الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي : نحن قوم نبني الملاعب مكان السدود ولا نعمل حتى "يطلع الضو"

محمد الشمسي : نحن قوم نبني الملاعب مكان السدود ولا نعمل حتى "يطلع الضو" محمد الشمسي
من يطلب من الحكومة المغربية مواجهة تقلبات الطقس ، وغضب الطبيعة ، إنما يُلبسها ثوبا أكبر بكثير من حجمها ، ويضعها في مكانة هي دونها  ، هي حكومة عاجزة حتى عن مواجهة تقلبات الأسعار ، وهي حكومة تعاني من تقلبات أمزجة أعضائها ، ممن هم منها وإليها لكنهم ينتقدونها حد لعنها ، هي ليست حكومة اليابان ولا حكومة الصين حتى تقف سدا منيعا في وجه الأعاصير ، فهي تعيش عواصف داخلية تداويها ب"الترقاع وعين ميكا".
 يروي لي صديق عاش في هونغ كونغ مدة ، أنه ما إن تعلن مصلحة الأرصاد الجوية هناك نشرتها الإنذارية المدققة بالدقيقة والثانية ، حتى يهرع المسئولون هناك يعدون العدة ليس لمنع العاصفة بل للتخفيف من أضرارها ، ويروي صاحبي أن العاصفة هناك لا تَخْلف الميعاد ، والأرصاد الجوية لا "تزقل حرفا" ، وتعبث العاصفة بما وجدت أمامها ، برياح قد تطوح بالبشر وتجتث الشجر ، مصحوبة بأمطار مصوبة كالسهام ، ثم تمضي سالكة مسارها ، ويخرج المسئولون بعد ذلك مثل جيش النمل لإرجاع الحياة إلى سابق عهدها .
لكن الحكومة المغربية يتيمة مسكينة بلا روح ولا قلب ، غارقة في فيضانها ، تحتاج إلى من ينقذها و إلى من يسعفها ، ولو أنه على رأسها طبيب نفساني ، فقد عجز الأخير عن تشخيص مرض حكومته ، بل يوشك هو نفسه أن يفقد ما تبقى من عقله بسببها ، وهو نفسه سبق وأن أوتي حقيبة الخارجية بشماله فكان في الهاوية ، فأنى له أن يسوس حكومة برمتها ، و وزراؤها شرذمة من عديمي الكفاءة غلبهم برنامج تنموي ، ولم تنفع معهم الخطب الملكية التي ما فتئت "تْجبَّد ليهم الودنين" ، الحكومة المغربية حالة ميؤوس منها ، الحكومة المغربية عاطلة عن الإنتاج ، ولا عمل لها سوى عقد اجتماعات "الشفوي" واحتلال تلفاز عمومي لا يشاهدها فيه أحد ، ويخرج منها أحدهم يروي للشعب مضمون "حدوثة الاجتماع" ، والشعب لا يستشعر وجود الحكومة ، وهي بالنسبة إليه مجرد حمولة زائدة ترهقه بنفقاتها ، وأراهن أنه حتى لو اجتاح ذلك الوادي ـ لا قدر الله ـ الحكومة المغربية بوزرائها ومقرها وجرفهم ، لما طرأ طارئ على الحياة العامة في الدولة ، فالحكومة المغربية تكفر بنظرية "الرجل المناسب في المكان المناسب" ، وشيء طبيعي أن تبني هذه الحكومة المشروع المناسب في المكان غير المناسب ، لذلك نرى ملعبا في قلب نهر بدلا من أن نرى سدّا ، ونرى المدارس في أعلى الجبال ، ونرى القناطر تحت الوديان ، ونمشي في شوارع حفرها أكثر من سياراتها ، وحمدا لله أن الحكومة الحالية لم تبن الطريق السيار ، ولم تمد سكك القطار ، فربما شيدت أكبر ميناء على ضفاف نهر أم الربيع .
لذلك لم أستغرب حين قال عامل إقليم تارودانت للموجوعين المكلومين ، "سيرو حتا يبان الضو وغادين نبحثو على المفقودين " ، معالي العامل كان منسجما مع نفسه وطبيعة عمله ومخلصا لتكوينه ، فهو اعتاد شأنه شأن كل المسئولين تأخير عمل اليوم إلى أجل غير مسمى ، فلو قاد صاحبنا العامل فريق البحث في إبانه لخالف قواعد حساب وفيزياء الحكومة ، فنظرية " بدل ساعة بأخرى " ، ومعها " لا زربة على صلاح " ، ومعهما " يصبح ويفتح " هي لازمة العمل الحكومي .
 ألا تملك الدولة المغربية بجلالة قدرها التجهيزات للبحث عن مفقودين تحت جنح الظلام ؟ ، ألا تطير طائرات الهيلوكوبتر ليلا ؟ ، ألا تتوفر الوقاية المدنية على "بروجيكتورات" تبحث بها عن ناجين وسط السيول ؟ ، من الغريب أن تكون معدات الإنقاذ لدى حكومتنا لا تعمل ليلا ،و تشترط ضوء الشمس لتشتغل ، السيد عامل إقليم تارودانت " تبندد " وظهر بزي عسكري يوحي أنه سيكون في مقدمة "كومونضو الإنقاذ" ، مثلما يفعل المسئولون الحقيقيون والوطنيون ، فهو الرجل الأول في الإقليم وعليه أن يعكس أولويته تلك في السراء والضراء ، لكنه تكبد عناء ارتداء بذلته العسكرية والانتقال تحت نور الكاميرات ليفضحه لسانه حين تحول إلى واعظ يوصي الناس ب"الصبر" و أن "يكونو رُجّالا" وينصرف عائدا إلى فراش النوم ، بعد أن يختم أنه لا بحث عن المفقودين ليلتها  إلا "لبان الضو" ،، وبئس مسؤول يخشى الليل مثل الأطفال، لم يكن ينقصه غير غطاء يختفي تحته هربا من "بعبع الظلام "، وهو بذلك أهان الزي العسكري الذي ظهر به ، فذلك زي لا يلبسه سوى الشجعان الذين يقدرونه حق تقديره ، وماذا كان سيخسر العامل لو بلع لسانه و عاش شرف المحاولة ، ولو من باب جبر خواطر باكية ، وقلوب حزينة ، وآه لو كان الضحايا من وفد سياحي أوروبي أو أمريكي ، لرأينا "الضو" أسطع من أشعة الشمس ، ولتحول العامل إلى "سوبر مان" أو إلى "باطمان " أو إلى "سبايدر مان"  ، لكن مادام الضحايا "عا أولاد لبلاد " ف"منهم عداد "، وذاك قدرهم ولا راد لقدر الله ، ثم إنهم هم المذنبون حين  "لعبو مع الواد" .
 قديما قالوا " ثلاثة ما فيهم ثقة :المخزن والواد والبحر " ، وما عسى ضحايا " ملعب تزيرت" أن يفعلوا إذا كان الواد بسيوله من أمامهم ، والمخزن بحكومته وعامله من وراءهم ، فليس لهم والله سوى تسلق جدران واهية مشيدة في فوهة النهر ، ليكونوا قربانا للسيول ، وإذا كان من يشترط ليقوم بواجبه أنه "يبان الضو" ، فلا نعتقد أنه "غادي بان شي ضو" ، لأنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب .