الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

اكتشاف عوالم التجاور بمختبر العروي في تجربة المبدع محمد شويكة

اكتشاف عوالم التجاور بمختبر العروي في تجربة المبدع محمد شويكة محمد شويكة(يمينا)

كرس مركز عبد الله العروي للبحث العلمي والإبداع بمدينة الشماعية، تقليدا ثقافيا ضمن سلسلة لقاءاته الشهرية الإبداعية والفكرية، بعد أن افتتح الموسم الثقافي قبل نهاية سنة 2019 بموضوع "المواطن والمدينة". ودشن مركز العروي انطلاقة السنة الجديدة 2020 برزمة من البرامج يستضيف من خلالها فعاليات في الشأن الثقافي قصد الوقوف على تجاربهم الإبداعية أو الفكرية أو الفنية.

في هذا السياق استضاف مركز العروي للبحث العلمي والإبداع بعاصمة أحمر المبدع والناقد المغربي محمد اشويكة، مساء يوم السبت 4 يناير 2020، بدار الشباب الشماعية، مترجما شعار اللقاء الثقافي الافتتاحي: "التجاور في الإبداع" حيث أدار الأستاذ عبد الجليل لعمري مناقشة تجربة الضيف، والوقوف على مستويات تجربته في الكتابة من خلال محاور الكتابة الإبداعية، والكتابة النقدية الأدبية، والاهتمام بالسينما، والتنشيط الإعلامي وإنتاج برنامج ثقافي، والفلسفة وعلاقتها بكل هذا التجاور في التجربة، ومكانة القراءة في تأسيس التجربة الإبداعية والثقافية.

شويكة يتحدث عن الطفل الذي كان

يتذكر السي محمد شويكة كيف نجى من ملك "الموت" وهو يحكي عن اختطاف المنية لبقية إخوته الذكور صغارا ، مما أحاطه بنوع من الحراسة الشخصية المشددة والحرص على تحصينه ضد الموت من طرف والديه، مستعملان كل أسلحة الحب والدلع الزائد الذي تحول بالنسبة له لسجن عاطفي.

وللتخفيف من هذا النوع من الحراسة والمراقبة اللصيقة خوفا من الموت، وهو ينمو في كنف أسرته المحافظة، التي كانت تقاليدها تطبق عليه نوعا صارما من برامجها التربوية. هذا الحب وهذه التربية الصارمة المقيدة بشروط السجن العاطفي سيغير من سلوك السي محمد شويكة المتمرد على تلك العادات التي كادت أن تدخله لعالم "الفقيه"، لينطلق محلقا في عوالمه الخاصة باحثا عن طوق النجاة من الحصار العاطفي الزائد والمبالغ فيه وجوديا.

لكن شويكة تساءل هنا بالضبط قائلا: " هل نحن قادرين على حماية الأعزاء من الموت؟

وبلغة المبدع والناقد يؤكد على أن " الفن والإبداع سلاحان رادعان وحمية أساسية لحماية الإنسان من الموت والبحث عن الخلود من خلال الأثر".

تجربة السي محمد شويكة التي حققت "صدى الإبداع" وأترث في مساره الإبداعي ترتبط بعشقه للقراءة والحكاية، واللعب الطفولي، والاستمتاع بالصوت والصورة المبهرة عبر التلفاز الذي رأى فيه نفسه وذاته من خلال فيلم "شارلي شابلن ـ الطفل" الذي اعتبره يتحدث عن شويكة الطفل. لذلك يؤكد أن "لغة وصورة السينما استدعته للتفكير وإثارة قضية الإبداع".

لقد خضع المبدع السي محمد شويكة لتكوين صارم ومنضبط في طفولته وسط أسرته المحافظة، التي عملت على حفظه للقرآن بمؤسسة المسيد (تخراج السلكة) وما يستتبع ذلك من طقوس دينية تربوية صارمة، حيث يعتبر أن هذا التجاور على مستوى التقاليد والعادات في الوسط العائلي علمه معنى الصرامة في الحياة وإعطاء القيمة للآخرين في مساره الإبداعي من لمسيد/الجامع إلى غاية اللحظة المفصلية بمؤسسة المدرسة العمومية وقيمة المعلم ثم الثانوية والجامعة.

التحرر من سلطة الأسرة المحافظة بتدرج ينظر إليه المبدع وهو يسترجع شريط طفولته من خلال حرية الكتابة والقراءة في المدرسة عبر وسائل ناجعة (مجلات ومنشورات وقصص) والتي ساهمت في تلقيحه بأسلحة المعرفة لتجاوز الصرامة/الممنوع/المكبوت.

"وجدت نفسي محكما بأرضية كتابة النص، وعشق الفن، والتدوين، والرحلة..

وتشعر أنك حالة خلقت تجاه ذاتك والآخر" يقول شويكة وهو يحكي عن زمن الجامعة المغربية الذي حقق من "خلالها انعطافات متعددة تمثلت في نضالات اليسار وحلقيات الطلبة، وملتقيات النخبة الفكرية المثقفة، بأحلامها وصراعاتها الإيديولوجية مما شكل عنده وعيا تقدميا وتغييرات جذرية تماهت مع نضالات الطبقة العاملة والفلاحين والطلبة في السبعينيات.

