الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور :صراع الهوية بين دعاة التطرف وشعراء أسايس بسوس

الحسن زهور :صراع الهوية بين دعاة التطرف وشعراء أسايس بسوس الحسن زهور
معركة بين الفن الأمازيغي والفكر الداعشي، تشهدها منطقة سوس،حاليا، معركة بين الثقافة المغربية وبين الفكر الداعشي المتطرف، هي واجهة أخرى للصراع مرتبطة بالهوية المذهبية والتدينية للمنطقة وللبلد بصفة عامة، هذه المرة فتح الباب لغول وحشي ليلج إلى المنطقة وليؤجج الصراع الهوياتي وبشكل مكشوف بين نمطين من التدين: 
 
- تدين على الطريقة الداعشية كامتداد للتدين الوهابي الذي فتحت له الأبواب سابقا ليجد هذا الفكر الداعشي أرضية فكرية ودينية ممهدة لامتداده الفكري عبر ظواهر غريبة (كاللباس، وأشكال التدين الغريب...) تشهدها بعض المناطق بسوس وعبر فيديوهات ظاهرها التدين المتشدد و باطنها العذاب و التطرف.
- تدين مغربي وسطي معتدل كما عرفه أجدادنا المغاربة فرقوا فيه بين ما هو دنيوي و بين ما هو ديني، وهو شكل مغربي بامتياز لقي انتشارا في السودان الإفريقي الإمتداد الطبيعي للامبراطوريات والممالك المغربية قديما قبل أن تجتاحه الآن الوهابية والداعشية ممثلة في الجماعات الإسلامية المتطرفة والجماعات الداعشية كجماعة " بوكو حرام".
اليوم يخرج ممثلو الداعشية في سوس؛ وهم شرذمة من بعض "الدعاة" المعروفين كظواهر صوتية في الإنترنت ينشرون فيها حملاتهم الدعائية لفكر متطرف بادئين بتحريم و شيطنة الفن الأمازيغي عبر فيديوهات تحرم الموسيقى وغناء الروايس وفن احواش... وهم بذلك يعيدون الكرة لإتمام ما فشلت فيه الوهابية الرامية إلى تعرية المغاربة من هويتهم الثقافية و الدينية المتميزة. و يعرف هؤلاء الدواعش جيدا ارتباط الأمازيغ بثقافتهم و فنهم هذا، لذلك فتجريدهم من هذه الهوية الثقافية يسهل دعشنتهم. 
و بدلا من أن تتصدى المؤسسة الدينية الرسمية لهؤلاء( و هذه من مهامها)، لم يجد الفنانون والشعراء بدا من مواجهة هذا الفكر الداعشي بالشعر وبالفن، ليصبح الشعر والغناء وسيلة للدفاع عن الهوية بما فيها التدين  المغربي المعروف في تاريخنا، ولدحض هذا الفكر المتوحش المنبوذ يعود الشاعر / أنضام والرايس إلى مهمته التقليدية؛ وهي الحفاظ على الركائز الهوياتية وعلى  القيم المغربية.
هذا الصراع التديني الذي فتحه البعض من الدعاة الدواعش بسوس بتحريم الفن الأمازيغي بعد فشلهم في محاربة التغييرات الحقوقية التي أقرها الدستور لصالح المرأة و للأسرة، يشير إلى عدم يأسهم من نشر فكرهم. 
فلو رجع هؤلاء الدواعش إلى التاريخ المغربي القريب( كما عاشه أجدادنا) سيعلمون أن منطقة سوس وأغلب المناطق المغربية عرفت تمازجا بين الفن والدين، بل كان الفن والشعر في خدمة الدين، ومع أن مهمة الفقيه كانت محصورة في الجانب الديني دون تجاوز ذلك إلى المجالات الأخرى التي لها مسؤولوها، فإن الفقهاء يشجعون الشعر، وقد يمتزج الفقه والفن في شخصية ما لتخلق الفقيه الفنان الذي يؤم الناس في الصلاة نهارا و في الليل يتقدمهم بشعره وببنديره ( تالونت) إلى  "أسايس" أي مكان أحواش أو أحيدوس، وقد حفظ لنا التاريخ مقاطع شعرية فنية رائعة لواحد من  اكبر الشعراء الأمازيغ و هو سيدي حمو الطالب أي "سيدي حمو الفقيه" الذي عاش في القرن الثامن عشر الميلادي...
 
