الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

وادي كشكاط باليوسفية: معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات (5/6)

وادي كشكاط باليوسفية: معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات (5/6) الأستاذ مصطفى حمزة (يسارا) مع الزميل فردوس ومشهدان من الفيضانات

انتبه الباحث المتخصص في التاريخ الجهوي الأستاذ مصطفى حمزة، لخطورة ومشاكل وادي كشكاط الذي يهدد ساكنة منطقة الكنتور خاصة ومدينة اليوسفية عامة خلال التساقطات المطرية، والفيضانات التي يتسبب فيها، وما تخلفه من أضرار مادية وبشرية وبيئة. حيث أعد الأستاذ حمزة بحثا متكاملا حول منبع ومجرى الوادي، وكيف تعامل معه الفرنسيون خلال فترة الحماية، مستنطقا المجال الجغرافي لتمدد الوادي منذ القدم ونقط مصبه المتعددة واختراقه للمدينة بعد استنبات مساكن وسط مجراه الرئيسي بشكل عشوائي.

 

جريدة "أنفاس بريس" تستفرد بنشر سلسلة هذا البحث المتميز على حلقات، وتتقاسمه مع القراء والطلبة الباحثين والمؤسسات المنتخبة جهويا وإقليميا ومحليا للعمل على تدارك مجموعة من الأخطاء التقنية والمعمارية وسبل الحد من فيضانات وادي كاشكاط الثائر.

 

4ـ 1: الأسباب الحقيقية لفيضانات وادي كشكاط: تتمثل هذه الأسباب في:

أ ـ قوة ارتفاع التلال المغذية لمنبع وادي كشكاط:

يتبين من خلال خريطة منطقة الگنتور أن منبع وادي كشكاط يوجد بأخفض نقطة ارتفاع بمنطقة سيدي أحمد (408م)، وتنطقه مجموعة من التلال يتراوح ارتفاعها ما بين (445م عند دراع بلخيات في الشمال الغربي، و480 م عند سيدي محمد بن لحسن في الجنوب الشرقي)، وهو ما يجعل الانحدار يتراوح ما بين 37م و72م، وهي مسافة كافية لتجعل المياه المتساقطة على التلال تتجه بسرعة قوية نحو المنبع حيت تتجمع هناك كميات كبيرة من المياه لتتجه نحو المصب.

 

ب ـ قوة انحدار المجرى ودورها في سرعة المياه:

من المؤكد أن مجرى وادي كشكاط يتميز بشدة الانحدار، مما يساهم في سرعة جريان المياه وتدفقها بشكل قوي ابتداء من المنبع إلى المصب، وهو ما يستنتج من الخريطة الطبوغرافية لجماعة الگنتور (المنبع) 408 م، مركز سيدي أحمد 400م، الصهريج 319م، المدخل الشرقي لمدينة اليوسفية 308م، حي الغدير 298م، شارع بئر إنزران 293م، حي الريطب (المصب) 284م، وبذلك يكون فارق الانحدار ما بين المنبع والمصب هو (124م)، وهو انحدار قوي ومن شأنه أن يؤدي إلى جريان قوي لمياه الوادي مع ما يرافق ذلك من خسائر.

 

ج ـ غمر مجزى الوادي بالنفايات ومواد البناء:

عند الشروع في تهيئة الحاضرة الفوسفاطية، عمد الفرنسيون إلى تحويل مجرى الوادي في اتجاه الجزء الجنوبي للمدينة، وقد حفر هذا بمواصفات علمية عالية تراعي الوضعية الطبوغرافية وحدة الانحدار وبذلك أصبحت مياه الوادي في الفترات القوية التساقطات تتجه صوب المصب الجديد (حي الراية، حي الريطب، ودوار الفواشخ)، لكن ما عرفه هذا المجرى منذ ثمانينيات القرن الماضي، من تغيرات تتمثل في عدم تنقيته من الرواسب من طرف الجهات المسؤولة، وغمره بالنفايات وبقايا مواد البناء من طرف الساكنة، كل هذا جعل النهر يخرج عن مجراه ويتسبب في العديد من الكوارث الطبيعية التي كان لها تأثير على الإنسان والمجال الحضري.

