الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

عبد الغني السلماني: رسالة أيت الجيد بنعيسى قد تصل

عبد الغني السلماني: رسالة أيت الجيد بنعيسى قد تصل عبد الغني السلماني يتوسط حامي الدين وأيت الجيد
تذكير بالسياق:
قررت المحكمة تأجيل محاكمة أربعة متهمين في ملف اغتيال الشهيد آيت الجيد محمد بنعيسى ليوم 16 شتنبر من الشهر 2019 مع منحهم الكلمة الأخيرة والنطق بالحكم. ويتعلق الأمر بكل من توفيق الكادي، عبد الواحد كريول، عبد الكبير عجيل وعبد الكبير قسيم، أما المتهم الرئيسي حامي الدين فجلسته ستكون يوم الثلاثاء 17 شتنبر 2019 الملف عاد النظر إليه من محكمة النقض.
تأتي هذه المتابعة في سياق استمرار التشنج والضغط الذي يمارسه الحزب الأغلبي وهيأة الدفاع المتهم الرئيسي في الملف حيث بلغت درجات الاستهتار والاستقواء والضغط على القضاء من خلال تقديم مذكرة دفاعية لتفصيل الدفوع الأولية المُؤسسة على حجية الأمر المقضي من قبل هيئة دفاع المتهم الرئيسي حامي الدين في خرق صارخ للقانون ولآداب المرافعة.
إعادة فتح ملف الشهيد يأتي أيضا بعد مطالبة العائلة بمعرفة واقعة اغتيال ابنها، وبعد صمود رفاقة ومحبيه والفصيل الذي انتمى إليه، في تخليد ذكراه كل سنة وكل بطريقته، وفي وجود مؤسسة تدافع عن الحياة وتناهض العنف والكراهية، إنها إرادة الإرادات في معرفة الحقيقة وكل الحقيقة، وهذه المرة باستثمار الجهد والرفع من مستوى النقاش القانوني والسياسي الرصين.
إن ملف الشهيد ايت الجيد محمد بنعيسى تتوفر فيه مجموع أركان جريمة الاغتيال السياسي، وهي من الجرائم التي جرمها القانون الدولي لحقوق الإنسان والتي لا تخضع للتقادم، ومن هذا المنطلق فان تذكير وإعادة التذكير وإعادة إحياء هذا الملف من طرف عائلته أو رفاقه أو الجمعيات الحقوقية يعتبر أمرا عاديا وحقوقيا، طالما أن القضاء الوطني لم ينصفه. وطالما لا زلنا نردد مقولة أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، فالعائلة ورفاق الشهيد ايت الجيد محمد بن عيسى متشبتون بالحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. أتتبع وأتذكر هذا الحدث المؤلم بالوقوف على دور الإبداع والسينما وكل وسائل الإعلام في التعريف بقضية الشهيد وآخرها ما قدمته قناة تيلي ماروك يوم الأحد 15 شتنبر 2019 شريط عن ملابسات إغتيال الشهيد محمد آيت الجيد بنعيسى ومن أجل المواكبة والتعريف من مواقع مختلفة أختار لكم رسالة تحت التراب أو قضية الشهيد والإبداع.
