الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

عبد العزيز عليلي: ضيافة الفقيه للمتطوعات البلجيكيات رد فعل لكل من سولت له نفسه النيل من العمل التطوعي

عبد العزيز عليلي: ضيافة الفقيه للمتطوعات البلجيكيات رد فعل لكل من سولت له نفسه النيل من العمل التطوعي عبد العزيز عليلي مع صورة المأدبة التي أقامها فقيه دوار بتارودانت للمتطوعات البلجيكيات

أحسن رد أخلاقي وحضاري على حالة شرود النائب البرلماني البيجيدي وتدوينته التي انتقد فيها بمنطق الطهرانية المغشوشة لباس المتطوعات البلجيكيات، هو رد لفقيه بدوار بإقليم تارودانت، عندما أقام مأدبة غذاء على شرف المتطوعات البلجيكيات. إذ اعتمد الفقيه على قيم الضيافة ومبادئ الإسلام المغربي الوسطي المعتدل، بعيدا عن خطاب البلادة والتطرف. هذه الضيافة تجاه البلجيكيات المتطوعات أبرز المسكوت عنه في التطوع وفي العمل الجمعوي بالمغرب، الذي يجب أن يصحح مساره كي يستهدف الإنسان بمفهومه الكوني، بعيدا عن أي تنميط سياسي وديماغوجي انتهازي. ولتسليط الضوء حول العمل الجمعوي والتطوعي من خلال التجربة والممارسة، التقت "أنفاس بريس" بعبد العزيز عليلي، الكاتب العام لفيدرالية جمعيات جهة درعة تافيلالت للقلب والشرايين، والكاتب العام لجمعية درعة الكبرى للتنمية والتضامن، وأجرت معه الحوار التالي:

 

+ في نظرك لماذا ننتظر حضور متطوعين أوروبيين ليعطوننا دروسا في شق طريق او حفر بئر او صباغة مدرسة بالقرى والأحياء الهامشية؟

- عمل هؤلاء يستمد مرجعيته من مقولة: ''لا يمكننا العيش لأنفسنا فقط''؛ ثقافة تشبعوا بها في جميع فضاءات التنشئة الاجتماعية، وفي جميع مراحل الحياة. يؤمنون بالعمل الجمعوي كفعل تطوعي يهدف إلى إفادة الفرد والجماعة دون تمييز عرقي، ديني، جنسي أو إيديولوجي. وتلعب جمعيات المجتمع المدني عند هؤلاء دورا رياديا في تأطير المواطنين. ولها أيضا مكانة أساسية على مستوى صياغة وصنع القرارات وتتبعها وتقييمها. ويأتي هذا من خلال تشجيع بلدانهم على الانخراط الفاعل في العمل التطوعي، وما ترصده كذلك من تمويل سخي للإطارات الجمعوية.

في المغرب، لدينا ما يكفي من الجمعيات للقيام بالأدوار المنوطة بها، حيث يبلغ المجموع العام للجمعيات في المغرب ما يناهز 160 ألف جمعية. ويشير هذا العدد المتنامي باستمرار، إلى الاقبال الكبير نحو العمل المدني، والذي يدل بدوره على وعي مجتمعي، ومؤشرا إيجابيا على نمو روح المواطنة لدى المغاربة. إلا أن المتأمل في واقع العمل الجمعوي ببلادنا اليوم يدرك جيدا أنه يوجد ضمن هذه الجمعيات الكثير من لا فعل لها على أرض الواقع، وبأن عددا قليلا جدا هي القادرة على الترافع لفائدة المجتمع. مما يثير الشكوك حول الدواعي والأسباب التي من أجلها أسست. في السياق ذاته، يجب أن يصاحب هذا التزايد الكمي للجمعيات تحسنا في نوعية وفعالية أدائها وقدراتها، وأن يتم تعزيز استقلاليتها.

