Friday 9 May 2025
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: فرنسا تودع في حداد وطني صديقا للمغرب والعرب

يوسف لهلالي: فرنسا تودع في حداد وطني صديقا للمغرب والعرب يوسف لهلالي

 

رحل عن فرنسا الرئيس الأكثر شعبية بالخارج خاصة بافريقيا والعالم العربي، وتميز بمواقفه الجريئة في العديد من الازمات خاصة مواجهة الغزو الأمريكي للعراق وصراعه الثقافي مع نظرية حرب الحضارات الني اطلقها حلفاء جورج دابليو بوش. وبهذه المناسبة اعلنت فرنسا حدادا وطنيا على رحيل احد اكبر رؤسائها في العقود الأخيرة، وتم إطفاء انوار برج ايفل اكراما لروح جاك شيراك، كما عرضت له صورة امام عمدة مدينة باريس التي تحمل مسؤوليتها لسنوات طويلة ، قبل ان يصبح رئيسا للجمهورية  مدة ولايتين.

وعبرت فرنسا بكل توجهاتها عن الحزن والاسى عن رحيل رجل سياسي استثنائي ومتميز بفرنسا، مازال يتمتع بشعبية منقطعة النظير حتى بعد مغادرته مقاليد الحكم سواء بفرنسا او بالخارج، وتميز بمواقف سياسية جريئة في العلاقات الدولية سوف يذكرها له التاريخ . فقد قال لا للحرب الغير الشرعية ضد العراق واحتلاله من طرف القوات الامريكية والبريطانية، واليوم الجميع يرى تداعيات  والنتائج السلبية لهده الحرب   على العراق وعلى  التوازن الجيوسياسي  بمنطقة الخليج، وهي حرب أمريكية أدت الى  تقوية  نفود ايران العسكري  بالمنطقة. كان ضد مفهوم صراع الحضارات الذي كان يروج له انصار جورج دابليو بوش بالولايات المتحدة االامريكية، وكان من السباقين الى الاهتمام بقضايا البيئة وكانت له  قولة شهير بجوهنسبورغ، وهي "منزلنا يحترق ونحن ننظر الى مكان اخر,,, لايمكننا القول اننا لا نعرف"  اليوم أصبحت  المحافظة على البيئة  والاهتمام بالاحتباس الحراري احد  اهتمامات كل العالم. وجسد فكرة معينة عن فرنسا وعن العالم"

وعبرت العديد من قادة العالم عن تضامنهم   ممع فرنسا وعن حزنهم لهذا الرحيل .جاك شيراك كان صديقا للعرب ودافع عن الشرعية بفلسطين، كما كانت تجمعه علاقات خاصة بالمغرب، وهو الذي  كان يصف الصحراء  بالاقاليم الجنوبية للمغرب.

وفتح قصر الإليزيه ابوابه مند ليلة الخميس من اجل استقبال التعازي في وفاة جاك شيراك لا الذي سوف يقام له قداس بكنيسة سان سلبيس  نظرا  للأغلاق الاضطراري الذي تعرفه كنيسة نوتردام بعد  حريقها.

وفي  تأبين جاك شيراك قال الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون، " لقد فقد فرنسا  "جاك شيراك كان فرنسا  عظيما حرا"

شيراك رجل ثقافة وحوار مناهض للحرب

معرفة شيراك العميقة بفنون والثقافات الاسيوية فاجأت عددا كبير من  الفرنسيين وكذلك رفضه لحرب أمريكا على العراف بينت عمق معرف شيراك بالعالم.ورفضه لهذه الحرب لأنه لا يريد حرب بين الثقافات، بين الشرق العربي الإسلامي وبين الغرب المسيحي، اليوم نرى ان المتطرفين في الحضاريتن استغلوا هذه الحرب لكي تكون حرب دينية وحرب حضارية وهو ما يعكس بعد  النظر في رؤية الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.ومن اجل الحوار بين الحضارات امر سنة 2003 بتأسيس قسم للحضارة الإسلامية بأكبر متحف بفرنسا هو متحف اللوفر بباريس والذي تم افتتاحه سنة 2012.وهو الجناح الذي ضم معرض "المغرب الوسيط" سنة 2014.

جاك شيراك اصبح له متحف وهو ما يجعل منه رئيسا في مرتبة الرؤساء الكبار مثل بومبيدو الذي كان هو الاخر له اهتمام خاص بالفن ومتحف بومبيدو شاهد على ذلك. وكذلك الراحل فرنسوا ميتران.

"الرئيس السابق لم يكن يفصل بين السياسة والثقافة وكان يعتبر ان دور الثقافة هي إيضاح الرؤية لسياسي "كما يقول جون جاك اياغون مندوب هذه التظاهرة. وأضاف ان "هذا المعرض يعكس كيف ان الثقافة هي نافعة لسياسة."

واذا كانت الحقبة الرئاسية لشيراك تميزت بحرب البلقان  باوربا سنة 1995 والصرامة التي تعامل بها الرئيس الفرنسي مع الرئيس الصربي ميلوزيفيك الذي توبع من اجل جرائم الحرب من طرف المحكمة الدولية. لكن الموقف المتميز  الذي سيحتفظ به العالم هو معارضة  شيراك للاحتلال الامريكي للعراق والذي دفع فرنسا الى التهديد باستعمال  حق الفيتو ضد القرار الامريكي  لغزو العراق واحتلاله.

