الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

الدكتور الطيب حمضي يفكك الفساد والشرف المهني في قطاع الطب

الدكتور الطيب حمضي يفكك الفساد والشرف المهني في قطاع الطب الدكتور الطيب حمضي

مساهمة في النقاش الدائر حاليا بشأن فساد أو عدم فساد فظاعة الصحة والأطباء، أطلق الدكتور الطيب حمضي، رئيس النقابة الوطنية للطب العام بالمغرب، صرخة تروم وقف سوء الفهم فيما يثار من سجال بين الوسط الطبي من جهة، وبين الرأي العام والإعلام من جهة ثانية، حول اتهام الجسم الصحي كله بابتزاز و"ترياش" المرضى.

"أنفاس بريس"، تنشر فيما يلي وجهة نظر الدكتور الطيب حمضي:

 

"على هامش ما أثارته حلقة "الخيانة الطبية" من برنامج "احضي راسك" للإعلامي محمد عموره من تداعيات، أود أن أكتب عن موضوع الطب والأطباء والصحة في بلادنا في أعين المجتمع.

 

قبل ذلك دعوني أقول إن حرية التعبير، بل واجب التنوير يفرض على الإعلاميين تناول كل الظواهر داخل المجتمع الإيجابي منها والسلبي، من أجل تجاوز السلبيات وتعزيز الإيجابيات. هذا ليس حق لنساء ورجال الإعلام، بل واجب عليهم. والحلقة المذكورة لا تخرج عن هذا الإطار. حيث ذكر السيد عموره في أكثر من لحظة من عمر الحلقة عن توجيه حديثه لبعض الممارسات السلبية والمشينة الصادرة عن بعض منعدمي الضمير وليس الكل. لكن رغم هده الاحترازات التي قام بها السيد عمورة، وهو الإعلامي ذي الخبرة الطويلة، فإن ظروف العمل الاذاعي المباشر جعلت الحلقة في بعض لحظاتها تميل للتعميم، أو اقتراح حلول كان بالإمكان أن تكون على وجه أحسن مما قدمت. لكن يبقى هذا تقدير شخصي، ولحكماء "الهاكا" أن يدرسوا ويقرروا وفقا للقوانين على إثر الشكاية التي تقدمت بها هيئة الأطباء بشكل حضاري. فهي قدمت شكاية عن برنامج اعتبرت بعض ما جاء فيه مسا بالمهنة، ولم تصدر أحكاما قطعية، ولا حاكمت النوايا. و"الهاكا" ستكون الفيصل في الموضوع، وتكون قراراتها نبراسا للجميع.

 

في المقابل فإني شخصيا أرفض مطلقا أي دعوة لمنع أي عمل صحفي لم نطلع عليه بعدᵎᵎ فالدستور والقوانين والمواثيق الدولية ترفض ذلك.

 

لكن دعونا نتساءل: هل كل ما جاء في الحلقة المذكورة مجرد نتاج لخيال مقدم البرنامج؟

 

وهنا أذكر بأني أعطي وجهة نظري الشخصية ولا أتحدث بصفتي رئيسا للنقابة الوطنية للطب العام بالمغرب، ولا بأي صفة أخرى.

 

الممارسات المشينة التي تحدثت عنها الحلقة ممارسات قائمة وموجودة ويتحدث عنها الجميع، ويتحدث عنها الأطباء قبل غيرهم. ولا يمكن مطلقا إنكار حدوث هده الممارسات البغيضة، بل تواتر الشكوى منها مع مرور الزمن.

 

الخطأ هو أن نعمم ونقول إن الجسم الطبي بأكمله أصبح هكذا أو فاسدا.

 

- أولا، أي تعميم هو خاطئ بالضرورة؛

- ثانيا، التعميم يلحق ضررا كبيرا بأولئك الذين لا يقومون بمثل هذه الممارسات فيجدون أنفسهم في نفس المكانة مع منعدمي الضمير؛

- ثالثا، التعميم يعطي الفرصة لمنعدمي الضمير للاختباء وراء الجسم الطبي؛

- رابعا، التعميم يدفع أصحاب الضمائر الحية إلى اليأس عوض دفع منعدمي الضمير إلى المحاسبة.

 

لماذا أضحت صورة الطب في المغرب مهزوزة لدى الرأي العام؟

هل هي فقط أزمة تواصل؟ أم هي أزمة ثقة؟ هل المسئول عنها هم الأطباء أم المواطنون أم الإعلام؟

 

 

لنكن صرحاء: المغاربة لا يكرهون الأطباء، ولكن يكرهون الممارسات المشينة التي يلاقونها من طرف بعض الأطباء والمؤسسات الصحية.

