الأربعاء 24 إبريل 2024
اقتصاد

النهري: المادة 9 عرت عن فشل التدبير المالي للجماعات الترابية وكشفت فقدان البوصلة في السياسة العمومية

النهري: المادة 9 عرت عن فشل التدبير المالي للجماعات الترابية وكشفت فقدان البوصلة في السياسة العمومية حميد النهري

دخل قانون المالية 2020 المثير للجدل حيز التنفيذ، هذا القانون يمكن في الحقيقة تسميته قانون المادة 9 والتي تمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة ومؤسساتها والجماعات الترابية عند تنفيذ الأحكام القضائية.

في حوار مع "أنفاس بريس"، يبرز حميد النهري، أستاذ العلوم السياسية ورئيس شعبة القانون العام كلية الحقوق/ طنجة، الاختلالات الموجودة على صعيد الجماعات الترابية والتي كانت سببا برر به المسؤولون وجود هذه المادة.

ما هي الانعكاسات المنتظرة للمادة 9 بعد دخول قانون المالية 2020 حيز التنفيذ؟

في الحقيقة بقدر ما أسالت هذه المادة الكثير من المداد فإنها بينت بالملموس أننا مرة أخرى نفقد البوصلة في سياستنا العمومية ونكرس الرداءة على جميع المستويات الإدارية والتدبيرية والسياسية. ودخولها حيز التنفيذ سيؤدي حتما إلى تغيير العديد من المفاهيم على صعيد تحليل السياسات العمومية.

سنلاحظ تحولا على الصعيد الإداري أو التدبيري لأننا بهذه المادة سنحاول أن نعالج مشكل تعاني منه سياستنا العمومية على مستوى تدبير الشأن العام سواء الوطني أو المحلي بمشكل آخر على صعيد احترام القانون.

لأن ما يلاحظ هو وجود فشل على مستوى التدبير الإداري المالي يتمثل في العديد من التجاوزات الإدارية والعديد من الاختلالات المالية.

ويهم أغلب الهيئات القطاعات الوزارية المؤسسات العمومية وبالأخص الهيئات المنتخبة أي الجماعات الترابية بمختلف أشكالها.

وإذا أخذنا حالة أو وضعية الجماعات الترابية والتي كانت سببا برر به المسؤولون وجود هذه المادة نجد وضعيتها التدبيرية والمالية تتميز بالعديد من الاختلالات.

هذه الاختلالات هي اعتراف صريح بأن هناك مسؤولين (آمرين بالصرف) لم يكونوا في مستوى مسؤولية تدبير الشأن العام المحلي وذلك ليس جديدا فقد سبق أن بينت ذلك تقارير وزارة الداخلية والتي خلصت من خلالها إلى تدني مستوى المسؤولين وتدني مستوى التدبير بهذه الهيئات وتم وصف التقرير الأخير من طرف وزير الداخلية بالخطير جدا.

إذن كما يقال( من الخيمة خرج مائلا) والنتيجة كانت تحصيل حاصل، ماذا كنا ننتظر من هؤلاء غير هذا الوضع الكارثي جماعات فاشلة قاسمها المشترك الفشل على جميع الأصعدة.

وعوض أن نفعل المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة ونتخلص من هذه الرداءة كان الاختيار هو ضرب عرض الحائط أحد الركائز الأساسية لدستور 2011 وهو القضاء وتجاوز (قدسية الأحكام القضائية) وفي ذلك ضرب للقانون وللمواطنة....

بل أكثر من ذلك بهذا الخرق سنعطي لهؤلاء الآمرين بالصرف شرعية أكثر لتجاوز سوء تدبيرهم وسنهدد أمن مجموعة من المواطنين ذوي الحقوق. وبذلك ستتهدد مصداقية علاقة الدولة بالمجتمع.

كيف تفسر دفاع وزير المالية المستميت عن المادة 9 وبجميع الوسائل ؟

بالنسبة لوزير المالية فإن المادة 9 أو قانون المالية 2020 أعاد النقاش حول المكانة المتميزة التي يحتلها وزير المالية داخل المشهد السياسي المغربي.

بطبيعة الحال لا يخفى على أحد الدور المهم الذي يحتله الوزير المسؤول عن قطاع المالية في جميع الدول كيف ما كانت تسميته وزير المالية وزير الخزانة وزير الميزانية... فدائما ما يحظى بمكانة متميزة تعطيه قوة تجاه باقي أعضاء الحكومة.

لكن بالنسبة لنا فوزيرنا السيد بنشعبون فرض نفسه في هذه الحالة وبطريقة واضحة (كسوبر ستار) الحكومة الحالية .

وظهر ذلك من خلال تصريحاته ومناقشته مع مختلف المتدخلين، تارة استعان بوزير الداخلية بالنسبة للمنتخبين وتارة استعمل الفصل 77 من الدستور ما يعرف في علم المالية (بالفيتو) وتارة أخرى استعمل مصطلح المصلحة العامة (من منظوره) وليس كما هو متعارف عليه. والملاحظ أكثر استعماله أسلوب التهديد الصريح لأنه على علم بالتدبير المالي الرديئ لأغلب الآمرين بالصرف وطنيا ومحليا وبالتالي كان يجمعهم في لجان مصغرة ويكشف المستور ويضمن المساندة.

أكثر من ذلك استطاع وزير المالية ان يفرض برنامجه الخاص والذي لا علاقة له مع برنامج الحكومة. لأن المادة 9 بالإضافة لسياسة العفو الضريبي والعديد من الإجراءات الضريبية لا نجد أثرا لها في البرنامج الحكومي . لذلك لا يمكن محاسبته سياسيا فهو لا علاقة له بالانتخابات.

ما رأيك في موقف البرلمان من المادة 9 حيث تم تمريرها بغرفتيه ؟

على مستوى السلطة التشريعية تبين بجلاء من خلال مناقشة هذه المادة والتصويت عليها أننا أمام ديمقراطية تمثيلية ذات طابع مغربي بامتياز لن يستطع حتى كبار فقهاء القانون الدستوري فك شفراتها وباستعمال جميع المقاربات العلمية.

والملاحظ أن تصرف البرلمانيين هذا جعل أغلب المواطنين يطرحون سؤالا جوهريا هل فعلا هؤلاء يمثلونهم؟ ويدافعون عن حقوقهم ؟ هل فعلا يمارسون حقا السلطة التشريعية؟

لأن ما تبين هو أن الفرق البرلمانية لم نعد نعرف أجندتها هل هي في المعارضة أم في الأغلبية هل فعلا تقوم بوظائفها على صعيد المجتمع أم تساوم الدولة.

نفس الشئ بالنسبة لأحزاب هذه الفرق البرلمانية فمسالة الريع ظهرت بجلاء من خلال الفائدة التي ستجنيها الأقلية الفاسدة المهيمنة داخل الأحزاب السياسية والتي تتمتع بشرعية واهية تضمنها من طرف الدولة.

إذن يجب أن نسمي الأسماء بمسمياتها أننا نعيش ردة قانونية دستورية ستنعكس سلبا على المجتمع وستكرس ظواهر سلبية ستزيد المشهد السياسي والتدبير الإداري رداءة.

فعلى كل الفاعلين والغيورين على هذا الوطن التحرك قبل فوات وأن هذا الوطن مازال له الكثير من الشرفاء سيحمونه وسيحاسبون كل من يعبث بمستقبل أبناءه.