قضية آيت الجيد والإبداع:
لحسن والنيعام كاتب مغربي عنون متنه الإبداعي رسالة تحت التراب، إنه العنوان الذي يضيء عتبات نص فهو أثر تدليلي يحمل القارئ إلى عالم الوثيقة التاريخية من أجل استنطاق أحداث عرفتها الجامعة المغربية وبالتحديد ظهر المهراز فاس هو متن انتصر لإنبعاث الحقيقة على رهان الإبداع في كثير من الأحيان، نص يؤسس لأفق توقعه الكاتب إنه الحقيقة؟ يتألف العنوان من كلمتين الرسالة والتراب:
الرسالة: حين نستحضر الرسالة فإننا نتذكر مفهومها الورقي، فلم يعد العشاق يبعثون رسائل ورقية يبثون فيها أشواقهم كما كان في الزمن الماضي، لكن الرسالة التي بعثها لنا لحسن والنيعام على لسان الشهيد هي شكل آخر للكتابة الأدبية والسياسية:
التراب هو: رمز الخصب والخصوبة كذلك. وله علاقة مع الولادة والموت. منذ البحوث القديمة وبخاصة بحوث الرواقيين، قبلت الفلسفة الغربية وجود أربع عناصر اساسية لتكوين العالم: النار، الماء، الهواء، التراب، وغالبًا ما أعطي للنار مكان بارز. وبالنسبة للرواقيين، فإن التراب في الطبيعة يتمتع بقوة خلاقة، تفسيراً للعالم يقوم على أن كل العناصر متماسكة في ارتباط تام بفضل الروح التي تتخلل في كل مكان، فهنالك نوع من التأثير المتبادل بين العناصر الأربعة.
من خلال هذا المتن الرواية، يتبين أن الكاتب يسرد على لسان شخصية أساسية كتبت الرسالة رسالة الشهيد – حكي كرونولوجي عن أحداث وقائع تفاعلات - وضعيات انفعالية مختلفة ومؤثرة، هي السبب في المأساة استشهاد مناضل قدم الكثير للحركة الطلابية حكي لتجارب قاسية وصادمة وأمل في التغيير والانعتاق ... في كل العنوانين الفرعية الأخرى: الثلج يأتي من النافذة، ابن الفقيه، حكاية وفاء، عشق أبدي، في الواجهة، حياة سجين، تيه رفيق، عدد صفحات الرواية 69ص
الإهداء:
هو من بين العناصر المحيطة بالنص أو اللاحقة به مباشرة. وتكمن أهميته في تحديد هوية المهدى إليهم في علاقتهم بالشهيد من جهة وبالمحتوى من جهة ثانية. وفيما يخص هذا العمل الإبداعي، يتحدد المهدى إليهم روح الشهيد عائلة الشهيد رفاق الشهيد ... من خلال صيغة الرسالة الدالة على البعد والقرب، الانفصال والاتصال. وهناك محددات أخرى تشي بهوية المهدى إليهم.
قد يحار في الحكم على المتن وفي بعض الصيغ بخاصة من في جعبتهم لفائف الأحكام وصكوك الإدانة المسبقة. عن الرسالة تتحدد ضمن دائرة المشترك الباحث عن الحقيقة.
رواية "رسالة تحت التراب" الآن تعانق القراء. رسالة تواقة من أجل الحقيقة من أجل قضية الشهيد ايت الجيد محمد بنعيسى. طفولة. شباب. انخراط في الجامعة. عشق للحياة. علاقات بالمحيط. دفاع عن قضايا الكرامة... ثم جريمة قتل بشعة أنهت حياته في أوج انخراطه في العطاء دفاعا عن قيم العدالة الاجتماعية والممانعة. بهذا المنجز قد يكون حلم عائلة تحقق على الأقل في انتظار مشاريع أخرى من أجل قضية الشهيد ومن أجل فضح الاغتيال وسراق الله والمتاجرين بالمقدس مع مواصلة النضال من أجل المطالبة بالإنصاف وكشف الحقيقة ومعاقبة الجناة.
لحسن والنيعام يعيدنا عن وعي أو بدونه إلى مفهوم أدب الرسالة أو الرسائل رغم أن عملية المراسلة تتطلب مرسل ومستقبل لكن هنا صاحب الرسالة في موقع آخر وفي مكان آخر كيف يمكن أن يحكي والقلب قد توقف عن الخفقان ، هنا نُذكر ونتذكر أعمالا قليلة تنتمي كلية إلى “أدب الرسائل”، منها ما كتبه الروائي المصري عبدالحكيم قاسم في “كتابات نوبة الحراسة” وهي رسائل تحمل أبعادا سياسية واجتماعية لارتباطها بجيل الستينات وما عاصره هذا الجيل من لحظات مصيرية، فضلا عما نشرته غادة السمان من رسائل أنسي الحاج أو غسان كنفاني في وقت سابق. وكتاب “ورد ورماد” الذي تضمن رسائل مشتركة بين الروائيين محمد شكري ومحمد برادة.