يكرهون أن تصبح حياتهم وصحتهم سلعة يتلاعب بها من طرف بعض الذين أوكلت إليهم مهمة الحفاظ عليها.

يكرهون أن تبتز جيوبهم بغير وجه حق وهم في حالة ضعف من طرف من تناسى مهنته التي عليه ممارستها بنبل وأضحى جيب المريض موضوع انشغاله عوض صحته.

 

هل كل الأطباء المغاربة ملائكة رحمة؟ يؤدون عملهم بمهنية وضمير؟ هل كل المؤسسات الصحية والمصحات تؤدي عملها وفقا للقوانين بدون غش ولا تدليس؟

 

من الصعب، بل من المستحيل الجزم بذلك.

 

المغاربة لا يشتكون من ممارسات مشينة لا تقع إلا في مخيلتهم، بل من ممارسات حقيقية مشينة يعايشونها كل يوم، ويعايشها الجميع، ويتحدث عنها الجميع، وتتكرر كل يوم.

وأكبر المشاكل والشكايات هي المرتبطة بالاستشفاء والفحوصات التكميلية والوصفات...

 

يشتكي المغاربة من كون العديد من المصحات تتعامل "بالنوار".  من مشاكل التلاعب بالفوترة لفرض أداء أكبر من المصاريف الحقيقية.

يشتكون من ممارسات كلها "نوار" لأطباء من القطاع العام يمارسون خلسة بالقطاع الخاص. لا تجد الطبيب في مكانه بالمشفى العمومي لكنه "بت نبت" في المصحات والعيادات الخاصة.

يشتكون من أطباء بالمستشفيات لا يحضرون لمراكز العمل إلا ساعتين في الاسبوع، لفحص 5 أو 6 مرضى، ولائحة الانتظار تصل لشهور، وباقي الوقت يتجولون على المصحات في مختلف المدن.

يشتكون من أطباء بالمستشفيات يبتزون المرضى وعائلاتهم ويوجهونهم للمصحات أو للعيادات الخاصة التي يمارسون بها طريقة غير شرعية.

يشتكون من جراحين يفرضون على مرضاهم اقتناء أدوات طبية للعمليات الجراحية، يتم إرجاع نصفها للبائعين لقبض ثمنها.

يشتكون من أطباء بالقطاع الخاص يتركون عياداتهم لأطباء من القطاع العام الذي "يصطادون" زبناءهم بالمستشفى العمومي مقابل عمولة محددة.

 

هل كان من الممكن أن تكون ممارسة الطب غير شرعية من طرف أطباء عموميين داخل المصحات لولا تواطؤ الجانبين؟

 

المغاربة يشتكون من توجيه بعض الأطباء للمرضى نحو مصحات أو مختبرات أو مراكز أشعة مقابل عمولة.

المغاربة يشتكون من وصف بعض الأطباء لأدوية غالية لمختبرات بعينها لأنها تقدم لهم عمولات وهدايا.

يشتكون من إجراء عمليات قيصرية أكثر من نصفها لا ضرورة طبية له.

يشتكون من أطباء يوقعون بالجملة دون فحص طبي لشواهد طبية قصد الحصول على رخص سياقة في تواطؤ قاتل بين منعدمي الضمير من الجانبين. ومرحبا بحوادث السير.

يشتكون من وصف علاجات جراحية يشكون في ضرورتها أصلا ...

المغاربة يشتكون من بعض الأطباء الذين لا يحترمون مهنتهم ولا ضميرهم في الحفاظ على صحة المريض وإنسانيته وكرامته وجيبه وقوته وقوت أبنائه.

 

هذه الممارسات وغيرها للأسف موجودة ومتكررة ولا يمكن إنكارها.

 

هل كل الأطباء يقومون بها؟ هل كل المصحات تقوم بهذه ممارسات؟ سيكون من الظلم وقتل العزائم تأكيد ذلك.

 

المغاربة يعتزون ويقدرون ويحترمون الأطباء الذين يحترمون مهنتهم وما أكثرهم.

 

هناك فئة كبيرة من الأطباء التي تحترم مهنتها وشرفها المهني وتعمل بضمير وفي صمت. ولكن الناس تشتكي من المعوج، من المعتل، من الفساد، وهذا طبيعي.

 

ولكن الناس لا يفهمون شيئين:

- أولا، كيف يبقى مثل هؤلاء بدون عقاب؟ بل كيف لهذه الظاهرة التي ينتقدونها تزداد حدة؟

- ثانيا، كيف يقوم الجسم الطبي كاملا للدفاع عن كل الأطباء كل ما توجه النقد لبعضهم؟

 

في الجهة الأخرى، الأطباء الشرفاء كلما سمعوا انتقادات واتهامات بصيغة التعميم يحسون بضرورة الدفاع عن شرفهم، علما انهم غير معنيين بالاتهامات، بل المتهمون حقا منشغلين بجيوب المرضى.

