حيث احتلت داعش ثلثي مساحة العراق ونصف مساحة سوريا تقريبا، بالإضافة إلى دعمه الاستراتيجي للمقاومة اللبنانية في مواجهتها ضد إسرائيل، حيث أقر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في آخر خطاباته بمناسبة تأبين الشهداء بأن الرجل كان على خطوط النار بلبنان يقود حرب تموز 2006 ضد العدوان الإسرائيلي على البلد، كما أجمعت قيادات كل فصائل المقاومة في فلسطين على وقوف الشهيد بجانبها ودعمها بالمال والسلاح والتخطيط.. 
لقد كان اغتيال الشهيد قاسم سليماني أكبر دليل على هزيمة أمريكا في المنطقة وإفلاس علني  لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي انطلق منذ عهد بوش الإبن وانخرطت فيه إدارة اوباما بقوة رغم ادعاءاتها الكاذبة بنشر الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي، حيث شكل رحمه الله شوكة في حلقهم، أينما ولوا وجدوه أمامهم يخطط وينفذ ويعبأ ضدهم فصائل المقاومة من بغداد إلى صنعاء.
 لذلك كان الانتقام حتميا، رغم تحسب أمريكا لاحتمال الرد الذي لم يتأخر، بعد أن تم استهداف قاعدتي أربيل بشمال العراق وقاعدة عين الأسد الجوية والتي تمثل موقعا عسكريا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وذلك في نفس توقيت دفن الشهيد بمسقط رأسه بمدينة كرمان، حيث صادف أيضا توقيت الاستهداف الغادر لموكبه في العراق بعد خروجه من مطار بغداد.
ومرة أخرى، انبرى المنبطحون والمتصهينون للتشكيك في هذه الضربات، يلوكون كلام ترامب عن عدم سقوط ضحايا من الجيش الأمريكي، وينشرون الأوهام بين الجمهور العربي حول انخراط إيران وأمريكا في مسرحية لابتزاز العرب، ساخرين من الرد الإيراني الذي وإن فرضنا جدلا أنه لم يخلف ضحايا -وقد أشارت عدد من القنوات الغربية في مقدمتها نيويورك تايمز الأمريكية إلى سقوط عدد من الجنود الأمريكيين في القاعدة المنكوبة، وبعضها أورد نقل حوالي 224 جندي أمريكي للعلاج في إسرائيل- فإن الضربة في حد ذاتها إهانة لدولة تدعي أنها أكبر قوة عسكرية في المنطقة، ولم تتجرأ أي دولة على تهديدها واستهداف قواعدها بشكل مباشر منذ الحرب العالمية الثانية..
إن قرار عدم رد أمريكا في تلك الليلة كان ينبع بالأساس من خوفها من التصعيد الذي هددت به الجمهورية الإسلامية، وذلك باستهداف كل قواعدها ومصالحها في المنطقة العربية وخاصة في دول الخليج التي ستكون أول من يودع حالة الرخاء والرفاهية التي تعيشها، بالإضافة إلى استهداف إسرائيل بالصواريخ الدقيقة التي أعلن حزب الله عن امتلاكها مؤخرا..
وكان الرد الإيراني ذكيا ويحترم المقررات الأممية، حيث أنه وبحسب ميثاق الأمم المتحدة المادة 52 يحق للدولة المعتدى عليها الرد على نفس المكان الذي تم فيه الإعتداء، بحيث تم الرد على القاعدة التي انطلقت منها الطائرة التي اغتالت القائدين الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما، كما قصفت القاعدة الأمريكية في أربيل لوجود معلومات استخباراتية تفيد بوجود دعم كردي في اغتيال سليماني والمهندس، ولمنع كردستان من توفير بديل لقواعد أمريكا في حال انسحابها من بغداد والمحافظات العراقية الأخرى. 
أما عدم ضرب ايران للقواعد الأمريكية في الخليج، فلأن ذلك سيعتبر اعتداء وفق ميثاق الأمم المتحدة ويضيع أهمية شكوى إيران والعراق في الأمم المتحدة،  ويقلل فرص إعادة العلاقات مع هذه الدول وحرق الرسائل الإيجابية التي بدأت تصل الى طهران مما سيتسبب في تصعيد الأزمة في المنطقة.
ولم يكن الرد بالأساس يستهدف قتل الجنود الأمريكيين أو من يرافقهما من جنود التحالف الغربي، بل كان الهدف هو إخراج القاعدة الجوية من الخدمة، وهو ماحصل بعد تدمير غرفة القيادة والعمليات داخلها وكذا مدرج الطائرات ومخازن السلاح حسب إفادة قائد الحرس الثوري من جهة واعترافات الأمريكيين أنفسهم وشهادات الإعلاميين الذين سمح لهم بالدخول إلى القاعدة المنكوبة فيما بعد من جهة أخرى، حيث لم تستهدف الصواريخ الباليستية مرافق الجنود ولاحتى الملاجئ، مع أنها استهدف بدقة كل المراكز الحيوية داخل القاعدة.
لقد كان هذا الرد أيضا حسب توصيف قادة الجمهورية ومحور المقاومة في المنطقة مجرد صفعة، وبداية لردود متواصلة ستعجل بجلاء القوات الأمريكية عن كل المنطقة، بعد أن وحدت دماء القائد الشهيد قاسم سليماني ورفاقه في درب المقاومة كل الناقمين على سياسات أمريكا في المنطقة، وقد كانت جنازته التاريخية التي تم إحياءها في عدد من الدول التي تنتمي لمحور المقاومة بمسيرات مليونية أبلغ رسالة لكل المنبطحين والمتصهينين والمشككين في قيمة هذا القائد الإستثنائي ومكانته السامية التي يحتفظ بها في قلوب كل الشرفاء والمقاومين في العالم..

محمد أكديد، باحث في علم الاجتماع السياسي