السبت 27 إبريل 2024
مجتمع

وادي كشكاط باليوسفية: معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات 4/6

وادي كشكاط باليوسفية: معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات 4/6 الأستاذ مصطفى حمزة (يمينا) مع الزميل فردوس ومشهد من الفيضانات

انتبه الباحث المتخصص في التاريخ الجهوي الأستاذ مصطفى حمزة، لخطورة ومشاكل وادي كشكاط الذي يهدد ساكنة منطقة الكنتور خاصة ومدينة اليوسفية عامة خلال التساقطات المطرية، والفيضانات التي يتسبب فيها، وما تخلفه من أضرار مادية وبشرية وبيئة. حيث أعد الأستاذ حمزة بحثا متكاملا حول منبع ومجرى الوادي، وكيف تعامل معه الفرنسيون خلال فترة الحماية، مستنطقا المجال الجغرافي لتمدد الوادي منذ القدم ونقط مصبه المتعددة واختراقه للمدينة بعد استنبات مساكن وسط مجراه الرئيسي بشكل عشوائي.

 

"أنفاس بريس" تستفرد بنشر سلسلة هذا البحث المتميز على حلقات وتتقاسمه مع القراء والطلبة الباحثين والمؤسسات المنتخبة جهويا وإقليميا ومحليا للعمل على تدارك مجموعة من الأخطاء التقنية والمعمارية وسبل الحد من فيضانات وادي كاشكاط الثائر.

 

IIIـ وادي كشكاط وتوسع مدينة اليوسفية

 

3ـ 1: بداية توسع المدينة

إذا كانت اليد العاملة تعتبر العنصر الأساسي في أية عملية إنتاج وتعمير المدن، فإن ظروف العمل القاسية التي كانت سائدة آنذاك وضعف الأجور، دفعت بالعديد من العمال الحمريين إلى الفرار من مناجم استخراج الفوسفاط، والالتحاق بأنشطتهم الاقتصادية المفضلة (الزراعة وتربية الماشية)، أو للعمل في "ملاحة زيمة" بالشماعية، مما تسبب للمسؤولين الفرنسيين في كثير من الأزمات، ودفعهم إلى تغيير سياستهم في مجال التشغيل، وهو ما يستشف من الرسالة التي وجهها المراقب المدني إلى قائد (الزرة) آنذاك القائد العربي بلكوش: "وبعد فقد أتى إلينا السيد "لوسوان" مهندس إدارة الفوسفاط ب "لوي جانتي" وأخبرنا أن ستين من الخدم عنده هناك، قد ذهبوا وتركوا أشغالهم هناك معه، زاعمين أنهم توجهوا ليشتغلوا بحرث بلادهم، فها أنا أعلمك إننا أمهلنا الستين خداما المسطورة ثمانية أيام، فإن لم يرجعوا لخدمتهم مع المهندس المذكور، ولم تفد ستين خداما آخرين عوضا عنهم، فإن المهندس المذكور سيطلب خدامين آخرين أجنبيين عن ناحية حمير، وتلك الخدامون يبقون سرمدا معه، وإخوانك لم يجدوا خدمة أخرى، بعد فراغهم من الحرث، ونظرا للضرر الذي سيلحقهم، وها أنا أظن بأنك ستسعى حينا قرب أناس أيالتك في "لوي جانتي" وتآمر الخدامون بأن يذهبوا ويكونوا عوضا عن من تركوا خدمتهم هناك بالفوسفاط، وتتعجل بذلك قبل يوم الخميس القابل تاريخ 5 نونبر وإلا فأناس حمير يبقون ماسكين أيديهم أي بلا خدمة والسلام في 29 أكتوبر 1931".

 

ولم يتم تجاوز هذه الأزمة إلا عن طريق جلب اليد العاملة من خارج منطقة أحمر، مما جعل مدينة (لوي جانتي )، تعرف تنوعا بشريا ستنعكس آثاره على سلوك وثقافة المدينة (تعدد أنماط الغناء + العادات والتقاليد + اللباس + الطبخ...)

 

وبعد سنة 1959 ستعرف المدينة مجموعة من التحولات، ستجد ترجمتها في ما يلي:

1ـ الاسم الجديد الذي ستحمله المدينة وهو اسم (اليوسفية) تيمنا بالسلطان مولاي يوسف والد السلطان محمد الخامس، وللتذكير فقد كانت للسلطان محمد الخامس زيارتان لبلاد أحمر خلال فترة الحماية، الأولى تمت سنة 1943 استقبله خلالها القائد العربي بلكوش بمقر إقامته بالزاوية الخنوفة، والثانية تمت سنة 1952 واستقبله خلالها القائد محمد بلكوش بمقر إقامته بمدينة اليوسفية.

 

2ـ التوسع العمراني الذي ستعرفه المدينة الفوسفاطية (الحاضرة الفوسفاطية) والذي سيجعل منها مدينة نموذجية، بحكم ما تتوفر عليه من بنيات تحتية، ومرافق اجتماعية وترفيهية.

