الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

إيبوركي : "روتيني اليومي" علامة من علامات اضطراب العلاقات الأسرية واندثار القيم الاجتماعية

إيبوركي : "روتيني اليومي" علامة من علامات اضطراب العلاقات الأسرية واندثار القيم الاجتماعية عمر إيبوركي

تحولت فيديوهات "روتيني اليومي" على مواقع التوصال الاجتماعي إلى "ستيربتيز" إلكتروني على يوتوب يثير الغرائز الجنسية خارج أي رقابة أخلاقية أو مجتمعية، محتوياتها تتجاوز فيها صاحبات فضائح "روتيني" من كل الخطوط الحمراء، لتتحول الكاميرا إلى "سلاح" للابتزاز لتصيّد الضحايا الذين يجلسون أمام شاشات الحواسيب والهواتف والتلفزيونات "الذكية" من أجل مشاهدة عروض مجانية من "الغباء" و"التفاهة" السيبرنيطقية..في هذا السياق استضافت جريدة "أنفاس بريس " للتفاعل مع ملف الأسبوع الأستاذ الجامعي والباحث السوسيولوجي عمر إيبوركي الذي كان معه الحوار التالي:

++ هناك أسئلة مقلقة بخصوص سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع المغربي، بصفتكم باحث متخصص في علم الاجتماع ما هو تقييمكم لذلك؟

يعيش المجتمع المغربي اليوم كغيره من المجتمعات ظواهر مستجدة، جاءت نتيجة سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي خارج المؤسسات التي عهدناها تنشئ الفرد وتحاول إدماجه ضمن المنظومة الثقافية والاجتماعية السائدة بإكسابه قيم وسلوك هذ المجتمع، وبالتالي  ينشأ الفرد في انسجام مع وسطه الاجتماعي والاقتصادي. لكننا اليوم وبحكم هذه التحولات تبلورت أدوار جديدة، وانتقلنا إلى مجتمع تطغى عليه الفردانية والتنافس وعدم التجانس بين مكوناته. هنا يمكن إدراج ظاهرة استغلال وسائل التواصل للوصول إلى شكل من النجومية المصطنعة في خضم مجتمع شبكي تجاوزت فيه العلاقات التواصلية الحدود المكانية ، وتعالت على ما هو قيمي ثقافي.

فكيف نفهم هذه الظاهرة ؟ وهل دوافعها مادية اقتصادية ؟ أم أنها مظهر من مظاهر التغير الاجتماعي؟ وما هي طبيعة هذه التحولات الاجتماعية التي ساهمت في بلورة هذه الفئة الجديدة التي أصبحت تتصدر قنوات التواصل؟ وخلقت لنفسها "نجومية" افتراضية، بل تحولت إلى مصدر مالي جعل المؤسسات المالية تتنبه إلى الثروات التي تكدست لديها بفعل المتابعة والاشتراكات التي تحصى بالملايين ؟

++ ما هي الأسباب التي حولت أغلب فئات المجتمع إلى آليات استهلاكية تخضع لسطلة الشبكة العنكبوثية ؟                            

بفعل الثورة الرقمية والتواصلية، سادت المجتمعات ثقافة جديدة، ترتبط أساسا بالنمط الاستهلاكي، وما لعبته وسائل الإعلام في توجيه أفكار واختيارات الأفراد والجماعات عن طريق الإشهار، والماركوتينغ. وتحولت كل فئات المجتمع إلى آليات استهلاكية تساير تجدد الحاجيات، وغابت بعض القيم الثقافية الإنسانية كالتضامن والاكتفاء بالحاجيات الضرورية، والقناعة، والإيثار...و تعمل وسائل الاعلام على تأسيس طبائع ودوافع ذات سلطة على الناس، كما تحدد هذه التمثلات نمط الحياة وتتحكم في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين أفراد المجتمع. وعند الحديث عن المجتمع المغربي وما يعرفه من صراعات وتدافع، فإننا أمام مجموعة من التحولات الاجتماعية بدافع مجموعة من المتغيرات، تجلت في: هجمة الحداثة مع اللامساواة، والفقر بكل أنواعه، وارتفاع نسبة الأمية، وفشل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وضغط وسائل الاتصال واختراق التكنولوجية للمجالات الفردية، والإنفتاح على الآخر بفعل العولمة الثقافية، واكتساح مظاهر الحداثة من عقلنة تحاول إزاحة بعض الظواهر والسلوكات التقليدية. كل هذه العوامل أدت إلى تأزم الذاكرة الجماعية، ومحاولة النكوص إلى الوراء، والانكماش أمام صعوبة مجاراة المجتمعات الحداثية بكل مظاهرها.

