الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل أصيبت العلاقات المغربية الفرنسية بنزلة برد هذه السنة؟

يوسف لهلالي: هل أصيبت العلاقات المغربية الفرنسية بنزلة برد هذه السنة؟ يوسف لهلالي

رافق الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة المغربية إلى باريس بمناسبة الاجتماع رفيع المستوى في قصر ماتينيون بين الحكومتين في دورته الرابعة عشر، الحديث عن البرود أو الفتور في العلاقات المغربية الفرنسية، كما سمته بعض الجرائد المغربية. لكن هذا البرود تحدثت عنه الصحف المغربية، لكنه كان غائبا في الاعلام الفرنسي، هل فعلا كان هناك برود وخلاف حول مآل بعض مشاريع البنية التحتية، أم أن الأمر مجرد تأويلات لبعض الأحداث التي عرفتها العلاقة بين البلدين، مثل غياب اللقاء التشاوري الكلاسيكي بين وزير خارجية البلدين أثناء دور نيويورك بالأمم المتحدة؟ أم أن العرض "الجيد" الذي اقترحته الشركات الصينية  لبناء الخط السككي مراكش أكادير هو الذي أثار الجانب الفرنسي، ودفعه الى المطالبة بعودة صناعة السيارات إلى التراب الفرنسي من خلال تسريب نسب لوزير الاقتصاد برونو لومير؟ هي أسئلة متعددة، لكن الجواب عليها يتطلب فحص تصريحات مسئولي البلدين التي لم تكن واضحة بما يكفي لمعرفة وجود هذه النزلة من غيابها؟ وهل فعلا كانت هناك نزلة برد استعملت فيها التسريبات إلى الصحافة المغربية ومن قام بهذه التسريبات، أم أن الأمر مجرد تأويل دون تسريب من أية جهة؟

 

الجانبان المغربي والفرنسي تحدثا بعد نهاية الزيارة رفيعة المستوى عن تميز العلاقات الممتازة التي جمعت وتجمع بين البلدين، والتي ستعرف دفعة جديدة في المستقبل. ولم يشر أي طرف إلى البرود، وتم توقيع حزمة من الاتفاقيات الجديدة بلغت 9 اتفاقيات بين باريس والرباط والتي مست مختلف الميادين، سواء التعليم، التكوين، العدالة، النقل الطرقي والثقافة. كما أن الطرفين خلال الندوة الصحفية التي رافقت هذا اللقاء تحدثا عن تميز هذه العلاقات وعن الرغبة في استمرار هذا التعاون العالي المستوى.

 

وفيما يخص موضوع النقل عبر رئيس الحكومة المغربية عن ارتياح المغرب لتجربة القطار الفائق السرعة الرابط بين طنجة والدار البيضاء هو "مثال متميز وناجح للعلاقات الثنائية ونحن حريصون على تطويرها أكثر في المستقبل".. وأضاف "أن البلدين واعيين بأهمية هذه الاوراش الكبرى. وبعد نجاح تجربة الربط بين طنجة والدار البيضاء نحن  لنا ثقة بالمستقبل"، يقول رئيس الحكومة المغربية. وهذا الارتياح الذي عبر عنه الطرف المغربي تجاوب معه الطرف الفرنسي  الذي عبر هو الآخر عن رغبة فرنسا في مرافقة مشاريع التنمية التي يقوم بها المغرب، حسب الوزير الأول الفرنسي إيدوار فيليب الذي عبر عن تقاسمه لنفس التقييم المغربي لجودة العلاقات المغربية الفرنسية، وأن الحكومتين أقامتا اجتماعهما بشكل ودي. وعن النية في استمرار هذا التعاون وهذا النجاح الذي حققه قطار فائق السرعة بالمغرب.

 

هذه التصريحات تعني اهتمام الطرف الفرنسي بمشروع الربط السككي بين مراكش وأكادير، وهو الربط الذي أثار اهتمام الشركات الصينية، التي قدمت عرضا مغريا في هذا المجال حسب الصحافة المغربية. هذا المشروع هو الذي كان وراء الإشاعات التي أطلقتها بعض الصحف حول البرود في العلاقات بين المغرب وفرنسا، وحول تفضيل الرباط للعرض الصيني، مما أثار حفيظة المقاولات الفرنسية التي قامت بالضغط على الحكومة الفرنسية، وهو ما يفسر ايضا التصريحات التي نسبت إلى وزير المالية الفرنسية برونو لومير، حول طلبه بعودة شركات صناعة السيارات إلى الاستثمار في فرنسا بدل الاستثمار في الخارج، في إشارة إلى الاستثمارات الضخمة التي قامت بها رونو وبوجو بالمغرب في السنوات الاخيرة.