بسبب ظروف الحياة الصعبة التي نعيشها ننظر إلى التطوع على أنه من الكماليات. من هذا المنطلق يحاول الناس تلبية احتياجاتهم الأساسية أولا. يحاولون الحصول على طعام وعمل، ويحاولون دعم عائلتهم. لهذا، لا تحتل الحاجة إلى مساعدة الآخرين الأولية الأولى، ولهذا تأثير سلبي مباشر على التطوع.

في اعتقادي، جمعيات المجتمع المدني مازال أمامها مسار طويل لتعزيز حضورها وتحولها إلى قوة قادرة على المساهمة الفعالة في نشر وترسيخ قيم التطوع والتعايش في المجتمع.

 

+ ما هو دوركم كجمعويين في خلق قيم التطوع لدى الشباب؟

- كونه قيمة إنسانية نبيلة، يعتبر العمل التطوعي ركيزة أساسية لنشر ثقافة الحوار وتعزيز قيم التعايش، التفاهم وتقبل الآخر. ولخلق قيم التطوع لدى فئة الشباب، وجب تعبئة هذه الفئة للرفع من مستوى وعيها وتوسيع مداركها ومعارفها بالعمل التطوعي. الجمعيات لها دور محوري على مستوى استقطاب وتعبئة الشباب والرفع من مستوى قدراتهم، مهاراتهم وخبرتهم، وذلك بـ: التأطير، التدريب، التحسيس، التربية، التوعية، التكوين والمواكبة؛ لتنفيذ أنشطة مثل الورشات، الملتقيات، المعارض، الدورات التدريبية...

وتعد المخيمات أيضا من أهم الوسائل المستخدمة لتعزيز دور الفرد في الحياة الاجتماعية، وغرس الكثير من القيم الأخلاقية والاجتماعية، وبث روح العمل التعاوني الاجتماعي بين الأطفال؛ والجميل أنها تبنى على أسس بيداغوجية.

على الجهة الوصية والقطاعات المعنية كذلك أن يساهموا في إشاعة العمل التطوعي، وذلك بعقد ملتقيات للعمل التطوعي، دعم الإطارات الجمعوية الفاعلة والجادة ماديا ولوجيستيكيا، تبسيط مساطر تأسيس الجمعيات وتيسير استفادتها من الفضاءات العمومية.

مجتمعنا المغربي مؤهل لممارسة قيم التآزر، التعاون والتعايش وقبول الآخر بغض النظر عن دينه، عرقه جنسه أو جغرافيته؛ يمتلك أيضا ثقافة ايجابية مجتمعية تشيع المحبة، الإخاء، التلاحم والبساطة. وهذا ما شاهدناه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، عندما سلطت الضوء على قضية المتطوعات البلجيكيات اللواتي قمن بمبادرة لتبليط أحد مسالك منطقة بتارودانت، وتعرضن لانتقادات حادة من أحدهم. حيث عبرت ساكنة تلك المنطقة بكل عفوية عن إدانتهم لما صدر من هذا الشخص. وعبروا عن دعمهم والتفافهم لمناصرتهن. فقيه الدوار الذي أقام مأدبة غذاء على شرف المتطوعات والمتطوعين البلجيكيين قدم للعالم، هو الآخر أفضل صورة عن الإسلام السمح المعتدل وأخلاق المغاربة الأصيلة. يتضح إذن أن مجتمعنا، وبالرغم من أنه لا يحظى بالحد الأدنى من الوعي الثقافي والسياسي، إلا أن ثقافة التضامن والتآزر والتطوع متجذرة ومتأصلة فيه. يحتاج منا كجمعيات مجتمع مدني أن نمد له يد العون حتى تصبح هذه القيم مؤطرة على شكل أنشطة، أوراش ومشاريع تعود بالنفع عليه.

