السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

محمد قزيبر:عقدة النظام الضريبي المغربي هي غياب التوجه الاجتماعي

محمد قزيبر:عقدة النظام الضريبي المغربي هي غياب التوجه الاجتماعي محمد قزيبر
يجيب محمد قزيبر، أستاذ المالية العمومية بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، في هذا الحوار، على اشكالات النظام الضريبي بالمغرب،  ويعتبر أن مشروع قانون المالية 2020 يكرس مقولة «عفا لله عما سلف»:
بعض المراقبين يرون أن النظام الضريبي المغربي يعاني من غياب قواعد العدالة الضريبية، مبرزين أن هذا الأمر  كرسه مشروع قانون المالية 2020، ما رأيك؟
أولا، في ما يتعلق بموضوع معاناة النظام الضريبي من غياب قواعد العدالة الضريبية، والإنصاف والحاجة إلى اعتماد مقاربة اجتماعية تأخذ بعين الاعتبار عنصر الحياد والعدالة الضريبية فهو موضوع أصبح أمرا معلوما ولا يمكن إنكاره، بل حتى على المستوى الرسمي ومن خلال المناظرات الوطنية للجبايات يناقش هذا الموضوع بكل وضوح، وأصبح مسلما به، وهناك حاجة إلى إعادة النظر في النظام الضريبي. 
أولا، هناك ضغط جبائي قوي لا يتلاءم مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي، ولا حتى على مستوى النمو المسجل في المغرب. 
ثانيا، الضغط الجبائي غير موزع بشكل متساو وعادل انسجاما مع مبدأ التضامن باعتباره ركيزة الأنظمة الضريبية الحديثة. وعندما نقول إن هناك توزيع غير متكافىء للضغط الجبائي، فليس من الضرورة أن النظام الضريبي المغربي يحابي الفئات الغنية أو القوية اقتصادية بل يعني أن قاعدة الوعاء الضريبي في المغرب غير متكافئة، فهناك قطاعات وفئات غير خاضعة للتضريب، مثل القطاع غير المهيكل، القطاع الفلاحي الذي لم يعرف طريقة إلى التضريب إلا مؤخرا، ولكن هذا التضريب يتم بشكل متدرج وغير عام، غياب الضريبة على الثروة وعلى التركات، وهناك فئات غير خاصة للضريبة من خلال ما يسمى بالنفقات الجبائية أو التحفيزات والإعفاءات، بالإضافة إلى ذلك فطبيعة النظام الضريبي تساهم في غياب هذا التكافؤ، فهناك فئات يتم حجز ضرائبها في المنبع ولا تستطيع القيام بالتهرب، كفئات الأجراء والعمال والموظفين، بينما هناك فئات تحدد وعائها ذاتيا، وقد تمارس التهرب مثل الشركات والمهن الحرة، وغيرها، كما أن النظام الضريبي المغربي يركز على الضرائب غير المباشرة، كالضريبة على القيمة المضافة، وهي ضريبة وكما هو معلوم ليس لها طابع اجتماعي، لأن الكل  يخضع لها، في غياب تشخيص وضعية الخاضع للضريبة. ومن مظاهر عدم التكافؤ، الضريبة على الشركات، حيث تعرف تركيزا ضريبيا، فقلة من الشركات تؤدي معظم الحصيلة الضريبية، بينما الغالبية العظمة من الشركات تؤدي نسبا ضعيفة.
هناك من يرى أن مشروع قانون المالية 2020 كرس مقولة «عفا لله عما سلف» التي أطلقها بنكيران واعتنقها العثماني من خلال إعفاء المتهربين الكبار من أداء الديون الضريبية المتراكمة، والذي يمس بحسب بعض المراقبين بهيبة الدولة، ما رأيك؟
قلت إن هناك قلة من الشركات تؤدي الضريبة، بينما الغالبية العظمة تصرح بالعجز، وليس من المنطقي أن يمتد هذا العجز لسنوات، كما أن المشرع المغربي يلجأ كل مرة إلى إصدار ما يسمى بالعفو الضريبي، عبر مساهمة ابرائية من المتابعة عن المخالفات السابقة، سواء على مستوى الموجودات الموجودة بالخارج ومخالفة قوانين الصرف أو القوانين الضريبية، وأيضا عفو ضريبي على مستوى مخالفة القواعد الضريبية، والمقتضيات القانونية في الضرائب.
وما تعليقك على ما أثاره قطاع أرباب المقاهي أثناء مناقشة مشروع قانون المالية 2020، من الحيف الذي يطالهم بخصوص نسبة الضريبة على القيمة المضافة المفروضة عليهم والتي تبلغ 20 في المائة، بينما تخضع المطاعم لسعر 10 في المائة عن نفس المنتوج ونفس الخدمة؟
هذه الفئة تعاني من وطأة الضغط الضريبي، فهي ملزمة بتأدية الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 20 في المائة، بينما المطاعم تؤدي فقط نسبة 10 في المائة، والضريبة على الدخل، فضلا عن الجبايات الخاصة بالجماعة المحلية، وهي رسوم متعددة، مما يجعلها نموذج لمدى الاختلال المسجل على مستوى النظام الضريبي المغربي. كل هذه المعطيات تتطلب مراجعة النظام الضريبي المغربي، عبر استحضار قواعد العدالة والحياد الضريبيين، وهذا الموضوع كان حاضرا بقوة على مستوى النقاش العمومي، وعلى مستوى المناظرات الوطنية للضرائب، وهو الأمر الذي يتطلب ترجمة توصيات هذه المناظرات إلى تدابير ملموسة على أرض الواقع، والبداية الأساسية لترجمة هذه التوصيات هو إصدار قانون إطار للإصلاح الضريبي، والذي سيكون نقطة الانطلاق في معالجة الاختلالات التي يعرفها النظام الضريبي المغربي.
ما تفسيرك للجوء الحكومة المكثف إلى الضرائب غير المباشرة، والرسوم شبه الضريبية، مثل الرسم المتعلق بصندوق الكوارث الطبيعية؟
كما تعلم، فالرسوم شبه الضريبية مثل الرسم المفروض على صندوق الكوارث الطبيعية، هي سهلة في اتخاذها وفي تنفيذها لكونها تصدر عبر مرسوم حكومي فقط، ولا تحتاج إلى نص قانوني، ولا تخضع للرقابة البرلمانية إلا إذا أدمجت في إطار رسوم تمويل حسابات خصوصية للخزينة. وفي ما يتعلق بالضرائب غير المباشرة، وخصوصا الضريبة على القيمة المضافة، فإنها ضريبة غير اجتماعية، كما أن الضريبة الوحيدة في النظام الضريبي المغربي التي لم تعرف تخفيضا في سعرها منذ إقرارها لأول مرة، فسعرها هو 20 في المائة، ولم يعرف أي تغيير، علما أن أغلب الضرائب مثل الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات خضعت للتخفيض في السعر، وخضعت لاعتماد التصاعدية في الأسعار. والضريبة على القيمة المضافة حسب التقارير الرسمية هي ضريبة معول عليها لتمويل النفقات العمومية، وهناك تقارير تشير إلى أنها تحصل ما يقارب ربع المداخيل الضريبية في العالم. هذا توجه كوني، ولكن المغرب يتميز بارتفاع سعر الضريبة على القيمة المضافة، مقارنة ببلدان أخرى حيث يصل السعر إلى 10 أو 15 في المائة، وهو ما يشير بوضوح إلى غياب توجه اجتماعي في مراجعة النظام الضريبي المغربي.