السبت 23 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

هشام البوجدراوي: دور التفاعلات الاجتماعية داخل المؤسسات التعليمية في تدعيم القيم الوطنية

هشام البوجدراوي: دور التفاعلات الاجتماعية داخل المؤسسات التعليمية في تدعيم القيم الوطنية هشام البوجدراوي

يعد الانتماء للوطن حاجة فردية وضرورة اجتماعية تسعى كل الأنظمة والشعوب إلى تحقيقها. وهي تتأثر بالتغيرات التي تعرفها الساحة السياسية والاقتصادية والثقافية التي يشهدها المجتمع. ويعتبر المجتمع المدرسي إحدى مكونات البنيات المجتمعية، فقد عرف تغيرات واضحة أثرت بشكل كبير على هويته الوطنية، وقيمه الاجتماعية، حيث أصبح أكثر انجذابا للثقافة الغربية في أبسط تجلياتها. ولما كانت المدارس إحدى مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومجالا للتفاعلات السوسيو-ثقافية، فقد بات لزاما عليها القيام بأدوارها التربوية في تنشئة جيل ذو هوية وثقافة وطنية.

 

وتعتبر التفاعلات الاجتماعية داخل الوسط المدرسي، مجالا واسعا للحوار والنقاش والتأثير والتأثر، كما تعتبر أداة تربوية يمكن أن تساهم بشكل كبير في نشر الثقافة الوطنية وترسيخ قيم الانتماء للوطن.

 

ولأهمية الموضوع تأتي هذه الورقة للإجابة على التساؤلات التالية:

ما هي مظاهر الاغتراب التي يعيشها المجتمع المدرسي؟

كيف تساهم التفاعلات الاجتماعية الموجهة داخل الفضاءات المدرسية في تدعيم القيم الوطنية للمتعلمين؟

 

تعتبر القيم الوطنية مجموع السلوكات التي تصدر عن الفرد، والتي من خلالها   تتجسد الروابط القوية التي تربطه بوطنه وأفراد مجتمعه. وتتخذ هذه السلوكات مظاهر متعددة: تتمثل في المشاركة في الاحتفال بتخليد الأيام الدينية والوطنية، والحرص على تطبيق القوانين والحفاظ على ممتلكات الدولة، والمشاركة في المشاريع التطوعية التي تعود بالنفع على الوطن والمواطنين، كما تتمثل أيضا في احترام العادات والتقاليد التي تميز المجتمع المغربي عن غيره.

 

ومن الملاحظات التي يسجلها كل مرتاد للمؤسسات التعليمية، خلال أوقات دخول وخروج التلاميذ، هو التغير الواضح في سلوكات المراهقين. فاستعمال بعض المصطلحات من اللغات الأجنبية كوسيلة للتواصل بينهم، ونوعية اللباس المستعمل، وتسريحة الشعر الغريبة، وعدم الامتثال للقوانين المدرسية، وتخريب تجهيزات المؤسسات التعليمية، والمشاركة الباهتة في الأنشطة الثقافية، بالإضافة إلى العزوف عن القيام بالخدمات التطوعية كتنظيف مرافق المؤسسة أو القيام بأعمال البستنة كلها مظاهر تجسد بشكل جلي الابتعاد عن الهوية الوطنية.

 

فكيف يمكن تدعيم القيم الوطنية داخل الفضاءات المدرسية؟

 

تعتبر التفاعلات الصفية، وخصوصا التي تتم خلال حصص مادة الاجتماعيات، من بين الفترات التي تمكن المتعلمين من اكتساب الكفايات المرتبطة بالقيم الوطنية. ولأن العمليات الصفية تتم داخل فضاء القسم، وفي أوقات محددة، وتتطلب التمكن من الموارد الخاصة بالمادة، والانضباط والالتزام بنظام معين وبوضعيات جلوس معينة، وباستعمال لغة مدرسية خاصة. ولما كان اكتساب القيم الوطنية يتطلب بالإضافة إلى الحصص الرسمية، وضع المتعلمين في وضعيات تفاعلية تتجسد فيها الهوية الوطنية كممارسة وسلوك، بات لزاما على قيادات المؤسسات التعليمية ومجالسها، إعطاء مزيد من الاهتمام للتفاعلات الاجتماعية وتوظيفها داخل الفضاءات المدرسية، حتى تصبح وسيلة تربوية تساهم في تطبيع المتعلمين بسلوكات المواطنة وترسخ لديهم الهوية الوطنية.

 

وتعتبر التفاعلات الاجتماعية داخل الوسط المدرسي، تلك العلاقات بين الأفراد، سواء كانوا متعلمين أو أطر إدارية أو تربوية أو أعضاء جمعية الآباء، والتي تنبني على عمليات التأثير والتأثر، بحيث يصبح سلوك التلميذ موافقا لقيم ومعتقدات المجتمع المدرسي الذي ينتمي إليه. ولها فترات متعددة تتوزع بين الحصص الرسمية وفترة الاستراحة وخلال أنشطة النوادي التربوية. ولكي تصبح أداة لتدعيم القيم الوطنية لدى التلاميذ، كان لزاما على القيادات والفرق التربوية العمل على توجيهها، حتى تؤدي دورها في تغيير العقيدة والثقافة السائدة بين المراهقين، وجعلها أكثر ارتباطا بالقيم الوطنية.

 

ويعتبر احترام شخصية المتعلم وتمكينه من جميع حقوقه داخل الفضاءات المدرسية، من بين السلوكات التي تخلف وقعا طيبا لدى المتعلمين، فهي تعتبر مطلبا تنادي به كل الهيئات التلاميذية وسلوكا حميدا تسعى المنظمات الحقوقية إلى تحقيقه بالمؤسسات التعليمية.

