الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

الغالي محمد علي: المغرب والجزائر.. تاريخ من الفرص الضائعة

الغالي محمد علي: المغرب والجزائر.. تاريخ من الفرص الضائعة الغالي محمد علي

رغم الروابط التاريخية، الدينية، الثقافية، بل العرقية والإثنية التي تجمع البلدين الجارين المغرب والجزائر، إلا أن حالة الاحتراب ومنطق الصراع ترجع إلى مرحلة خلافات نشبت بينهما إبان مفاوضات الاستقلال التي خاضاها بشكل منفصل مع المستعمر الفرنسي، ثم التناقض الجذري بين شكل النظامين السياسيين واختياراتهم الأيديولوجية والسياسية واصطفافاتهم المختلفة إبان الحرب الباردة، وقد عرف التوتر مداه باندلاع حرب الحدود بينهما سنة 1963 الشهيرة بحرب الرمال.

 

وقد عرفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حالات مد وجزر خصوصًا مع بروز نزاع الصحراء منتصف السبعينيات، حيث اعتبرت الجزائر الوجود المغربي خرقا لمبدأ تقرير المصير فيما اعتبر المغرب الموقف الجزائري معاديا للوحدة الترابية والوطنية المغربية.

 

على إثر ذلك دخلت هاته العلاقات فترة صراع علني، ولم تعرف نوع من الانفراج إلا في نهاية الثمانينيات 1989 مع اعلان اتحاد المغرب العربي بمراكش، إبان حكم الرئيس الشاذلي بن جديد بالجزائر والملك الراحل الحسن الثاني، بحيث فتحت الحدود البرية بين البلدين، مما أسهم في انتعاشة على كل المستويات؛ لكن الملاحظ أن هذا الانفراج الحذر لمً يكن بشكل ثنائي ومباشر بين الدولتين بل كان تحت غطاء اتحاد المغرب العربي، غير ان تفجير فندق شهير بمراكش 1994 شكل انعطافة سلبية على العلاقات بين البلدين، حيث فرضت السلطات المغربية تأشيرة الدخول على المواطنين الجزائريين لترابها بعد اتهام المخابرات الجزائرية بالتورط في هذه الواقعة، ردت على ذلك السلطات الجزائرية التي كانت تعيش ما يعرف بالعشرية السوداء باغلاق الحدود.

 

ومنذ ذلك الحين إلى الآن، أي بعد مرور 25 سنة مازال ذلك المعبر الحدودي بين الدولتين المسمى "زوج بغال" مغلقا في تناقض تام مع الجغرافية السياسية والمصالح الحيوية للبلدين. وهنا أود أن أستحضر نماذج حدودية تعيش حالة توتر عسكري وسياسي أشد، ومع ذلك حافظت هذه البلدان على حدودها ومنافذها ومعابرها البحرية مفتوحة وعلى سبيل المثال لا الحصر: الهند وباكستان، الصين وطايوان، إيران والإمارات.. وعيا من هؤلاء الفرقاء بأهمية الفرص الذهبية التي ستضيع اجتماعيًا وثقافيًا وإنسانيًا.. وإدراكًا منهم بالتكلفة والفاتورة الاقتصادية الهائلة التي ستهدر في حالة إغلاق كل جسور التواصل، رغم أن الاختلاف المغربي الجزائري ليس بهذه الحدة.

 

لكن يبقى نزاع الصحراء هو المخيم بظلاله على العلاقات بين البلدين، إذ فشل البلدان في الاتفاق على تحييد هذا النزاع عن رزنامة القضايا الخلافية العالقة بينهما، وترك حل اختصاصه حصريا للأمم المتحدة بالموازاة مع ذلك القيام بفتح حوار استراتيجي حول آفاق العلاقة والتعاون وحسن الجوار بينهما، كون هذا الصراع استنزف الكثير من الطاقات الدبلوماسية والسياسية، والمقدرات المادية للقطرين الجارين على مدى 45 سنة، بل عرف فصلا آخر، من خلال حرب المواقع والأقطاب في أروقة الاتحاد الإفريقي بعد عودة المغرب لهذه الهيئة القارية؛ ومن المنتظر أن يعرف هذا التجاذب تفاعلًا آخر بعد فتح بعض البعثات الدبلوماسية الأفريقية مقرات لها بمدينة العيون كبرى حواضر الصحراء -بعض هذه البعثات رمزي فقط- ومن المحتمل أيضا بمدينة الداخلة.

 

في ظل هذه الظروف مازالت بوادر الحل والانفراج في العلاقة بين البلدين بعيدة، رغم التغير الذي عرفه شكل رأس هرم السلطة بالجزائر، بانتخاب السيد عبد المجيد تبون في انتخابات رئاسية فرضتها الاحتجاجات الشعبية ضد ترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة؛ وباستقراء العملية السياسية بالجزائر بعد هذا الحراك الشعبي الذي بدأ منذ فبراير المنصرم والذي مازال مستمرا بإيقاع ومواعيد أسبوعية مضبوطة للاحتجاج، وقد يعرف زخمًا بوفاة مهندس هذا التغيير الرجل القوي بالنظام السياسي الجزائري أحمد كايد صالح وزير الدفاع ورئيس الأركان، وأيضا من خلال قراءة للخطاب السياسي للسيد تبون أثناء الحملة الانتخابية وبعد تنصيبه رئيسا، لا يلاحظ وجود شيء جديد عن الادبيات العسكرية الجزائرية المتسمة بالاشتراطات المسبقة وبنوع من الاستعلاء السياسي، وبالتالي إن هذا التغير السياسي بالجزائر كان في إطار الاستمرارية وتغييرا متحكما فيه وتكتيك لامتصاص غضب الشارع الجزائري.

 

في مقابل ذلك خطابات العاهل المغربي بما تعنيه من قوة ورمزية في الحقل السياسي المغربي كتعبير عن الاختيارات الاستراتيجية الكبرى للدولة، والتي دعا من خلالها المغرب لبناء علاقة جوار مبنية على تعاقدات جديدة تمليها الظروف الدولية المتسارعة والمصالح المشتركة للبلدين في مسار متواز ومستقل عن حل قضية الصحراء كقضية معروضة للتفاوض والحل تحت الإشراف والرعاية الأممية.

 

إلا أنه في غياب مبادرات ووساطات إقليمية أو مساعي حميدة عربية لتقريب وجهات النظر بين القيادات السياسية في الدولتين، وانعدام علاقات تجارية واقتصادية مباشرة بينهما، أضف إلى ذلك انحسار النخب الحزبية والثقافية والفكرية والإعلامية في العدوتين وتبنيها الخطابات الرسمية للدولتين، وفشل المجتمع المدني بهما في التشبيك والتحالف وعجزه عن أن يكون ويشكل جماعة ضغط في البلدين وعدم استثماره لآليات معاصرة مثل وسائل التواصل الاجتماعي لخلق حالة رأي عام مؤثر في فتح نقاش عام شعبي تعبوي، ينذر بتحرك سلمي لدفع النظامين لتنازلات وتوافقات تدفع في اتجاه حلحلة الوضع، سيبقى الوضع بنفس الجمود والجفاء رغم التحديات والرهانات التي تفرضها الجغرافيا السياسية للدولتين كالإرهاب والجريمة العابرة للحدود والهجرة السرية.. وكذا الفرص الضائعة للأجيال القادمة في الحق في التنمية والاستقرار والعيش المشترك..

 

- الغالي محمد علي، باحث في سلك الدكتوراه بجامعة ابن زهر بأكادير