الملف العراقي  كان احد اكبر قضايا شيراك،حيث ذكر في كتابه  ( كل خطوة يجب ان تكون هدفا) " انه باسم الصداقة بين البلدين، أي الولايات المتحد الامريكية وفرنسا ، فقد حذرته( يعني بوش ) من هذه الحرب وانعكاساتها وقلت لبوش " هذا ما سيحدث في البداية سوف تحتل بغداد بسهولة  ودون مشاكل تذكر ،وفي اسبوع او اسبوعين كل شيء سوف يكون على ما يرام،ولكن بعد ذلك سوف تبدأ المشاكل،ستجد نفسك في مواجهة بداية حرب اهلية بين الشيعة،الاكراد والسنة،والشيعة يشكلون الاغلبية مما يعني انك ستكون مجبرا عاجلا ام اجلا على ان تترك لهم السلطة باسم الديموقراطية.في نفس الوقت، سوف تقوي الموقف الايراني في المنطقة،مما سيضعف دول ذات اغلبية سنية بالمنطقة مثل العربية السعودية وبلدان اخرى.وهذه الحرب الاهلية ستجعل من العراق ،الذي لم يعرف الوحدة منذ تأسيسه بدون سلطة قوية ،دولة مشتتة من جميع الجهات. بعد ذلك لا يمكنك التحكم في اي شيء،لا شيء مع كل الانعكاسات على توازن الشرق الأوسط". ويضيف "لقد استمع لي بوش دون ا ن يقاطعني، مع ابتسامة خفيفة ومتهكمة...وتوقف تبادلنا عند هذا الحد." طبعا الاحداث التي عرفها العراق وتطورات الاحتلال والحرب المميتة التي سهمت فيها القاعدة وسقوط العراق في احضان ايران جعلت تحليل شيراك صائبا في كل تفاصيله. واليوم يعيش العراق السناريو الذي  قاله شيراك لبوش دابليو.

 

جاك شيراك يفرض دخول  " الفنون الأولى الى متحف اللوفر ومن اجل المساواة بين الثقافات والفنون"

 

هذا الجانب الثقافي والفكري لجاك شيراك كان لا يعرفه الكثير من الصحافيين الفرنسيين ،فقد كان جاك شيراك  يعطي صورة رئيس غير قارئ وغير مهتم بالثقافة مثل الفرنسي المتوسط ،وهي صورة تبدو مفضلة لدى الناخب الفرنسي من اليمين الذي يشكل الأغلبية بهذا البلد.هذا الجانب الثقافي لدى شيراك هو الذي كان وراء العديد من القرارات المهمة وذات الطابع السياسي والتي فرضها على مسئولي المتاحف وأكبرهم متحف اللوفر، الذي كانت ادارته الفنية والإدارية  تعتبر تحف الشعوب الأخرى مثل الفنون الاولى لا يمكن عرضها في المتاحف الفرنسية بل ليست فنا، الفن الذي كان يقتصر بالنسبة لها على لوحات القرن  16 و17 بايطاليا وفرنسا. بل ان معرفة شيراك و حبه لهذه الفنون ومعرفته بها جعلته يخصص متحفا لها قبل نهاية حقبته الرئاسية وهو متحف كي برونلي الذي اصبح اليوم يحمل اسم جاك شيراك.

معركة جاك شيراك ضد الاثنو-مركزية الاوربية

معركة جاك شيراك ضد الاثنومركزية الاوربية والفرنسية نحو باقي الثقافات والنظر الى باقي الثقافات باهتمام واحترام "سنة 1997 ،رغم تحفظ محافظي المتاحف والأساتذة المعروفين على الساحة، فان قرار بناء متحف الفنون والحضارات تم اتخاذه. "وبعد تخصيص ميزانية لذلك كنت عازما ان ترى هذه المؤسسة النور.ووجدت في الوزير الاول الان جيبي وبعده ليونيل جوسبان مخاطب ايجابي والذي لم يتراجع عن دعمي في هذا المشروع وتم اختيار مكان المتحف سنة 1998.باتفاق مع وزيرة الثقافة كاترين تروتمان التي خصصت ارضا من هكتارين لصالح المشروع من ملكية الدولة.جانب نهر السين وغير بعيد عن برج ايفيل..."