قضية الإبداع عند محمد شويكة

انتقد المبدع شويكة كل من يتعامل مع سلوك جيل اليوم بدونية وبنوع من القدحية على مستوى ثقافته ووعيه وانخراطه في التكنولوجيا الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي، ورفض بشدة الأحكام النكوصية التي تريد إعادة هذا الجيل إلى الوراء قائلا: " إن كنت أريد البناء يجب أن أمحي أميتي وأن أشجع هذا الجيل على أن يعيش زمنه "

وتساءل في سياق تدافع تراكمات التجربة قائلا: " متى كان رجل السلطة لا يقرأ؟ نحن أمام أزمة بنيوية على اعتبار أن الحقيقة تكمن في "أننا شعب حياته خالية من القراءة"

تجربة "كوليزيوم القصصية"

وعلى مستوى تجربة "كوليزيوم" التي انطلقت سنة 2002 أقر المبدع أن المؤسسين "طبعا لهم اختلافاتهم" حيث رفضوا تأسيس جمعية بالمفهوم الإداري والقانوني (تقديم وثائق إدارية) واكتفوا ب "لوغو" لإطارهم الإبداعي للتعريف والترافع عن مجال إبداعهم في القصة، مؤكدا على أن كل مبدع في هذه التجربة له "رؤية معينة لأفق إبداعه، وفي قرارات كل مبدع مات شخص متأمل، ولا أحد جاء إلى الكتابة من باب الكتابة..." وأوضح بأن "تكون قاص وجب عليك أن تعرف تاريخ القصة وجماليتها وشروط كتابتها..."

وعن النقد في المغرب قال شويكة في مداخلته "للأسف الشديد ما قام به النقاد لم يساير العملية الإبداعية. الناقد اليوم له مهام كثيرة. فهو أستاذ مدرس وباحث أكاديمي .."

التجربة السينمائية في مسار شويكة محمد

لقد مهد شويكة لولوج عالم الفن السابع بعد تأمل في مسار حياته، ووجد فيها مفارقة بعد أن اكتشف واقعة وهو يدرس في صف الباكلوريا بحيث أن عمه إدريس شويكة يمارس فن السينما بمنظور آخر، وهو الغائب الحاضر والمؤثر بمواقفه النضالية التي أدت به للإعتقال، فسؤال السينما كان حاضرا وسط أسرته من خلال العم إدريس ونضالات الأندية السينمائية.

هذه الوضعيات خلقت أسئلة داخل الوسط العائلي في المرحلة الثانوية، وكانت انعكاسا لما يروج داخل الأسرة والمدرسة والثانوية والجامعة.. وانطلقت معها رحلات سحرية لقاعات السينما بمراكش خلسة عن عائلته، لاكتشاف عوالمها وشخوصها ومواضيعها المختلفة، بعد أن ترسخت ثقافة الأندية السينمائية في ذهنه

دعوة لتأبط سلاح الثقافة والفن

أوصى الناقد والمبدع محمد شويكة من داخل مركز العروي ب "أهمية العودة للفن والثقافة، لإنقاذ المجتمع المغربي من الضياع وملأ أوقات الفراغ التي يقضيها الشباب بدون معنى" على اعتبار أن " قيمة الفن مهمة جدا في حياة الإنسان"

الفلسفة أنقدتني من أن أكون "فقيها"

يقول محمد شويكة أن "سلاح الفلسفة ناجع لمواجهة ظلام الحياة، الفلسفة هي صلب الحياة، لأنها تجعل الإنسان في تفاعل دائم مع التحولات الكبرى، وهي علاج للذات والآخر، والفلسفة هي تلك الحلقة النظرية المعرفية الموسوعية للإجابة عن وقائع ومشكلات معرفية وجمالية وقيمية، بحيث يجد فيها الإنسان ما ينير طريقه، لأنها تقدم جوابا نهائيا وواضحا لكل التجارب والوضعيات بشكل نسبي". وشدد على أنه "لم يخلق ليشاهد العالم من زاوية واحدة ، فهو مؤمن بتعدد "النوافذ وبنسبية كبيرة"

شويكة والشاشة: "لم أكن أتصور أنني سأكون معدا لبرنامج تلفزيوني.."

يقول المبدع محمد شويكة أن التلفزيون مثله مثل القيم وكالورقة البيضاء، وأكد على أن نجاح المثقف داخل التلفزيون هو رهان صعب جدا في المغرب، لذلك نحاول ألا نكون صورة داخل التلفزة، وبرنامج "صدى الإبداع" خلخل الهامش، على اعتبار أنه أهم من المركز ومنه تنطلق الحركة الثقافية وهذا كان رهان من رهانات المثقفين .

ولم يبخل في هذا السياق أن يزود المتلقي بمركز العروي بأرقام وإحصائيات ذات أهمية بالغة عل مستوى برنامج "صدى الإبداع" الذي عمل باستماتة على ترسيخ رؤية غير نمطية للثقافة، من خلال نشر الثقافة والكتاب والتعريف بالكتاب والكتاب حيث قدم البرنامج 140 حلقة واستضاف 400 شخصية و140 ضيفا و 140 فنانا.