 

3ـ 2: توسع المدينة بعد منتصف السبعينيات

وفي منتصف السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، أصبحت مدينة اليوسفية بما تتوفر عليه من إمكانيات، تشكل منطقة جذب بالنسبة للمناطق المحيطة بها، وساعدها على ذلك الجفاف الذي عرفه المغرب في ثمانينيات القرن الماضي، وارتفاع ظاهرة الهجرة القروية، لكنها ستجد نفسها غير قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من المهاجرين القرويين من مختلف المناطق المحيطة بها (دكالة ـ عبدة ـ الرحامنة...) مما سيجعل من مدينتها الفوسفاطية نشازا، داخل فضاء تنطقه أحياء عشوائية، يفتقر أغلبها إلى تصاميم معمارية، وإلى البنيات التحتية، من طرق وكهرباء وماء شروب وقنوات الصرف الصحي ومرافق اجتماعية وترفيهية...

 

وهكذا وفي غياب نظرة علمية لتدبير المجال الحضري، ووضع تصور مستقبلي لتطور وتوسع المدينة بشكل عصري في اتجاه مدينة بن جرير، ومدينة وسيدي بنور، ومدينة جمعة اسحيم، ظلت نظرة المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي حبيسة السفح الشمالي لمدخل نجد الگنتور، ورهينة ما يجود به المكتب الشريف للفوسفاط من أراضي لبناء مرافق اجتماعية وإدارية... هذه النظرة غير المسؤولة، هي التي ساهمت في انتشار الأحياء العشوائية وبناء الدور السكنية بالقرب من مجرى وادي كشكاط (فيلاج مسعودة، حي الستينات، الجزء الجنوبي من حي الغدير، الجزء الجنوبي من حي الراية، الجزء الشمالي من كريان بومهدي...) وهي نفس الأحياء التي تكون دائما ضحية فيضانات وادي كشكاط.

 

مع بداية الألفية الثالثة بدأ وادي كشكاط يخلق متاعب للمسؤولين عن تدبير الشأن المحلي ولسكان المنطقة، لكن ضعف الإعلام، وغياب وسائل التواصل الاجتماعي آنذاك، كانا يحدان من انتشار المعلومة حول فيضانات وادي كشكاط وما يترتب عنها من خسائر بشرية ومادية تخص السكان والبنية التحتية.

 

IVـ فيضانات وادي كشكاط سنوات 2016، 2017، 2018

تشكل الفيضانات أحد الكوارث الطبيعية الأكثر خطورة على الإنسان والطبيعة، بما تساهم فيه من تغيير وتدمير للمجالات الجغرافية، وما يترتب عنها من خسائر بشرية ومادية تؤثر سلبا على الإنسان ومجاله الجغرافي، وعادة ما يكون حدوث هذه الفيضانات مفاجئا، خاصة في المجتمعات التي لا تتوفر على مختصين في هذا المجال وتفتقر إلى تقنيات ووسائل توقع الكوارث، كما تفتقر إلى استراتيجيات لمواجهة الكوارث الطبيعية.

 

وفيضانات وادي كشكاط -عبر التاريخ- لا تخرج عن هذا السياق بما تسببت فيه (الماضي) وتتسبب فيه (الحاضر والمستقبل) من خسائر مادية وبشرية، وما تخلقه من هلع وسط ساكنة قرية سيدي أحمد القريبة من منبع الوادي، وساكنة مدينة اليوسفية (عاصمة الإقليم) مصبه.

 

وإذا كنا لا نتوفر على معطيات حول فيضانات وادي كشكاط، والخسائر التي كان يتسبب فيها لساكنة قرية سيدي أحمد، وساكنة مدينة اليوسفية في الفترات السابقة، وذلك لعدم توفر مصادر ووثائق مكتوبة حول تلك الفيضانات باستثناء روايات شفوية، ما زالت تتداول بكل أسف وحسرة بين ساكنة زاوية كشكاط، وقرية سيدي أحمد، تحيل على الفترات الفلاحية الأكثر إنتاجا بالمنطقة (سنوات الصابة)، أكثر مما تحيل على هول الفيضانات، فإن فيضانات سنوات 2016 و2017 و2018، ظلت راسخة في ذاكرة ساكنة الإقليم بصفة عامة، وساكنة كل من قرية سيدي أحمد ومدينة اليوسفية بصفة خاصة، بفعل الانتشار الكبير لوسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي ووسائط التواصل الاجتماعي... وتتبع كل المتدخلين (السلطات الجهوية، السلطات الإقليمية، والسلطات المحلية، والوقاية المدنية...) للظاهرة.

 

فما هي الأسباب الحقيقية لهذه الفيضانات؟ وما هي مخلفاتها البشرية والمادية؟ وأخيرا ما هي السبل المقترحة لتجاوزها؟