 ضمن هذه المتغيرات يمكننا فهم هذه الظواهر الغريبة التي دفعت بعض الأفراد إلى استغلال المجال التواصلي من أجل نشر المعرفة والمهارات في مجالات متعددة، نذكر هنا مرحلة كانت النساء تتقاسم أشكال الطبخ، وفنون الخياطة والتصاميم، وشكل الديكورات المنزلية، وكل ما يتعلق بالمجال الداخلي للبيت، كما عملت الفئات العمرية من الشباب على نشر وإبراز هواياتها في الفنون المتعددة من الرقص إلى الغناء إلى المسرح . وفي كل هذه المرحلة كانت وسائل التواصل تستعمل في إطار ما  إيجابي، يسعى إلى تعميم الأفكار والإبداعات، والمعارف، والمهارات. إلا أن هناك وجه مظلم لهذا الانفتاح التكنولوجي عندما تعددت القنوات التي تنشر التفاهات، ويكون فيها على ما اعتقد الدافع المادي هو المحدد، ولو أنني لا أتوفر على معطيات دقيقة لهذه المداخيل، غير أن تناسل هذه القنوات التي تجاوزت الحدود لتتطرق لكل الموضوعات الشخصية والجنسية، واختلاق نزاعات وهمية أحيانا تجعل أبطالها ينشرون أسرارهم الأسرية، وعلاقاتهم الحميمية على الملإ، دون رقابة ذاتية.

 

++ إلى أي حد يمكن اعتبار أن مواقع التواصل مسؤولة عن تدمير العلاقات الأسرية والمجتمعية؟

هذه الظاهرة لا ترتبط فقط بالمجتمع المغربي خاصة أو العربي عامة بل هي ظاهرة برزت كتجلي للعولمة في بعدها الاقتصادي والإعلامي، بحيث انتقلت من المجتمع الصناعي إلى ما يسمى مجتمع المخاطرة الذي تغيب فيه أنماط الحياة المستقرة. لقد دمرت هذه التحولات العلاقة بين الإنسان وماضيه التكافلي مع الآخرين، واندثرت القيم الثقافية المستمدة من مبادئ الدين، وبرز نوع من الفردانية المتوحشة. كل شخص يضع نصب أعينه إشباع رغباته وتحقيق مصالحه الفردية، يسعى إلى الإندفاع نحو التنافس مع الآخرين وتدميرهم... يمكن جرد الحالات المتعددة حسب التيمات التي يتناولونها بحيث تكسرت حدود الطابوهات، وانفضح المحضور، كالحديث عن شكل العلاقة الحميمية بين الزوجة وزوجها ، والنزاعات الأسرية، ولذلك انعكاس سلبي على بينية الأسرة، وعلى تنشئة الأطفال، بحيث أصبح المجتمع يعيش عاريا أمام السوق ، ومن أجل الاستهلاك، والربح بلغة ماكس فيبر.

إن العلاقات السائدة اليوم في مجملها هي علاقات تدميرية بين أفراد المجتمع، بل بين أفراد الأسرة الواحدة، الكل يعمل على الربح المادي من أجل الاستهلاك والمباهات دون اعتبار الآخرين، بل ولو على حساب كرامته، وذاته كإنسان، هنا تضطرب العلاقات الأسرية، وتندثر القيم الاجتماعية .

 أمام هذا الوضع المتأزم، والضغط الاجتماعي، والبحث عن كيفية الخروج منه تستعمل كل الوسائل المشروعة، وغير المشروعة لتحقيق الغايات، من هنا يمكن أن نفهم كيف انتشرت ظاهرة اليوتوب أو ما سميتموه بالدعارة الرقمية، لتصبح موردا هاما لجلب المال، والتنافس المرضي للاغتناء اللامشروع. لقد بينت إحدى الدراسات الميدانية ان نسبة كبيرة (%70) من الشباب والنساء لهم ثقة في وسائل الإعلام، وثقة عمياء في ما يروج في قنوات التواصل الاجتماعي.

++ هل يمكن اعتبار أن مواقع التواصل الاجتماعي صارت  فضاء للإسقاطات النفسية؟

يعتبر الصراع أحد المظاهر الدائمة لسلوك الأفراد على مستوى الحاجيات سواء الأولية أو الثانوية، ويكون مرفوقا بحالة من التوتر الذي لا يمكن خفضه إلا بإشباع الحاجيات. وما دامت هذه الحاجيات مستجدة ومستحدثة فقد أذكت وسائل التواصل هذه الرغبات، ونشرت عدوى الاستهلاك بنوع من الشراهة اللامتناهية. وجعلت التنافس حادا بين الأفراد داخل المجتمع على اختلاف فئاته التي تعيش نوعا من التباهي لإثبات الذات. وكثيرا ما يؤدي عدم الإشباع هذا إلى التباعد والتنافر وانقطاع التواصل، وقد لاحظنا هذه الظاهرة داخل الأسرة الواحدة، بين الزوج والزوجة على مستوى تدخل الجانب الاقتصادي في العلاقة الزوجية، جعلها علاقة مصلحة، أكثر منها علاقة تواد وتعاون، وفي حالة استحالة تلبية طلبات أحد الطرفين تتحول هذه العلاقة إلى جفاء ونزاع دائمين بينهما، بل إلى نشر لهذه المشاكل على العموم، وخاصة فئة الفنانين أصحاب الشهرة لأن تأثيرهم كبير على العامة من الجمهور.

