الثلاثاء 7 مايو 2024
كتاب الرأي

رشيد شكري: الطب العام وطب العائلة دعامة للرعاية الصحية الأولية

رشيد شكري: الطب العام وطب العائلة دعامة للرعاية الصحية الأولية د.رشيد شكري
افتتحت صباح يوم الأربعاء 18 دجنبر 2019 بالرباط المناظرة الوطنية حول الرعاية الصحية الأولية التي تنظمها وزارة الصحة بحضور عدد كبير من المشاركين والخبراء المغاربة والأجانب.
وتهدف المناظرة التي تساهم فيها المنظمة العالمية للصحة ومنظمة اليونيسيف إلى بلورة نموذج مغربي للرعاية الصحية الأولية من خلال إبداع نموذج لتنظيمها وتمويلها ، وكدا طرق إعادة النظر في المنظومة الصحية الحالية من اجل الانتقال لمنظومة صحة مبنية على الرعاية الصحية الأولية وسبل الوصول إليها من خلال الاهتمام بطب وأطباء العائلة وتكوينهم، وإعطاء الطب العام وطب الأسرة الدور المنوط به في إطار التصور الجديد لطب القرب.
وقد اتصلنا بالدكتور رشيد شكري، رئيس الجمعية المغربية للطب العام وطب الأسرة، والطبيب الممارس والمهتم بقضايا المنظومات الصحية، والمشارك في هدا الملتقى ، ليمدنا بوجهة نظره في الموضوع، خصوصا وانه من الأطباء المغاربة الدين يجمعون بين الممارسة الفعلية للطب والبحث في شأن تطوير الأنظمة الصحية، مما قاده للإطلاع على تجارب عدة دول من خلال الزيارات الدراسية الميدانية في أمريكا الشمالية والجنوبية، وارويا وإفريقيا وآسيا. وقد مدنا بالمقال الذي تمت ترجمته كالتالي.
رغم النتائج والتقدم الذي عرفته العديد من المؤشرات الصحية ببلادنا فان قطاع الصحة في المغرب لا زال يعاني من مشاكل متعددة. في جميع أنحاء العالم تعرف التغطية الصحية اختلالات ونواقص ، تختلف بالتأكيد طبيعتها ودرجتها من دولة لأخرى.
من أهم المشاكل التي تعانيها المنظومة الصحية بالمغرب، مشكل الولوج إلى العلاج.
فالكثير من المواطنين لا يستطيعون الوصول والولوج إلى العلاج بالسهولة المطلوبة أو لا يستطيعون الولوج إلى العلاج المناسب. علما أن دور المنظومة الصحية هو توفير ليس فقط العلاج و لكن قبله توفير الوقاية لتفادي الإمراض والمشاكل الصحية.
الولوج إلى العلاج تعترضه عدة حواجز أهمها:
ندرة الأطباء وباقي مهنيي الصحة ببلادنا. فحسب معايير المنظمة العالمية للصحة فان بلادنا محتاجة إلى أزيد من ضعف عدد الأطباء المتوفرين حاليا (23 ألف طبيب) على الأقل وقس على دلك الممرضين.
التفاوتات بين مناطق وجهات المغرب، بين المدن والقرى، مما يجعل المواطنين في عدد من المناطق بعيدون تماما عن مسالك العلاج.
ضعف الميزانيات المرصودة لقطاع الصحة. فمجموع المصاريف المرتبطة بالصحة لا تتعدى 1600 درهم لكل مغربي في السنة (أزيد من نصف المبلغ تتحمله الأسر)، بينما تتعدى هده المصاريف ثلاث مرات عند جيراننا وتتعدى 11 مرة أكثر بتركيا،21 و مرة أكثر بفرنسا مثلا.
ومع ضعف هده الميزانيات يصعب اللحاق بالنتائج المحققة في البلدان التي تتجاوزنا من حيث الميزانيات المرصودة للصحة.
ضعف التغطية الصحية وهشاشتها. لا زال ثلث المغاربة بدون تغطية صحية. بينما لا يستفيد أزيد من نصف المؤمنين حاليا إلا من تغطية الراميد مع لها من محدودية ومشاكل لا تؤهلها لمستوى تغطية صحية حقيقة.
بينما يعاني كذلك النصف الآخر من المؤمنين من مشاكل في إيجاد ما يتبقى على عاتقهم تأديته من جيوبهم، رغم توفرهم على التغطية الصحية ومساهماتهم الشهرية الإجبارية فيها. فالمؤمنون يؤدون من جيوبهم أزيد من ثلث إلى نصف مصاريف علاجهم بالإضافة لمساهماتهم الشهرية.
وعلى العموم فان الأسر المغربية تتحمل حوالي 54 في المائة من مصاريف العلاج وهو ما يشكل رقما عاليا ومعيقا كبيرا للوصول إلى العلاج بالنسبة لشرائح كبيرة من المؤمنين.
ورغم كل دلك يمكن أن نقول أن بإمكان بلادنا أن تحقق مزيدا من التطور الايجابي وبوتيرة أسرع إذا ما قمنا بمراجعة جذرية وشاملة لمنظومتنا الصحية كما دعا إلى ذلك جلالة الملك في عدة مناسبات.
ويمكنني أن أؤكد ومن خلالي تجربتي الميدانية كطبيب ممارس في عدة مناطق وقطاعات (مستشفيات مغربية، مستشفيات فرنسية، مع عمال المناجم بالعالم القروي، مناطق حضرية متوسطة وفقيرة، وفي أحياء راقية)، وكذلك من خلال تجارب عدة أنظمة صحية لدول زرتها في إطار زيارات دراسية مهنية للأنظمة الصحية مع منظمات دولية ( كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، البرازيل، البيرو، فرنسا مصر لبنان الجزائر بلجيكا هولندا..)، يمكنني أن أؤكد انه بالإمكان تحسين الوضعية من خلال حسن تدبير مواردنا المالية والبشرية في إطار منظومة صحية جديدة.
بالإمكان ترشيد استخدام العنصر البشري والإمكانيات المالية وترشيد استعمال الزمن العلاجي بتبني منظومة صحية مبنية على الرعاية الصحية الأساسية Soins de santé primaires، يكون فيها الطب العام وطب الأسرة المدخل الرئيسي للمنظومة الصحية، كما فعلت كل الدول التي تحقق مؤشرات ايجابية.
بإمكاننا تطوير أنفسنا من خلال قلب المعادلة: عوض التركيز على المراحل الأخيرة من الإمراض مع ما لها من مصاريف وكلفة عالية ونتائج ضعيفة، نركز مجهوداتنا على التربية الصحية، على الوقاية، على الكشف المبكر والعلاج في المراحل الأولى على المرافقة المنتظمة لكل المواطنين حتى قبل أن يطلبوا العلاج. فمثلا ببلادنا 50% من مصاريف صناديق التأمين يستهلكها فقط 3% من المستفيدين بسبب الأمراض المزمنة. المقاربة المبنية على الرعاية الصحية الأولية تجنبنا الإصابات والمراحل المتأخرة من الأمراض، وتعطي نتائج صحية عالية بتكلفة أقل. وهده حقيقة تزداد تأكيدا مع الانتقال الديمغرافي نحو مجتمع أقل شبابا، وبالتالي أكثر طلبا للعلاج، و تحول في مشهد الأمراض بحيث أصبحت الأمراض المزمنة أكثر انتشارا.
لذلك لا بد لبلادنا أن تلتحق بالدول التي قررت جعل العلاجات الصحية الأساسية في قلب أنظمتها الصحية. وجعلت طب الأسرة وطبيب الأسرة عمادا للنظام الصحي ومدخلا ومرافقا لكل المواطنين في سراديب منظومة العلاج.
وهدا الانتقال يجب التحضير له بفتح مسالك في كليات الطب لتخصص جديد هو طب الأسرة تكون فيه الدراسة موجهة لتحضير طبيب الأسرة نحو مهام جديدة هي طب الأسرة المبني على القرب والاهتمام بالأسرة وبالجماعة، بالتربية الصحية والوقاية ومرافقة المواطنين داخل بنية الأسرة في كل ما يتعلق باحتياجاتهم الصحية، ومرافقتهم وتتبعهم وإرشادهم خلال كل مراحل ولوجهم مسالك العلاجات.
كما يجب التحضير له من خلال على خلق الآليات السلسة، على غرار جميع الدول التي سبقتنا، من أجل تحويل رصيدنا على قلته، من أطباء عامين ممارسين للطب العام ودوي خبرات وكفاءات ميدانية في القطاعين الخاص والعام نحو طب العائلة ، بتكوين تكميلي –عند الضرورة- لانطلاق حقيقي للمشروع.
ويجب كذلك إعادة النظر في الميزانيات المرصودة للرعاية الصحية الأساسية وإعطائها الامكانيات التي تلزمها. وإعادة النظر في سلة العلاجات ونسب تعويضها من طرف صناديق التأمين لتوفير العلاجات الصحية الأساسية للمستفيدين عوض انتظار أصبتهم بالأمراض المزمنة أو أصابتهم بحالات معقدة.
ومن الضروري من جهة أخرى تبني ما يعرف ب مسار العلاجات المنسقة Parcours de soins coordonnés في القطاعين العام والخاص وعلى مستوى صناديق التأمين للحد من هدر الزمن العلاجي وهدر الموارد البشرية والمالية.
فالمسار المنسق يضمن دخول المواطن لمسار العلاج من خلال طبيب الأسرة الذي يرشد المريض بحكم القرب وبحكم التشبع بالمحيط العائلي والجماعاتي وبخصائصه، نحو العلاج الملائم أو الفحوصات التكميلية المناسبة والإحالة على الاستشارة الطبية الاختصاصية الملائمة عوض أن يتيه المريض بين الفحوصات والاختصاصات المتعددة، مع ضياع زمن العلاج وتضييع وقت المهنيين ونفقات لا ضرورة لها.
لبلادنا أن تحقق نقلة مهمة في منظومتها الصحية نحو الرعاية الصحية الأساسية من خلال شراكة فعلية بين القطاعين العام والخاص. بإمكان بلادنا الاستفادة من القطاع الطبي الخاص من خلال العيادات الطبية في الطب العام والاختصاصي بالقطاع الخاص، اذا أدمجت السياسة الصحية العامة هده العيادات في إعداد منظور جديد، وأدمجتها في تحقيق وتنفذ أهداف السياسة الصحية العامة من خلال أهداف محددة ومرقمة مبنية على الشراكة.
د رشيد شكري، رئيس الجمعية المغربية للطب العام وطب الأسرة(SMMGF)