الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

البدالي :الدخول المدرسي هذه السنة كخروجه

البدالي :الدخول المدرسي هذه السنة كخروجه صافي الدين البدالي
يأتي الدخول المدرسي لهذه السنة كعادته، كما انتهى الموسم الدراسي السابق الذي خلف وراءه مشاكل متراكمة قبل نهايته، لتظهر من جديد في بداية هذه السنة.
لقد انتهت السنة الدراسية 2018 / 2019 على إيقاع الاحتجاجات والمسيرات والوقفات والإضرابات والإعتصامات لرجال التعليم وخاصة المتعاقدين منهم، كما عرفت الاكتظاظ في عدة مستويات والهدر المدرسي وتدني المستوى القرائي واللغوي ومستوى التحصيل بالنسبة للمواد العلمية، ونقص في الموارد البشرية، وحوار اجتماعي متعثر وغير منتج حتى كادت السنة أن تكون بيضاء، لولا موقف الأساتذة والأساتذة المتعاقدين والنقابات الداعمة لهم تأجيل معاركهم الاحتجاجية من أجل مصلحة التلاميذ وتقديرا لانشغالات آبائهم وأمهاتهم وأوليائهم ، متحملين شطط وزارة التربية الوطنية وتجاهلها لمطالب الشغيلة التعليمية، وهو الموقف الذي لم تعمل الوزارة على التقاطه في حينه واستثماره وأخذ بعين الاعتبار الاقتراحات والمبادرات التي سوف تغني المشهد التربوي لصالح القطاع بشكل عام.
لكن المسئولين عن القطاع كان لهم رأي آخر يطغى عليه الهروب إلى الأمام ، وظلوا ينتظرون العطلة الصيفية لتمرير قانون الإطار17 ـ 51 ، أي في الوقت الضائع بشكل يثير الاستغراب من حيث السرعة على المصادقة عليه في البرلمان وطريقة التصويت عليه، التي تذكرنا بالتصويت على نظام التقاعد، وكأنه جاء بالحل السحري لمشكل التعليم في بلادنا.
لقد كان من المنطق العلمي ومن الحكمة والتبصر، وعملا بمبدأ الحكامة الجيدة أن تبادر الحكومة في نهاية السنة الدراسية، التي تراكمت فيها عدة مشاكل على مستوى الموارد البشرية و القوانين التشريعية، وعلى مستوى التخطيط التربوي والخريطة المدرسية، فتخصص العطلة الصيفية لتنظيم ندوات وورشات تربوية وفكرية وتشريعية للخروج بالتعليم من دائرة التخلف ومن مستنقع التناقضات والتجارب الفاشلة ؛ تشارك فيها كل الأطراف التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بالحقل التعليمي، من وزارات ومكاتب دراسات وجماعات محلية وسلطات، ومن نقابات مهنية وباحثين في علوم التربية وعلم الإجتماع والتكوين والتدبير البيداغوجي ومن مختصين في مجال التشريع؛ وفي القانون الدستوري وفي تدبير الإختلاف، ومن مؤلفين وناشرين وإعلاميين وممثلين عن جمعيات الآباء و طلبة وتلاميذ، لأن مثل هذه الندوات قامت بها عدة دول، منها فرنسا وبلجيكا في الثمانينات من القرن الماضي لبلورة تصور جديد لتدريس الرياضيات نزولا عند طلبات المجتمع المدني والنقابات المهنية.
فلو عقدت الحكومة هذه الندوات وهذه الورشات في إطار مقاربة تشاركيه و تبادلية لتوصلت على الأقل إلى حلول واقعية تتجاوز مرحلة التناقضات التي يعرفها القطاع على مستوى تأهيل المؤسسات التعليمية حتى تكون مندمجة و منفتحة على محيطها ومبادرة ومنتجة من جهة، وبلورة خطط عمل واقعية لضمان الجودة التربوية والتحصيل المنشود، ومن جهة ثانية فتح ورش مستمر ودائم للعمل من أجل إعداد وتأهيل الأطر التربوية من أساتذة ومربين ومربيات ومساعدين اجتماعيين وتربويين بالنسبة لجميع الأسلاك، ووضع ميثاق تربوي يحدد العلاقات بين كل الأطراف المعنية من أجل إخراج التعليم من الخندق المظلم الذي أدخل فيه؛ وبما أن الحكومة اختارت التعاطي مع التعليم من منطلق البيروقراطية و منطق الإقصاء والهروب إلى الأمام وتضليل الرأي العام بمنجزات لا وجود لها على أرض الواقع، فإن الدخول المدرسي هذه السنة عاد بنفس المشاكل، لكن أكثر تعقيدا، ومنها:
أولا، الارتباك الذي حصل على مستوى التخطيط و التوجيه ، مما حرم عددا من التلاميذ من الشعب التي يرغبون فيها مما أدي يبعضهم إلى البحث عنها في مؤسسات خارج إقليمهم .
والتلاعب ثانيا، في الكتاب المدرسي وانعدام بعضه، الشيء الذي جعل الآباء يعانون من هذه الوضعية التي جعلت الدراسة تعرف تعثرا والأساتذة في إحراج، ثم إن هناك ثالثا بعض المؤسسات تساعد على احتكار المقررات الدراسية بإجبار الأسر على اقتنائها من محلات بعينها في ظل ارتباك الوزارة فيما يتعلق بالمراجع الدراسية.
هذا بالإضافة إلى هيمنة التعليم الخصوصي والذي لا يقبل أية مراقبة ولا انضباط للقوانين فيما يخص المراجع المناسبة ورسوم التسجيل أو إعادة التسجيل؛ وواجب التامين المدرسي وظروف النقل ووضعية الأطر التعليمية التابعة للتعليم العمومي التي تظل في خدمته مما يؤثر سلبا على المردودية التربوية في القطاعين العام والخاص.
البدالي صافي الدين، فاعل سياسي وحقوقي