السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

وادي كشكاط باليوسفية: معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات (3/6)

وادي كشكاط باليوسفية: معلمة جغرافية تجر وراءها تاريخا مثقلا بالذكريات (3/6) حمزة مصطفى رفقة الزميل أحمد فردوس ومشهد من السد الذي شيده الفرنسيون لتحويل مياه وادي كشكاط

انتبه الباحث المتخصص في التاريخ الجهوي الأستاذ مصطفى حمزة، لخطورة ومشاكل وادي كشكاط الذي يهدد ساكنة منطقة الكنتور خاصة ومدينة اليوسفية عامة خلال التساقطات المطرية، والفيضانات التي يتسبب فيها، وما تخلفه من أضرار مادية وبشرية وبيئة. حيث أعد الأستاذ حمزة بحثا متكاملا حول منبع ومجرى الوادي، وكيف تعامل معه الفرنسيون خلال فترة الحماية، مستنطقا المجال الجغرافي لتمدد الوادي منذ القدم ونقط مصبه المتعددة واختراقه للمدينة بعد استنبات مساكن وسط مجراه الرئيسي بشكل عشوائي.

جريدة " أنفاس بريس" تستفرد بنشر سلسلة هذا البحث المتميز على حلقات وتتقاسمه مع القراء والطلبة الباحثين والمؤسسات المنتخبة جهويا وإقليميا ومحليا للعمل على تدارك مجموعة من الأخطاء التقينة والمعمارية وسبل الحد من فيضانات وادي كاشكاط الثائر.

 

2 ـ 2 : تهيئة المدينة ووادي كشكاط.

لقد تم الشروع في تهيئة مجال المدينة ابتداء من سنة 1931، وهي الفترة التي شرع فيها المكتب الشريف للفوسفاط في شراء الأراضي من السكان المحليين، كما تؤكد ذلك الرسالتين الآتيتين:

ـ الرسالة الأولى: موجهة من المراقب المدني بالشماعية، إلى القائد العربي بلكوش.

«..وبعد يصلك طيه كتاب ... من الحسن بن محمد ... السمسار الفرنساوي، في شأن قضية له مع ورثة محمد بن علي، عن بلاد اشترتها الإدارة الفرنسية، وعليه نحب منك أن تأمره بأن يبسط قضيته لإدارة الفوسفاط أو الشرع إن أراد والسلام في 28 أكتوبر 1931 ». 

ـ الرسالة الثانية: موجهة من نفس المراقب إلى نفس القائد.

« نحب منك أن تكون حاضرا يوم الاثنين المقابل تاريخ 11 من الجاري على الساعة الثامنة صباحا بمدينة " لوي جانتي" " كشكاط " لتمعن النظر معي في شأن قضية عقار هناك، والسلام في 9 يناير سنة 1932 ».

ويبدو أن أهمية  مياه "وادي كشكاط" ـ خلال هذه الفترة بالذات ـ كانت حاضرة بشكل قوي في أجندة المسؤولين الفرنسيين، بالنسبة، أولا : للإنسان، ثم لعملية البناء، وتنشيف الفوسفاط،  وسقي الأشجار...، ومع ذلك كان لا بد من استحضار ما يمكن أن يترتب عن "وادي كشكاط" من كوارث أثناء الفيضانات، خاصة وأن الوادي كان يخترق المدينة الفوسفاطية التي شرع الفرنسيون في تهيئتها، ومن هنا فكر الفرنسيون في حلين لتجاوز هذه المعضلة. 

1 ـ الحل الأول:  

فقد فكر الفرنسيون في  سنة 1933 ، في إقامة "مشروع سقي" على طول امتداد " وادي كشكاط " ، لتجاوز مشكل الفيضانات والكوارث المترتبة عنها بالنسبة لساكنة المدينة من الأوربيين، فتم وضع تصميم للمشروع من طرف مكتب التصاميم التابع للمكتب الشريف للفوسفاط، وحددت مسافة امتداد المشروع من ملكية بن عطوش شرقا، إلى القرب من المقبرة الفرنسية غربا، وحددت  المساحة المسقية في أكثر من 28 هكتار، إضافة إلى وضع لائحة جرد للملاك الذين سيستفيدون من مياه وادي كشكاط مع تحديد المساحة المخصصة لكل مستفيد، وحدد عدد المستفيدين حسب واضعي المشروع في 31 مستفيدا نذكر منهم:

1 ـ عند نقطة بداية المشروع: ورثة سي محمد بن علي، وورثة سي أحمد بن الطاهر.

2 ـ عند نقطة وسط المشروع: حميدة بن الجيلالي، وورثة سي العربي بن الحسن.

3 ـ عند نقطة نهاية المشروع: ورثة الحسن بن أحمد، وورثة سيدي الحاج التهامي. 

ويبدو أن تنفيذ هذا المشروع كان سيؤدي إلى ظهور نشاط زراعي سقوي عصري متطور، ويساهم في تطور المنطقة، بما سيوفره من منتجات فلاحية عصرية لتلبية حاجيات المدينة ومحيطها الجغرافي، بالإضافة إلى مساهمته في الرفع من الإنتاج والزيادة في مداخيل الفلاحين.  

2 ـ الحل الثاني:

هو التخلي عن مشروع السقي، والعمل على تغيير مجرى وادي كشكاط، وهو ما يستفاد من كلام  أحد الفرنسيين السيد مارتان "M. Martin  ":

« لبناء القرية الفوسفاطية في المكان الذي تتواجد به اليوم، كان لابد من تغيير مجرى وادي كشكاط وذلك بتشييد سد صغير».

وهكذا سيعمل الفرنسيون على بناء سد صغير الحجم بالمجرى الأول للوادي بالقرب من (حي الصهريج/المنار حاليا) والذي كان يمر من وسط المكان الذي تتواجد به القرية الفوسفاطية (حيت يتواجد مقر الكنيسة، ومنه نحو نادي المستخدمين) ثم يعبر مخرج السكة الحديدية الرمل ( التقدم / حاليا)، ليصب في المكان الذي يتواجد به اليوم حي الرمل/التقدم، وحي العرصة/السمارة، وغابة العروگ، وهذا ما يؤكده تواجد أسماء لها علاقة بالمجرى الأصلي لوادي كشكاط ( حي العرصة ، وحي الرمل). 

وعند بناء السد تم تحويل مجرى الوادي في اتجاه الجزء الجنوبي للمدينة الذي كان آنذاك فارغا من السكان، وتم حفر مجرى له بمواصفات علمية وعالية تراعي الوضعية الطبوغرافية وحدة الإنحدار، وبذلك أصبحت مياه الوادي في الفترات القوية الأمطار تتجه صوب (حي الراية/السلام حاليا) (حي الريطب) حاليا ودوار الفواشخ .

ورغم قوة انحدار الوادي والتي تنطلق من أعلى نقطة الارتفاع 408 م عند منبع الوادي، إلى أخفض  نقطة ارتفاع  284 م عند المصب (حي الريطب، وغابة العروگ)، فلم يتسبب "وادي كشكاط " في كوارث طبيعية  للسكان ولمجاله الجغرافي وذلك للعوامل التالية:

ـ كون مجرى النهر الذي شيده الفرنسيون بمواصفات علمية دقيقة ظل محافظا على نظافة مجراه وخاليا من النفايات والأتربة، بفعل العناية التي كان يحظى بها من طرف الجهات كانت تقدر المسؤولة.

ـ كون ضفتي المجرى الجديد كانتا فارغتين من البنايات.

ـ ويبدو أن الثقافة التي كان متشبعا بها الإنسان المغربي آنذاك، ويعمل وفقها أثناء عمليات التشييد والبناء، هي ثقافة تجد ترجمتها في اختيار الإنسان، للموقع الذي يشيد فيه سكنه، والتصاميم التي يضعها له، وهكذا نجد على مستوى المجال الجغرافي لبلاد أحمر ومن ضمنه مدينة اليوسفية آنذاك، أن كل الدواوير مشيدة في مناطق آمنة ومرتفعة ( إما فوق تل، أو بسفح تل، أو هضبة...)، والدور والحجرات المكونة لهذه الدور تكون أبوابها في غالب الأحيان في اتجاه الشرق لكي لا تسمح بتسرب مياه الأمطار داخل الغرف، أما الواجهة الخلفية للسكن التي تكون مقابلة لجهة تساقط الأمطار (عين الشتا)، فتكون محصنة عن طريق التبليط من طرف صاحب السكن.

يلاحظ أن هاذين العاملين، كان لهما دور أساس في عدم خروج النهر عن مجراه، ووقوع فيضانات وكوارث، وذلك رغم السنوات الممطرة التي عرفها المغرب خلال فترة الحماية الفرنسية ومنذ بداية الاستقلال إلى بداية الألفية الثالثة.