 

وفي مقابل تمكين التلاميذ من حقوقهم يجب على المتعلمين الالتزام بالقانون الداخلي للقسم، والمشاركة في صياغته والحرص على الالتزام بتطبيقه. وليس مقبولا لجوء بعض التلاميذ إلى عدم الامتثال للقوانين المدرسية والعبث بممتلكات المؤسسات التعليمية أو مرافقها، كردة فعل لما تعرض له من تعنيف أو سطو على حقوقه.

 

وحتى لا تتكون لدى المتعلمين، الذين تم استصدار قرارات تأديبية في حقهم، قناعات سلبية اتجاه المدارس، يجب أن يعالج سلوكهم في إطار احترام المذكرات المنظمة لقرارات المجالس الانضباطية، وتمكينهم من كافة الحقوق والضمانات التي تتجسد من خلالها قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، والتي تجعل المتعلم مقتنعا بخطئه ومتقبلا للإجراءات الانضباطية التي تم اتخاذها في حقه.

 

وتعد فترات تحية العلم الوطني خلال اليوم الأول واليوم الأخير من الأسبوع الدراسي، مناسبة تتجسد من خلالها قيم الولاء والانتماء للوطن. فالوقوف بشكل منتظم حول العلم الوطني، وترديد النشيد الوطني بما يتضمنه من عبارات التقدير والاجلال، وما يحتويه من عبارات التحفيز والحماسة والاعتزال بالانتماء لهذا الوطن، وما يصاحبه من حركات وإيماءات وتبادل للنظرات والابتسامات الحماسية، يعزز من قيم التضامن والترابط والتلاحم والاجماع حول الوحدة الوطنية.

 

وفي إطار التدبير المشترك للمؤسسات التعليمية، وتأسيسا لمبادئ المساواة والديمقراطية والحق في المشاركة في اتخاذ القرار. يجب على القيادات التربوية الحرص على أن تكون للتلاميذ تمثيلية في مجلس التدبير، وأن تتم انطلاقا من انتداب تلميذين اثنين عن كل مستوى دراسي ثم بعد ذلك انتخاب ممثلين اثنين عن كافة الممدرسين. ويجب الحرص كذلك على أن تحظى ملاحظات المتعلمين خلال مداولات اجتماعات المجلس بالاهتمام المطلوب، ويجب الحرص كذلك على أن يمارس ممثلا التلاميذ بالمجلس دورهما الاستشاري دون وصاية أو تهميش.

 

ومن بين الأجهزة التي يجب على المؤسسات التعليمية الحرص على تأسيسها وتأطيرها بداية كل موسم دراسي، جهاز الشرطة المدرسية. والذي يسهر على تطبيق النظام الداخلي للمؤسسات التعليمية خلال فترات الاستراحة. كما يهتم بتأمين سلامة التلاميذ داخل فضاء المدارس، وتنظيم تواجدهم بها. كما يسهر كذلك على المحافظة على ممتلكات وتجهيزات المؤسسة من الإتلاف الذي من ممكن أن تتعرض إليه.

 

وتعتبر أنشطة النوادي التربوي مجالا واسعا للتفاعلات الاجتماعية ولتنمية المهارات الحياتية وفرصة لممارسة السلوكات المواطنة: كالمشاركة في تخليد المناسبات الوطنية وما تحمله من دلالات الانتماء والتعلق بالقيم الوطنية ورموز الوحدة الترابية، وتنظيم الانتخابات التأسيسية للنوادي التربوية، والمصادقة على نظام الأساسي والالتزام بتطبيق بنوده، والمشاركة في الأعمال التطوعية التي تنظمها مختلف النوادي التربوية، بالإضافة إلى المشاركة في الندوات والمحاضرات والإشراف على تأطيرها وتنظيمها.

 

إن نماذج وضعيات التفاعل الاجتماعي التي أشرنا إليها سابقا، وما تحمله من معاني التعاون، والتضامن، والتمكين، والمشاركة، والديمقراطية، وحقوق الانسان، تتولد عنها ردود أفعال إيجابية اتجاه المؤسسات التربوية وأيضا اتجاه مؤسسات الدولة، تتوزع بين القبول والارتباط والحب والشعور بالانتماء.  ولما كانت المدارس نظاما اجتماعيا مصغرا يمارس فيه التلاميذ القيم الوطنية بكل تجلياتها ويسعى إلى إعداد المتعلمين للاندماج الايجابي بالمجتمع، تكونت لدى الأفراد قيم المواطنة والانتماء وترسخت لديهم الهوية الوطنية سلوكا وممارسة.

 

خاتمة:

تقوم الأطر الإدارية والتربوية داخل المؤسسات التعليمية بمجهودات جبارة من أجل ترسيخ قيم المواطنة لدى المتعلمين. ورغم المضايقات والمشاكل التي يتعرضون لها خلال ممارستهم لمهامهم، وجب عليهم الحرص على تبني سلوكات إيجابية اتجاه التلاميذ، تتمثل في قيم الحوار والانصات واحترام الآخر. ولن يكتمل الدور الذي تلعبه المدارس إلا بإشراك الأسرة، من خلال تمثيلية جمعية الآباء، في الإعداد للأنشطة والبرامج التربوية الهادفة. ولن تتحقق أهداف النوادي التربوية من دون ضمان المشاركة الواسعة للتلاميذ في بناء غاياتها، ومن دون تخصيص حيز زمني أسبوعي للقاءات والندوات والأنشطة التربوية.