العمل الإبداعي للحسن والنيعام رسالة تحت التراب تعيدنا إلى أهمية الرسالة في النص الأدبي المعاصر وبالرجوع إلى الدراسات نقدية لتقصي التأثيرات العميقة لأثر أدب الرسائل في النصوص الروائية. نجد هذا المقطع الذي يذكرنا بأدب السجون “ها أنا محمد أيت الجيد بنعيسى أقرر الخروج عن صمتي، تحت الثرى، بعد مرور حوالي رُبع قرن على اغتيالي ذات خميس أسود، للمطالبة بإنصافي.
ها أنا هنا، أشعركم بأنني متمسك بمعرفة الحقيقة. لكي لا تتكرر الجريمة البشعة التي أنهت حياتي، وتركت جروحا لا تندمل في وجدان أسرتي.." "كنا حينها أنا ورفيقي الخديوي الخمار على متن سيارة أجرة صغيرة تحمل رقم 445، في اتجاه حي "ليراك" الشعبي الذي كان ملاذا للطلبة إلى جانب الكادحين من أبناء الشعب. أكثر من عشرين نفرا في المركب الجامعي ظهر المهراز. يوم الخميس 25 فبراير 1993.
هشموا رأسي بطوار رصيف الشارع الرئيسي للحي الصناعي "سيدي ابراهيم"، بعدما اعترضوا طريق سيارة الأجرة وأرغموني، تحت التهديد بالأسلحة البيضاء، بالنزول. أمسك بعضهم برأسي بينما تكلف آخرون بإنهاء حياتي. كنت أدرك بأنني مصنف لديهم في خانة "الخطر"، وعلى يقين بأنهم مستعدون لفعل أي شيء لإخراس صوتي. لوضع حد لمساري. لكنني لم أكن أخشاهم. أنا لست إنسان جبن.
"ـ الخوف ليس ثقافتي. النضال قناعات وانخراط ومسؤولية. لا أهرب. ولن أتخاذل. سأواجه بالفكر والنقاش. سأجابه في الميدان إلى آخر رمق يا رفيقي"
الرواية وكتابة التاريخ:
كلما كانت التجارب قاسية والأحاسيس سلبية ومتواصلة أو دائمة، كانت الدموع باردة ...وهناك وضعيات مختلفة رصدها الكاتب على لسان الراوي الشهيد حيث يسرد انفعالات ويحكي عن أحاسيس تجعل القلب يحزن ولعل أكثر الانفعالات حضورا في المجموعة ككل انفعال القتل. كما أن الرهبة تلاحق عشاقه من أجل الحقيقة والتاريخ في رصد المعاناة والقسوة والمحنة التي تعانيها الذوات القارئة لهذا المتن.
هذا النص الذي اختير له شكل رواية التي يتمظهر فيها الاستشهاد كدليل على العطاء والبقاء كسبب لانفعالات الذوات من أجل معرفة الحقيقة، وهذا ما سيترتب عليه النضال ثم النضال من أجل الحقيقة والتاريخ.
لا وقت عندنا الآن إلا لكتابة رسالة حب وشوق اليك أيها العزيز الشهيد آيت الجيد محمد بنعيسى ، لكنك رحلت عنا و لم تفارقنا ، ولن ننسى أن نترك لك رسائل هنا وهناك ، لأنك تركت لنا عنوانك الأخير : الحقيقة كل الحقية . كأنها الحياة أقصر رغم مرور الزمن عن اغتيالك الذي يتجاوز ربع قرن من ان يتسع لحياة رفاقية وصداقة متينة لم يمهلها التاريخ ولا تنساها الجغرافيا لماذا قتلوك وأنت تعرف كيف تحيا وتكتب وتناضل وتحب، يكون قد جاء دورنا لكي نبحث عن الحقيقة كل الحقيقة!