لقد جعلت مواقع التواصل الاجتماعي الأفراد يعيشون في عالم افتراضي بعيدا عن واقعهم الاجتماعي والاقتصادي، وحددت ميولاتهم واتجاهاتهم، وخلقت منهم كائنات تستهلك، ولاتنتج، وتشكلت لديهم عقد تملك الأشياء على مستوى اللباس، والهواتف، والسيارات، والشقق، ودخلت المرأة غمار هذه المنافسة. إن وسائل الاتصال الالكترونية قد دمرت العلاقة التي تربطنا بماضينا، وأنشأت حولنا عالما من الخواء والفوضى. وقد اعتبر منظرو ما بعد الحداثة، أن ما يؤثر في المجتمعات اليوم هي الصور والمعاني والدلالات الآتية من تدفق الصور، حتى بتنا نتفاعل ونستجيب لعالم وهمي مصطنع، ونتفاعل مع صور إعلامية لا مع أشخاص وأحداث واقعية، وأصبحت حالات الإدمان عدوى تصيب كل الفئات العمرية، وكل منها يبحث عن مبتغاه.

++ هناك من يصمف ظاهرة فيديوهات "روتيني اليومي" التافهة في خانة أزمة القيم الأسرية والمجتمعية. هل تتفق مع هذا الرأي؟

لفهم وتفسير هذه الظواهر لا بد من دراسة الأدوار الاجتماعية التي يلعبها مثل هؤلاء الأفراد في علاقتهم مع المحيط والآخرين، وهذا يقتضي دراسة الثقافة والمجتمع والشخصية. و إذا قلنا إن المجتمع عرف تحولات، فإن هناك قيما ثقافية تندثر لتطفو أشكال ثقافية أخرى تحدد أنماطا سلوكية على مستوى الشخصية قد تكون مرفوضة، ولكنها تصبح مقبولة من طرف الآخرين بفعل تأثير الثورة التكنولوجية. تلك حالة الفئة اللامتجانسة التي تلجأ إلى تسجيل الفيديوهات، وإنشاء قنوات التواصل لجلب العدد الغفير من المتابعين، وذلك بطرح المسكوت عنه أو المستور، واستعمال لغة منحطة من الكلمات المحظورة، وبالتالي يمكن لكل باحث أن يجد ضالته في هذه القنوات.

لقد تبين أن المجتمع يتشكل باستمرار ونحن أمام مجتمعات غير متجانسة تعبر عن التعقيد والتداخل، بل يمكن الحديث عن تعايش فئات اجتماعية لا تنتمي لقيم موحدة. هذه الأزمة المجتمعية تجعل من هذه القنوات التي حطمت القيم الأسرية أشبه ما تكون بسوق للمتلاشيات يمكن للفرد أن يجد كل ما يطلب دون حدود. و إلا كيف نجد أن أسماء وشخصيات مرضية من كلى الجنسين تتحدث وتوجه فئات عريضة وتركز أفكارا مغلوطة عن الحرية والديمقراطية، وهي بذلك تحطم المؤسسات الاجتماعية مثل الأسرة والمدرسة اللتين كان لهما الدور البارز في تنشئة وتأهيل الفرد لكي يكون كائنا اجتماعيا. فهل يمكن اليوم ان نتحدث عن الكائن المندمج والفرد الصالح، وعن هوية ثقافية متوازنة داخل المجتمع الواحد ؟

فإذا كان التغير الاجتماعي ظاهرة طبيعية من خلال التفاعلات والتبادلات الاجتماعية، فإنه يتخذ أشكالا متعددة كالتغير في القيم، وفي مضمون الأدوار الاجتماعية، وفي النظام الاجتماعي. لقد جعلتنا هذه التفاعلات نعيش في عالم من الفوضى على مستوى الاعلام، وأصبحنا نتأثر بالمشاهد التي تعرض علينا الأحداث أكثر من  تأثرنا بالمضمون الحقيقي لهذه الوقائع. وتعمل هذه الوسائط على تأسيس طبائع ودوافع ذات سلطة على الناس، كما تحدد هذه التمثلات نمط الحياة وتتحكم في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين أفراد المجتمع،وهكذا تذوب الحياة الواقعية في عالم من التيه والأوهام.

++ مع استفحال هذه المظاهر ، كيف يمكن تجاوزها أو الحد منها؟

إن نماذج هذا الإعلام المزيف الذي تجسده قنوات بصرية وسمعية كثيرة ومتعددة، واشتهرت ضمنها أسماء استغلت حرية التواصل لتعمل على تشويه صورة المؤسسات الاجتماعية، والقيام بدور الموجه للعقول والآراء والأذواق والاتجاهات نحو الإفلاس. هنا يكمن الدور البارز لوسائل الإعلام الجدية وللأسرة والمدرسة في تصحيح هذه الانحرافات السلوكية، وإيقاف تدهور المبادئ والقيم، والعمل على الحد من الظلم والتهميش واللامساواة، وانتشار الخرافات والفردانية والأنانية وعدم الشعور بالانتماء، لأنها من الأسباب الرئيسية في نشر هذه الدعارة الإعلامية.