 

هذا ما يفسر أن المواجهة بين المواطنين والإعلام وبعض المتهمين من الأطباء بالفساد والغش وعدم احترام المهنة، مواجهة يُستعمٙل فيها الأطباء الشرفاء دروعا بشرية.

 

آن الأوان لتقول المهنة حكمتها، كلمة حق: لا الهيئة الوطنية للأطباء ولا النقابات ولا الجمعيات دورها حماية الغش والفساد. هذه الهيئات مهمتها الدفاع عن مهنة الطب وعن الاطباء الذين يزاولون مهامهم بشرف.

 

آن الأوان أن يتواصل الجسم الطبي مع محيطه بكل مسؤولية وشفافية، هذا يعزز ثقة المواطنة في الطب المغربي ويوطد العلاقة بين الطبيب ومحيطه. وهذا التواصل من شأنه كذلك إزالة سوء الفهم في عدد من الملفات التي ليست متعلقة بالفساد الكبير، ولكن بسبب سوء الفهم وانعدام التواصل يتم تقديمها كذلك.

 

أن تصدر اتهامات أو انتقادات لبعض الأطباء لا يعني أن المغاربة فقدوا الثقة في أطبائهم. هناك فئة نعم أساءت لنفسها وللمهنة، لكن المغاربة يُقبِلون على أطبائهم باحترام وتقدير، وهم لا يطلبون الشفقة ولا الصدقة، بل هم ممتنون وشاكرون أطبائهم، وفي علاقة ثقة بهم كلما كان الضمير المهني حاضرا.

 

من جهة أخرى الرأي العام، له صورة نمطية عن كون الأطباء يعيشون بحبوحة الحياة، وطماعون ووو...

 

هذه صورة يجب نسيانها.

فأطباء القطاع العام يتلقون أجورا من أسوء وأقل الأجور التي يتقاضاها الأطر بالمغرب، وهم يشتغلون في أسوء ظروف العمل. يمكن الجزم بذلك وبالمطلق.

 

والأطباء بالقطاع الخاص، فيهم فئة قليلة جدا لها مداخيل مهمة وأحيانا ممتازة، وهذه الفئة هي التي يعرفها كل الناس، لأنها هي "الناجحة" مهنيا، وبالتالي أسماؤها متداولة ومعروفة ومشهورة، وهي لا تمثل إلا النزر الضعيف. بينما هناك فئة عريضة بالكاد تعيش في المتوسط، وإن طرأ طارئ كحادث أو مرض وتوقفت، نزلت لمستوى الفقر مباشرة. وفئة أخرى تحت المتوسط. وهذه فئة واسعة لا يعرفها أحد ولا يتحدث عنها أحد.

 

أطباء القطاع الخاص بدون تغطية صحية، بدون تقاعد وفي حالة المرض أو العجز أو.... ويعملون في ظروف صعبة، وعائلاتهم مهددة في مصيرها في أي لحظة.

الأطباء أنفسهم وعائلاتهم يعانون من جشع وغياب ضمير بعض زملائهم حين يصابون بالمرض...

 

ما العمل؟

يجب فضح هده الممارسات المشينة؛

يجب توجيه الشكايات للجهات المختصة من هيئة الأطباء ووزارة الصحة والقضاء؛

يجب فضح المتلاعبين، بدل التعميم الذي يرجعنا للوراء عوض تنقية الصفوف...

 

على الجمعيات والنقابات الطبية التفكير في وسائل مساعدة المرضى لفهم ملفاتهم وحالاتهم ومساعدة الإعلام في فهم الملفات ومعالجتها؛

على المواطنين أن يكون لديهم طبيب عائلة يثقون فيه ويتعاملون معه، وهو الذي يوجههم ويرافقهم ويساعدهم وينبههم؛

على الهيئات الطبية أن تجعل من تخليق الممارسة الطبية أولوية الأولويات؛

على الأطباء الشرفاء أن لا يحموا مثل هؤلاء الممارسين لأن في ذلك تشجيع لهم وتدمير للمهنة برمتها؛

على المجمعات الطبية المختلفة التوافق على ميثاق لحسن السلوك والشفافية في الممارسة الطبية؛

على الوزارة الوصية أن تعالج الاختلالات الخطيرة التي تعرفها المنظومة؛

على الإعلام أن يكون بالمرصاد لحالات الفساد من خلال معالجة مهنية للموضوع".