 

وزير المالية برونز لومير الذي حضر هذا اللقاء العالي المستوى بين المغرب وفرنسا بقصر ماتينيون، لم يتحدث عن الموضوع؛ عبد الحفيظ العالمي وزير الصناعة والاستثمار أثار مع الصحافة هذا الموضوع، بالقول إن كل بلد يدافع عن مصالحه الصناعية، وإن الامر مشروع، وإن صناعة السيارات بالمغرب هي مفيدة لطرفين سواء المغربي أو الفرنسي، وتخلق فرص الشغل بالبلدين.

الوكالة الفرنسية للأنباء طرحت مراسلتها السؤال مباشرة في الندوة الصحفية، التي عقدها الطرفان في باريس حول البرود أو التوتر الذي مرت منه العلاقات بين البلدين، ونسبت هذا الموقف للصحافة المغربية، لكن الطرفين المغربي والفرنسي قاما بنفي هذه الوضعية وأنهما تطرقا في نقاشاتهما لكل المواضيع وأن العلاقات بين البلدين ممتازة، وهي الكلمة التي رددها رئيسا الحكومة.

 

مجال الهجرة بين البلدين كان أحد أهم النقط التي تناولها هذا اللقاء، حيث عبر الجانب الفرنسي على لسان رئيس الحكومة إيداور فيليب عن ارتياح فرنسا لدور الذي يقوم به المغرب من أجل مواجهة الهجرة السرية وشبكات التهريب.

 

كما تباحث الطرفان على ضرورة تقوية الشراكة بينهما على مستوى متعدد الأطراف وعلى المستوى الإقليمي، كما أن باريس تعول على الرباط شريك رئيس في العمق الافريقي. وتعمل مقاولات البلدين على التعاون بالمنطقة لمواجهة منافسة حادة داخل القارة، والتي أصبح يطرحها فاعلون جدد بالمنطقة كالصين، تركيا، وهو ما يستدعي العمل المشترك من أجل مواجهة هذه المنافسة والمحافظة على استمرار مقاولات البلدين بالقارة الإفريقية. وكان هذا الموضوع من بين المواضيع التي تطرق لها المنتدى الاقتصادي الذي عقد بمناسبة اجتماع الحكومتين بباريس، والذي شاركت فيه 300 مقاولة مغربية وفرنسية.

 

وهناك تقارب وجهات النظر حول العديد من الملفات الاقليمية والدولية وذات الاهتمام المشترك ومحاربة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في عدد من بؤر التوتر، وأشاد الوزير الأول الفرنسي بمجهود محاربة الإرهاب الذي يقوم به المغرب  بالمنطقة.

 

التعاون اللامركزية بين المدن والجماعات والجهات في الصفتين، كان محط تنويه بين الطرفين، وتميز بتوقيع مذكرة صداقة وتفاهم ما بين مدينتي باريس والرباط.

 

ونوه الطرفان، في البيان التي صدر بعد نهاية أشغالهما، بتدخلات الوكالة الفرنسية لتنمية التي بلغت التزاماتها بالمغرب سنويا 590 مليون أورو في إطار الاتفاقيات الموقعة سنة 2019.

 

وعبر الطرفان عن ارتياحهما على استمرار وضعية فرنسا كأول مستثمر أجنبي بالمغرب بتواجد حوالي 900 مقاولة، وأكدا على ضرورة استمرارية وتعزيز هذا التعاون بين الجانبين .

 

وأهم ما أكده هذا الاجتماع العالي المستوى، هو الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون إلى المغرب في شهر فبراير المقبل. وشكر الطرف المغربي الطرف الفرنسي عن دعمه لملف المغرب حول الأقاليم الجنوبية ودعم فرنسا لمشروع الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب إلى الأمم المتحدة باعتباره الحل الوحيد لهذه الأزمة المفتعلة بالمنطقة.