الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد المنعم الكزان: البام" بين متاهة المحاكم و"لخبطة" المؤتمر

عبد المنعم الكزان: البام" بين متاهة المحاكم و"لخبطة" المؤتمر عبد المنعم الكزان
لقد قيل إن صحة الديمقراطيات مرتبطة بتفصيل تقني بسيط، إنه العملية الانتخابية والباقي يبقى مجرد أمورا ثانوية!!
وكاد هذا التصور المزيف والأحمق للديمقراطية أن يعصف بالإمبراطورية الرومانية رغم قوتها واستقرارها، خصوصا أن المزارعين في الريف و روماني الأطراف لم يكن بمقدورهم الحضور إلى الاقتراع.
''خوسيه أرتغا إي غاسيت''
يهدف منطق القانون إلى تزويد رجل القانون بآليات تجعل قضائه عقلانيا ، ويمكن تقسيم آليات الاستدلال القانوني نظريا إلى ثلاث مدارس إما استنباطية، أو وظيفية قصدية أو جدلية خطابية، كتحول في مسارات تاريخ الفكر القانوني الذي انتقل، حسب مؤرخي القانون من المباهلة في عصور ما قبل الميلاد والوسيط إلى القسم، فالاعتراف، ثم الإقرار....فسكون نفس القاضي لتنتهي في الأخير إلى ما وصل إليه اليوم من تأسيس الحكم القانوني على وجوه الانتقال من النسق القانوني والنص القانوني والنازلة إلى الحكم الشرعي المكيف للنازلة، وعليه فالقاضي لا يحكم فقط بما يراه معقولا في تعاطيه مع النص القانوني بل يتحرى في حكمه الشرعي قيمتين أساسيتين وهما قيمتي العدل والإنصاف باعتبارهما أهم موجهات عمل القاضي؛ إن دور السلطة القضائية بهذا المعنى مكملة للسلطة التشريعية وحارسة لها ، وعليه إذا كان القاضي انتصر لقيمتي العدل والإنصاف القانونيين كحق فما هو حق من وجهة نظر القانون هو ما هو عادل ومنصف قانونيا.
وتأسيسا على ما قلناه لا يسعنا إلا نهنئ السيد رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الأصالة والمعاصرة، لكن هل انتصر القاضي لما هو عادل ومنصف على المستوى السياسي ؟ خصوصا وأن مجموعة من أعضاء اللجنة التحضيرية هم امتداد لسياسة تهميش وإقصاء مجموعة من المناضلين لا لشئ إلا اختلاف وجهات النظر على المستوى المذهبي وعدم انتمائهم إلى فواعل ( المال والقوة القبيلة العائلة و التاريخ ) ؛ منذ المؤتمر السابق من خلال حصارها سياسيا وتنظيما.
لا أحد يختلف بأن المؤسسة الملكية قامت بمجموع مصالحات ساهمت في دخول نخب جديدة لدائرة (نخبة النخبة) إما من خلال تأسيس أحزاب جديدة أو إحياء أحزاب ميتة، أو دمج بعض المكونات بأحزاب كلاسيكية ، مما سمح بتعديل القراءة الانقسامية للمشهد السياسي بالمغرب، ورغم هذا الإدماج استمرت نفس العقليات العتيقة على مستوى الاقتصادي والسياسي والإداري بحيث عمدت (نخبة النخبة) الجديدة بتواطؤ مع (نخبة النخبة) القديمة إلى إمداد الحقل الاقتصادي والإداري والسياسي باعتماد نفس المنهج، مع تطور جديد على مستوى الحقول ليشمل حقول أخرى، بحيث نطرح ما يمكن أن نسميه أن فائض القيمة للسلطة السياسية بالنسبة (نخبة النخبة) ،أصبح يتحول إلى مستويات و حقول أخرى، اقتصادية إدارية، بل وحتى أكاديمية كوسيلة للضبط النخبوي على مستوى عدة واجهات مما يحافظ على الاستمرارية الجيلية (نخبة النخبة) على مستوى الأبناء و الأحفاد، ويساهم في الضبط الاجتماعي أو الاقتصادي والإداري ، من خلال إبعاد أبناء الهامش والمفقرين، وإذا كان تاريخ المغرب يؤكد أنه لا يمكن لفرد منعزل أن يلعب دورا في التغير السياسي اللهم الأولياء والصلحاء حسب النظرية الانقسامية ، فإن دخول المعطى العولمي وزمن الرأسمال الفردي و إضافة إلى السخط من عدم توزيع الطموحات الاقتصادية والسياسية بشكل عادل جعل بعض الأفراد يلجؤون إلى ما يمكن أن نسميه بالنضال الرقمي لما له من سهولة وفعالية من جهة ،وخطورة أقل على مستوى المغامرة، والجدير بالذكر أن انفصال طبقة النخبة السياسية عن المجتمع والذي ظهر بالملموس في مختلف المحطات السياسية منذ بدايات القرن الواحد والعشرين والذي كرسته نسبة العزوف عن الانتخابات مثلا، أو عدم قدرة (نخبة النخبة) على الدخول في وساطة لحل أزمة الانتفاضات في مجموعة من المناطق المتضررة (زاكورة، جرادة، الحسمة، تازة، طنجة ...الرباط ) أو حتى في علاقتها بالحركات الفئوية ، أطباء، أساتذة ، المتقاعدين وذوي الحقوق،معطلين... وهو تنفصال على العموم حسب القراءة الانقسامية كان دائما ، فهي لا تعمل إلا على ما يمكن أن نسميه انتظار الفرصة للركوب على الأحداث، بل في بعض الأحيان تكون هي أول المستفيدين من التذاكر المجانية لركوب قطار ريع المصالح، وعليه إذا كانت مسألة الكفاءة العلمية ضروية، فإن المعطيات تؤكد بالملموس أنها كفاءات استفادت من دعم طليعة الحقول الاقتصادية والاجتماعية في توفير جميع الشروط ، المادية لتعليم جيد من خلال الاستفادة من ريع المنح الدولية والدراسة في البعثات والمدارس الأجنبية والإسهام في موت المدرسة العمومية ، كما أن كلا (نخبة النخبتين) استفادت من توزيع المصالح سواء ما بعد الاستقلال أو خلال عشرينية التحديث.
فأي مستقبل نريد لأية ديمقراطية؟ وأي ديمقراطية نريد لأي تنمية؟
العدالة السياسية أولا ولا تصالح إلا مع بنية المجتمع
عبد المنعم الكزان،عضو المجلس الوطني لشبيبة الأصالة والمعاصرة