الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

رضا الفلاح: لست متفائلا بشأن رد فعل إيجابي من النظام الجزائري صوب رسائل المغرب

رضا الفلاح: لست متفائلا بشأن رد فعل إيجابي من النظام الجزائري صوب رسائل المغرب رضا الفلاح

تكرار الإلحاح في دعوة الجزائر إلى الحوار من قبل المغرب وإلى طي صفحة الجمود والخلاف يأتي في سياق تحقيق المغرب لنجاحات دبلوماسية وقانونية، بالإضافة إلى التطور البارز في علاقات المغرب مع محيطه الإفريقي والدولي من خلال الشراكات المتنوعة التي أصبح المغرب يبرمها مع العديد من البلدان، وأيضا في سياق علاقته مع الأمم المتحدة، وخاصة ملف المسار السياسي لقضية الصحراء داخل مجلس الأمن. إذا هذه الرسائل الإيجابية التي يبعثها المغرب تأتي في مسار دبلوماسي أصبح معهودا منذ عدة سنوات، وهو مسار متميز بالثقة في الحقوق المشروعة للمغرب، والثقة في موقف المغرب، والثقة في الطرح المغربي ومبادرة الحكم الذاتي، والثقة بموقع الريادة الذي أصبح يحتله المغرب على الساحة الإفريقية.

 

يمكن أيضا تحليل هذا الإلحاح بدعوة الجزائر إلى الحوار من خلال عدة نوافذ تحليلية، مرتبطة أولاها بالسياق الإقليمي أمنيا وجيو-سياسيا، حيث أنه من الناحية الأمنية، يجب الاعتراف في الوقت الراهن قد يؤثر على قدرة البلدين على مواجهة المخاطر الأمنية، وخاصة الإرهاب، وجميع أشكال الجريمة المنظمة، في ظل غياب تنسيق وتعاون بين البلدين، مع العلم أن العقيدة الأمنية للجزائر هي غير واضحة وملتبسة تحت غطاء عدم التدخل، وهذا الأمر في حد ذاته يشكل خطر وقد ينقلب أو يتحول إلى سيناريوهات كارثية تهدد استقرار المنطقة بأكملها، وبالتالي فإن الدعوة إلى الصلح والحوار يمكن تفسيرها بأن المغرب لديه رغبة قوية في توحيد الجهود والمبادرات وتبادل الخبرات والمعلومات من أجل بناء توجه أمني مشترك يساعد المغرب على استباق المخاطر الأمنية، وأيضا دفع الجزائر نحو التخلي عن هذا اللبس، وعن هذه العقيدة الأمنية غير الواضحة والتي لا تخدم بلدان المنطقة، بما فيها الجزائر نفسها.

 

أما في ما يخص الوضع في الجزائر والاحتجاجات التي يعرفها الشارع الجزائري، والتحولات السياسية الجارية في الجزائر، فإن تجديد الدعوة إلى الحوار البناء في هذا السياق، يشكل دعم ومساندة لاستقرار الجزائر أولا، وجعل قضية الصلح والغفران السياسي بين المغرب والجزائر كشرط ضامن لتحقيق الاندماج المغاربي.

 

ثالثا، على مستوى تطورات المسار السياسي لحل نزاع الصحراء، الملاحظ أن تجديد الدعوة يأتي في سياق تأكيد قرارات مجلس الأمن الأخيرة، على المسؤولية التاريخية التي تتحملها الجزائر في هذا النزاع، وذلك بالموازاة مع إزاحة هذه القرارات لمصطلح الاستفتاء، وأيضا تأكيدها على التطابق بين تقرير المصير والحل السياسي والواقعي، طبقا لمبدأ التوفيق، وهذا ما تعبر عنه المبادرة المغربية كمقترح نحو تحقيق الحل السياسي والعادل، ويمكن ربط هذا التطور على الصعيد الأممي بالمعارك الدبلوماسية التي خاضها المغرب على صعيد الاتحاد الأوروبي في السنين الأخيرة، وبالخصوص ردود فعله الصارمة على قرارات محكمة العدل الأوروبية بخصوص تجديد اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري، وكل هذه النجاحات الدبلوماسية رفعت من مصداقية تشبت المغرب بسيادته الوطنية والترابية، كما رفعت من ثقة الشركاء الأوروبيين في المملكة المغربية.

 

وأخيرا على المستوى الاقتصادي، ودور الريادة الذي أصبح يضطلع به المغرب على الساحة الإفريقية، خاصة في أفق تنزيل اتفاقية منطقة التبادل الحر الإفريقية التي دخلت حيز النفاذ قبل ستة أشهر، يمكن تحليل الدعوة المتجددة إلى الحوار بناء على منطق براغماتي قائم على المصلحة المشتركة، وعلى تحصيل المكاسب الاقتصادية المشتركة التي من المنتظر جنيها خلال تشييد صرح اتحاد مغاربي جديد بأبعاد تجارية واقتصادية في مرحلة أولى، إلى أن يتجسد الاندماج الكلي في ما بعد. وهنا يتضح لنا أن الدعوة المتجددة للحوار من طرف الملك محمد السادس تنبع من موقع قوة، ومن رؤية استشرافية للمستقبل، تقوم على عدة أبعاد، منها ما هو أمني جيو-سياسي، ومنها ما هو مرتبط بالحل السياسي لقضية الصحراء، ومنها ما يرتبط بأفق الاندماج الاقتصادي للقارة الإفريقية، ويمكن القول أن ردود الفعل السلبية التي يتلقاها المغرب بعد كل دعوة إلى الحوار من قبل الجزائر، تعبر عن غياب رؤية، وغياب عقيدة واضحة لدى الطبقة الحاكمة في الجزائر، كما أن هذه الدعوات تؤكد أنه ليس هناك في الجزائر جهة قادرة على اتخاذ قرار كهذا، وبالتالي لا يمكن التعويل كثيرا في هذه الفترة على هذه الطبقة الحاكمة من أجل التجاوب مع الدعوة إلى الحوار، ويمكن القول إن معاداة المغرب في سياسته الإفريقية ومعاكسته في وحدته الترابية تشكل في الحقيقة ورقة لدى النخبة الحاكمة في الجزائر لتصريف أزمتها الداخلية، كما تشكل طوق نجاة يراهن عليه النظام العسكري الجزائري لمواجهة سيناريوهات سوداء في المستقبل في ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي، فمن الصعب توقع ردود فعل ايجابية من قبل النظام الجزائري اتجاه الرسائل التي بعثها المغرب، علما أن الشارع الجزائري لا يطرح قضية العلاقة مع المغرب، وقضية الدعم اللامشروط الذي يقدمه النظام الجزائري للجبهة الانفصالية، وهو الأمر الذي يطرح عدة علامات استفهام حول التطابق بين صوت الشارع الجزائري وعقيدة الجزائر المعادية للمغرب.

 

- رضا الفلاح، أستاذ القانون الدولي بجامعة ابن زهر أكادير