"واثناء بناء المتحف الجديد،افتتحت سنة 2000 بمتحف اللوفر احد القاعات ،اقترحها جون ميشيل ويلموت  ،التي ضمت مئات من التحف الافريقية،الاسيوية،الاوسياني والأمريكيتين،وهكذا تمكنت بعد جهد كبير من تحقيق حلم جاك كيرشاش، الذي نشر بيانا منذ عشر سنوات ووقعته 300 شخصية  من العالم الثقافي،الفني والعلمي، منهم كريستيون بوتونسكي،ليك بيسون،موريس بلانشو،الطاهر بنجلون،كلير دوني وبتير بلوك،والذين يؤكون على "ان متحف اللوفر الكبير للقرن الواحد و العشرين لابد ان  يكون مكانا للاعتراف بكل اشكال الفن الموجودة وما يميزها" ويدينون كل اشكال "المقاومة التي كان يشهدها متحف اللوفر على اعلى مستوى، وما كان يقلق ان المتحف كان على اهبة اصدار دفتر تحملات جديد لتوزيع القاعات. واذا لم يتم اتخاذ اي قرار فان فرنسا 1999 سوف تقوم بتمديد وبشكل أعمى، سلوك  يدكرنا بالليل الاستعماري وأبعاد  ،لمدة عدة عقود، اعمال فنية جد مهمة والتي انتجتها ثلاثة ارباع الإنسانية."

"وتطلب الامر كل سلطتي كرئيس لدولة من اجل الضغط على المدير العام للوفر  بيير روزينبزرغ  الذي كان يعارض بشدة تعايش لوحة الجوكندا مع فينيس دوميلو، مع تمثال الاسطيك اواعمال من غينيا الجديدة.الرجل كان يعتبر انه ليس ممكننا بتاتا هذا الخلط بين الاشكال .بالنسبة له تاريخ الفن يتلخص في لوحات القرن 17 والقرن 18 الفرنسي والايطالي ،وما تبق ليس له اي اعتبار.واستعمل كل سلطاته من اجل معارضة ما اعتبره تدخلا في مجاله."

"وقد بلغ الى علمي انه قرر بيع التذاكر المخصصة لهذا التحف في شبابيك خاصة وليس في  شبابيك متحف اللوفر الكبير وهو الامر الذي جعلني احدث المعني بالأمر بلهجة قوية ليتراجع عن قراره."

" سفير مدغشقر هو الاخر احتج يوم الافتتاح وذلك لوضع احد التماثيل القادمة من بلده امام المراحيض الموجودة بالمتحف."

"وفي خطابي الافتتاحي في 13 ابريل 2000 حيث دخلت الفنون الاولى الى متحف اللوفر ،وهو تاريخ سيظل في ذاكرة المتاحف الكبرى المعاصرة، قلت لمدير اللوفر بيير روزينبورغ ان هذا المعرض له مسحة رمزية بالنسبة لإعمال فنية تم ابعادها بشكل غير عادل من المتاحف الكبرى ،كما حييت العمل الكبير الذي قام به جاك كيرشان ،وهذا العمل كان وراء فكرتي خلق مشروع كبير وهو متحف كي برونلي."وهو المتحف الذي تم اليوم اطلاق اسم جاك شيراك عليه.

"الدفاع عن الشعوب الاولى لا تعني فقط ابراز غنى عبقريتهم الفنية ،فهذه الشعوب تمثل 5 في المائة من ساكنة العالم حسب احصائيات الامم المتحدة .ويحملون في ذاكرتهم اقدم تجارب الانسانية ومن خلالها سر اصولنا."

"اجمل ما يتوفر عليه الانسان هو ذاكرته،هو تاريخه وجذوره وتقاليده وقيم اسلافه اي كل السمات الحميمية التي بدونها سوف يحس انه محبط وحزين." يقول جاك شيراك

طبعا جاك شيراك من موقعه كرئيس جمهورية ومضطلع على باقي الثقافات والحضارات العالمية لعب دورا مركزيا في تكسير المركزية الاوربية التي تعيش عليها جزء من النخبة الفرنسية التي تنظر الى باقي الحضارات بازدراء، والمجال الفني كان احد ابرز هذه المجالات حيث لم يكن يسمح بعرض ابداعات باقي الشعوب في اكبر المتاحف باعتبارها لا تدخل في خانة الفن.من هذا الموقع اخذ معارك حقيقية مع جزء من مكونات الدولة الفرنسية وأطرها البروقراطية مثل محافظي المتاحف.

هذه المعركة المستمرة من اجل المساواة والكرامة لكل الثقافات والتي ترجمت من خلال الاتفاقية العالمية حول التنوع الثقافي التي تم تبنيها من طرف اليونيسكو  بعد ومجهودات ووقت طويل  في 20 من اكتوبر 2005 بمبادرة من فرنسا.وقد حرصت ان تعطي فرنسا المثال على ذلك من خلال اللوفر الكبير وطلبت سنة 2003 خلق شعبة الفنون الاسلامية يقول شيراك  وذلك من اجل ابراز مخزون يتكون  من 13 الف قطعة التي تتوفر عليها المتاحف الفرنسية وإبراز دور وإضافة الحضارة  الاسلامية  الى ثقافتنا.وهو جناح سيتم افتتاحه سنة 2012." هذا الجناح تم افتتاحه ويعتبر من انجح قاعات المتحف الفرنسي.

اليوم فرنسا التي يتقدم بها اليمين المتطرف والأفكار المحافظة وكره الأجانب والإسلام هي في امس الحاجة الى شخصية سياسية من طراز جاك شيراك وتصوره لباقي الحضارات. لكن جاك شيراك يرحل  اليوم وتبقى ثقافته  هي الانفتاح على العالم وعلى باقي الثقافا.