 

+ لماذا لا تنظمون حملات تطوع بالقرى والمدن وإرسال قيم التآزر والتضامن، على غرار ما يقوم به المتطوعون الأوروبيون؟ هل فكرتم في خلق شراكات مع هؤلاء في هذا الإطار؟

- في إطار إشاعة قيم التضامن والتعاون وإرساء لمبدأ التطوع، جندت جمعية درعة الكبرى للتنمية والتضامن كل إمكاناتها البشرية والمالية، رغم محدودية هذه الأخيرة. من أجل ذلك، وتكريسا للعمل التطوعي الجاد، قامت بالعديد من الأنشطة نذكر منها: تنظيم قوافل طبية تضامنية متعددة الاختصاصات بعدة دواوير نائية، قمنا بتوزيع الملابس على فئات تعيش العوز والتهميش، قمنا كذلك بتأطير ورشات في العمل الجمعوي التطوعي لفائدة الشباب، قمنا بتوزيع أدوات مدرسية وكتب وقصص على مؤسسة تعليمية في الأقاصي.  

دأبنا دوما على مساعدة المعوزين الوافدين على مستشفيات ومصحات مراكش من أجل العلاج، وذلك بتقديم يد المساعدة عن طريق تيسير ولوجهم إليها، أو تقديم وصولات للاستفادة من التخفيضات لدى هاته المؤسسات الاستشفائية أو لدى المختبرات. نشارك كذلك في ملتقيات، ندوات ومنتديات... لتعزيز قيم الحوار والنقاش والانفتاح على الآخر.

وقد سعت جمعية درعة الكبرى للتنمية والتضامن، منذ تأسيسها، إلى البحث عن شركاء داخل المغرب وخارجه. وفي السياق ذاته شاركت في منتدى نظم بجنيف بسويسرا من طرف منظمات غير حكومية حول التنمية المستدامة؛ وانصب النقاش حول الاقتصاد البيئي - السياحة المستدامة - حق الطبيعة - وسائل تمويل المنظمات الغير الحكومية - التربية على حماية الطبيعة. وقد قدمت في هذا الشأن مشاريع وتجارب قامت بها مجموعة من المنظمات في العديد من الدول.

نؤمن كذلك بحشد الجهود والتعاطي الإيجابي مع جمعيات فاعلة في الميدان. في هذا السياق، وفي إطار تشبيك العمل وتجميع الجهود في شبكة واحدة، قمنا بمعية جمعيات من الأقاليم المكونة لجهة درعة تافيلالت بإنشاء فيدرالية متخصصة في أمراض القلب والشرايين، وذلك لمساعدة المرضى المعوزين على مستوى العلاج، التطبيب أو العمليات الجراحية.

 

+ ما الجدوى من تأسيس الجمعيات إذا لم تستطع هذه الأخيرة تعبئة الشباب في عمليات التطوع؟ ما هي المعيقات؟ وما هي تجربة جمعيتكم في هذا الشأن؟

من الأدوار الرئيسية، والتي من أجلها تؤسس الجمعيات، هناك تأطير الشباب وحثهم على ممارسة العمل التطوعي كسلوك إنساني وحضاري والإسهام في ترسيخ تقاليد المشاركة التطوعية الشبابية.

قمنا مؤخرا كجمعية بالانفتاح على فئة الطلبة الجامعيين باعتبارها قوة بشرية قادرة على رفع تحدي عزوف الشباب عن المشاركة الفعالة. وما لمسناه هو ما تختزنه هذه الفئة من إمكانات هائلة على المستوى التنظيمي، المعرفي والمهاري... تجلى ذلك في أحد أنشطة جمعية درعة الكبرى بمناسبة الاحتفاء بشهر التراث. حيث قام هؤلاء بالتخطيط، الإعداد والتنفيذ لنشاط مركب. وكانت النتيجة نجاحا مبهرا للنشاط الذي أشرفوا عليه.

عادة ما يجسد التطوع عبر القيام بأوراش بناء أو تأهيل فضاءات التنشئة الاجتماعية؛ كبناء فصل دراسي مثلا، أو القيام بتشجير فضاء من الفضاءات، أو تزيين شارع من الشوارع وتنظيف الشواطئ... أعمال تطوعية أصبحنا مؤخرا نلاحظها في العديد من المناطق. لكن يمكن للتطوع أن يجسد كذلك عن طريق أشياء غاية في الأهمية: كالتبرع بالدم، النخاع العظمي، التبرع بالأعضاء بعد الموت؛ كالتبرع بالقرنية، أو الكلي، أو القلب.