 

د ـ انتشار البنايات على ضفتي المجرى الجديد للوادي:

فتشييد البنايات بشكل عشوائي ودون استحضار مخاطر فيضانات وادي كشكاط، جعل الأحياء المشكلة لهذه البنايات (حي الستينات، حي الغدير، حي المحيط، الجزء الجنوبي من حي الراية، والجزء الشمالي من حي كاريان بومهدي، وحي الريطب) عرضة للفياضات وما يترتب عنها من خسائر بشرية ومادية.

 

4ـ 2: المخلفات البشرية والمادية لفيضانات وادي كشكاط:

أ ـ فيضانات 2016:

شكل يوم الأحد 6 نونبر سنة 2016، حدثا بارزا في التاريخ المحلي لإقليم اليوسفية، فخلال هذا اليوم وابتداء من الساعة الرابعة مساء تعرض الإقليم لعاصفة رعدية وتساقطات مطرية قوية، لم يشهد لها مثيل منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن ـحسب شهادات العديد من سكان المناطق المتضررةـ ترتب عنها سيول جارفة اختلف وقعها حسب الجماعات المكونة للإقليم.

 

وإذا كانت نتائج هذه السيول الجارفة اقتصرت على خسائر مادية بمختلف الجماعات، فإنها بجماعة سيدي أحمد كانت أكثر خطورة بفعل التساقطات القوية والجارفة التي عرفتها تلال الجزء الشمالي من نجد الگنتور المغذية لمصب وادي كشكاط، مما تسبب في ارتفاع حمولة الوادي، وزاد من خطورتها سرعة المياه بفعل قوة الانحدار، فتحولت مياه الوادي إلى سيول جارفة كان من نتائجها موت أحد المواطنين رفقة ابنته ذات العشر سنوات، وخسائر مادية، إذ جرفت المياه شاحنة من الوزن الثقيل وعدة عربات ودراجات نارية.

 

وفي مدينة اليوسفية (عاصمة الإقليم) تسببت السيول الجارفة لوادي كشكاط في عزل عدد كبير من أحياء المدينة، (حي الرمل، حي العرصة، حي الراية، حي الريطب، حي الغدير، حي مسعودة، حي الستينات...) بالإضافة إلى قطع العديد من الطرق، حيث مرت مياهه من حي السعادة والمركب التجاري وحي لغدير والمحطة الطرقية وشارع المحيط والمدخل الجنوبي لشارع بئر إنزران، كما تسببت في خسائر مادية حيث جرفت عددا من السيارات و العربات والدراجات النارية...

 

وإذا كانت الأسباب الحقيقية للخسائر البشرية والمادية التي عرفها مركز سيدي أحمد، والدواوير المنتشرة على امتداد مجرى الوادي، تعود إلى عاصفة رعدية وتساقطات مطرية عرفتها منطقة سيدي أحمد، ونتج عنها سيول مائية جارفة بواد سيدي احمد (وادي كشكاط) بجماعة الگنتور، فإن ما عرفته مدينة اليوسفية، من خسائر مادية وعزلة للعديد من الأحياء، وهلع وتدمر لدى الساكنة، راجع  بالأساس إلى مشكل اختراق مجرى وادي كشكاط للجزء الجنوبي من المدينة الأكثر كثافة من حيث الأحياء السكنية والسكان، وعدم تفكير المسؤولين في إيجاد حل لتجاوز هذه المعضلة.

 

هول الخسائر البشرية والمادية التي عرفتها سنة 2016 بإقليم اليوسفية، وما رافقها من تدخل للسلطات الإقليمية والمحلية، دفع برئيس جهة مراكش/ أسفي -عند زيارته للمنطقة- إلى التدخل والالتزام أمام المسؤولين الإقليميين والمحليين، بحل مشكل وادي كشكاط، وذلك بتحمل الجهة لتكاليف الدراسة والإعلان عن الصفقة لإنجاز المشروع.

 

ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على تدخل رئيس الجهة، فما زال مواطنو مدينة اليوسفية ينتظرون بشغف كبير وعد اخشيشن رئيس جهة مراكش/ أسفي.

 

ملاحظة: يمكن الاستئناس بمقال جريدة "أنفاس بريس" بتاريخ 18 نونبر 2018 تحت عنوان :"أحياء منكوبة بفعل السيول الجارفة لوادي كشكاط الذي لم تستطع الوعود الكاذبة ترويضه"...