الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: قراءة في مشروع قانون المحاماة.. المادة 20 بين الوفاق والخصام

محمد الشمسي: قراءة في مشروع قانون المحاماة.. المادة 20 بين الوفاق والخصام محمد الشمسي

صادق مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب بتاريخ 6\7\2019 على مسودة القانون المنظم لمهنة المحاماة، وقد جاء المشروع زاخرا بالمستجدات وغنيا بالمكتسبات، دون أن يسلم المشروع من بعض النقائص التي سنخصص لها ركنها الخاص بها، ونتولى في هذه الورقة قراءة في المادة 20 من المشروع التي لم يقبل بها المعنيون بها. وأخص بالذكر بعض السادة القضاة، فالمادة 20 لم تترك باب مهنة المحاماة مشرعا في وجه القضاة سواء المتقاعدين أو المستقيلين لولوجها متى شاءوا، بل اشترطت المادة المعنية في كل قاض يرغب في الالتحاق بمهنة المحاماة أن يكون حاملا لشهادة دكتوراه الدولة أو الدكتوراه في القانون أو الشريعة أو ما يعادلهما، وألا يزيد عمره عند تقديم الطلب عن 55 سنة، وكان شرط السن وتحديده في أقل من 55 سنة النقطة التي أفاضت كأس بعض القضاة والقاضيات.

 

والحقيقة أن غضبة بعض السادة القضاة من مقتضيات المادة المعنية لم تكن مبررة، لأن النقاش يدور حول مشروع قانون مهنة المحاماة وليس مشروع النظام الأساسي للقضاة، وكل دارس قانون تستوقفه المادة 1 من قانون المسطرة المدنية التي تشترط الصفة والمصلحة لإثبات الحق (ولو في النقاش) لذلك فمادام السجال يحوم حول مشروع قانون مهنة المحاماة، فإن أهل مكة في هذه الحالة هي جمعيات هيئات المحامين بالمغرب المكونة من جميع الهيئات المهنية، ولا نجد لغير المحامين والمحاميات موطئ قدم في هذا الجدال، ثم إن اشتراط سن معين في المرشح هو أمر ثابت ووارد في كل القوانين المنظمة لجميع المهن، ولا تشكل مهنة المحاماة في ذلك استثناء. فحتى المادة 10 من النظام الأساسي للقضاة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6456 بتاريخ 14\4\2016 اشترطت في المحامي الراغب في ولوج سلك القضاء أن يتوفر على شهادة دكتوراه الدولة أو الدكتوراه في القانون أو الشريعة، وأن يمارس مهنة المحاماة بشكل فعلي لما يزيد عن 10 سنوات وألا يتجاوز عمره 55 سنة عند تقديم الطلب. والمادة 10 هذه لم تُثِرْ أي ردة فعل في صفوف المحامين سنتها، لأن المحامين يدركون أن المشرع سعى إلى تسييج مهنة القضاء وتنظيمها وتمتينها وتحصينها، وذلك ما تدندن لأجله مسودة قانون المحاماة الحالية.

 

ثم إن حاجز السن في صفوف السادة القضاة ومعهم أساتذة التعليم العالي في مادة القانون الراغبون في ولوج مهنة المحاماة، أراه شرطا دستوريا يحقق مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة الشريفة بين مختلف شرائح المجتمع المؤهلة، بل إن وصف الشرط بـ "غير الدستوري" هو الذي "غير الدستوري في حقيقة الأمر"، فالفئة المعنية بالمادة 20 إنما تكون قد حققت مكاسب مادية وعلمية من وظيفتها، وضمنت تقاعدا يقيها أعباء أرذل العمر، فيكون من باب الإنصاف انسحابها لترك الفرصة للجيل الصاعد كي يخوض فرصته في الحياة المهنية، لأن الحياة اختيارات، ومن اختار عليه تحمل تبعات اختياراته، ولأن ممارسة مهنة مع الحنين لممارسة مهنة ثانية بعد التقاعد، والضغط لتحقيق ذلك بتضمين القانون المنظم لتلك المهنة ما يحقق ذلك الحلم، أراه شخصيا ضربا من ضروب "الريع المهني" أو "الجشع المهني". فقد آن الأوان لتطوير مهنة المحاماة بقانون متماسك ومحكم ومستحكم، حتى لا تبقى هذه المهنة شبيهة ببطولات دول الخليج التي يلجأ إليها المتقاعدون الرياضيون لإنهاء مسارهم في أحضانها.

 

بقيت الإشارة فقط إلى أن المادة 20 من المسودة المذكورة، إن أعفت قدماء القضاة وأساتذة التعليم العالي في مادة القانون الراغبين في ممارسة مهنة المحاماة من الحصول على شهادة الكفاءة ومن مرحلة التمرين، بحجة حمولة هذه الشريحة العلمية في ميدان القانون، وبحكم ما راكمته من تجارب، وبحكم مستوياتهم التعليمية الجامعية الكبيرة، فإن إخضاع هؤلاء لتكوين في مادة أعراف وتقاليد مهنة المحاماة لما بين ستة أشهر وسنة يصبح إلزاميا، خاصة أن الأعراف والتقاليد ليست هي القانون المنظم للمهنة وليست هي القوانين الداخلية لكل هيئة. إنها دروس وحكم ومواعظ تكتسب مع الممارسة والاحتكاك بالسادة النقباء والقيدومين المتمكنين الذين يشعرونك أنك لا تمارس مهنة بحثا عن القوت اليومي فقط، بل تمارس طقسا شبيها بطقوس العبادة، وأنك حين ترتدي بذلتك السوداء فأنت كمن يدخل محراب العبادة أو يعتلي منبر الخطابة، وأنه يجب عليك أن تساهم في بقاء الجزء الأبيض من تلك البذلة أبيضا وألا تطليها كلها بالسواد فهي سوداء بما يكفي، وألا تختفي خلف نقاوة البذلة وخلف طهارة المهنة لتقصف الناس بالحجر الطائش، أو تصفي حساباتك الشخصية، وأن المهنة أخت شقيقة للعلم والمعرفة والتواضع والإنسانية والحكمة وكل ذلك باحترافية، وأن المهنة نقيض للتكبر والعجرفة والجهل والطيش، وأنك صرت جزءا من مهنة عليك أن تمثل لبنة صلبة في جدارها الشامخ... إنها دروس في الأعراف والتقاليد استرقنا السمع بشأنها من حكماء المهنة، ونحن متمرنون وحتى ونحن رسميون، ولن يجد الباحث عنها أثرا بين ثنايا القوانين.