لكن ما تعرفه سوس اليوم من هجوم فقهاء الدواعش على الفن الأمازيغي يضرب هذا التوافق بين الشعر و الفن و الدين، بسبب عداء هذا  الفكر الداعشي الغريب عن ثقافتنا والأكثر وحشية وبداوة من الفكر الوهابي الذي تم إدخاله إلى المغرب في السبعينات من القرن الماضي.
 الفكر الداعشي الذي يتزعمه بعض " الفقهاء" بسوس كسر هذه القاعدة التوافقية بين الفن والدين عند الأمازيغ؛  لذلك خرج هؤلاء الدواعش، مستغلين وسائل التواصل الإجتماعي، لمحاربة الفن و الشعر و الغناء الأمازيغي بدعوى انه محرم دينيا؛ أمام هذا الهجوم على الفن، وجد الشعراء والروايس الأمازيغ أنفسهم أمام ظاهرة غريبة عن مجتمعهم فوقف بعضهم ( وهم المشهورون في الساحة الفنية والشعرية) للتصدي لهذا الفكر المتطرف الغريب عن بيئتهم و عن ثقافتهم. 
فالشاعر / انضام/الرايس عاد ليحمل رسالته كما عرفت تاريخيا عند من سبقوه، وهي الدفاع عن الهوية الثقافية و الدينية... وفي هذا الجانب تتكامل المهمة التربوية للشاعر/ انضام أو الرايس مع الفقيه بسوس الذي أوكلت اليه المهمة الدينية دون ان يتجاوزها، وهذا ما نجده عند اغلب الروايس في تقديرهم للفقهاء وللأسلاف.
 
وهنا تكمن أهمية دور و وظيفة شعراء إنضامن والروايس للتصدي للفكر الداعشي بسوس ذلك الفكر الذي يحرمهم مما تبقى لهم حين يحرم هذا الفكر الداعشي الغناء و احواش ويصف الشعراء/ انضامن والفنانين بأتباع الشيطان...
 هذا الصراع بين فقهاء داعش والتدين المغربي ممثلا بشعراء احواش والروايس، تدور رحاه اليوم في الانترنيت، وهو صراع بين نمطين من التدين: نمط داعشي متشدد وتكفيري، ونمط مغربي وسطي معتدل كما توارثه المدافعون عنه عن الأجداد.
ما يقوم به الآن شعراء احواش والروايس هو من مهامهم التربوية والفنية والهوياتية في الدفاع عن هوية بلدهم إسوة بما قام به أجدادهم الشعراء في الدفاع عن هذا البلد ضد الحماية الفرنسية أمثال : جانتي، عمر واهروش....
الفكر الداعشي يبتدئ بفكرة،  فإن أهملت تنتشر كالسرطان ، وانتشارها يأتي على الأخضر واليابس.
 
الشعر الامازيغي اليوم يقوم بواجبه الذي عليه القيام به في التصدي للفقهاء الدواعش بسوس، لكن هل من مساند له؟
يقول الشاعر الكبير سيدي حمو الطالب:
" العاقل أور ليغ، ئما تامارت ؤر ئي دروسنت".
أي: العقل هو ما ينقصني، أما اللحية فطويلة هي لحيتي.
ومعنى البيت ينطبق على هؤلاء الدعاة الدواعش.
( والبيت من كتاب : الشعر المنسوب لسيدي حمو الطالب، صفحة98)
 
 
ذ. الحسن زهور، كاتب ومحلل سيسي