أستحضر هنا تصورنا من داخل فيدرالية جمعيات جهة درعة تافيلالت للقلب والشرايين -(جمعية درعة الكبرى للتنمية والتضامن أحد مؤسسيها)- تصور من بين ما ينبني عليه البحث عن حلول لمعضلة التبرع بالأعضاء البشرية. وبالرغم من الكلفة الباهظة لعمليات القلب استطاعت جمعيات المجتمع المدني أن ترفع هذا التحدي، وذلك بالبحث عن حلول لمشكلة التمويل لإجراء هاته العمليات، وكذلك بتعبئة الأطر الطبية الكفؤة، لكن الإشكال المطروح يتجلى في ندرة إن لم نقل انعدام المتبرعين. مثال على ذلك؛ في أواخر الشهر المنصرم تم جمع مبلغ مالي لتغطية كلفة عملية لزراعة القلب سيستفيد منها طالب دكتوراه ينحدر من جهة درعة تافيلالت. وقدرت كلفة العملية بـ 1600000 درهم (160 مليون سنتيم). وستجرى هاته العملية بفرنسا، ليس لأننا لا نتوفر في المغرب على الأطر القادرة على إجرائها، لكن السبب هو عدم وجود متبرعين بالمغرب. الذي لا يمكن للمرء أن يتغاضى عنه هنا، هو وجود متبرعين بالمال، لكن لا وجود لمتبرعين بالأعضاء بعد الموت طبعا. للإشارة فقط، المغرب يزخر بخيرة الأطر الكفؤة والمشهود لها عالميا بالجدارة. عملية زراعة القلب المشار إليها أعلاه مثلا بإمكان البروفيسور الدريسي بومزبرة (نائب رئيس فيدرالية جمعيات جهة درعة تافيلالت للقلب والشرايين)، بإمكانه إجراؤها هنا في المغرب؛ إذ سبق وأن أنجز عملية زرع قلب لطفلة في الرابعة عشر من عمرها سنة 2015 كللت بالنجاح. أشير في هذا الصدد بأن متبرعا واحدا يستطيع عند موته إنقاذ حياة تسعة أشخاص. يعني الإشكال المطروح هنا في التبرع فقط، كمظهر من مظاهر التطوع والعمل الجمعوي الخيري الجاد.

يجب على المؤسسات التعليمية كذلك أن تنخرط هي الأخرى في تعبئة وتأطير المتعلمات والمتعلمين حتى يتشبعوا بثقافة التطوع، لكي يشيع التلاحم والتكافل من خلال ما تتيحه فضاءات الأنشطة المندمجة والموازية.

عند الحديث عن المعيقات، حدث ولا حرج. هناك أسباب تعد من بين معيقات العمل الجمعوي؛ أذكر منها: ضعف الدعم المادي واللوجبستيكي، خضوع الفاعل الجمعوي للفاعل السياسي، البيروقراطية، التفريخ ساهم هو الآخر في تمييع المشهد الجمعوي وأفقده ثقة المواطنين، عزوف الشباب عن الانخراط في الجمعيات، غياب برامج تستجيب لحاجيات الشباب في التأطير والتكوين والتأهيل، غياب تنظيم غير حكومي مستقل مختص يعنى بتتبع ورصد وتقييم فعل وفعالية العمل الجمعوي بالمغرب... لكن هناك تزايد مطرد في عدد المتطوعين في العالم، إذ حسب تقرير حالة التطوع في العالم 2018 لبرنامج الأمم المتحدة للتطوع يقدر عدد المتطوعين في العالم بمليار شخص، والرهان معقود على فئة الشباب للنهوض بالفعل التطوعي بالمغرب.