الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

المذكوري: المخيمات الصيفية..بين عمل تربوي هادف وتجارة مربحة ومسؤولية غائبة

المذكوري: المخيمات الصيفية..بين عمل تربوي هادف وتجارة مربحة ومسؤولية غائبة محمد المذكوري، ومشهد لمخيم صيفي( أرشيف)
بدأت العطلة الصيفية، وبدأ معها هاجس تدبير الفراغ بالنسبة للآباء، والعائلات، وبدأت الجهات التي اكتشفت والتي تؤمن بديمقراطية العطلة وحق الاصطياف وحق الترفيه المنظم بتنظيم ملقيات لمجموعات الأطفال والشباب، حسب برامج وأهداف قد يعلم بها الآباء أولا، أو بدونها، وتبدأ بعض الجهات في البحث والتنقيب كجماعات عن مراكز وبنيات وتأطير، وكمؤطرين من مشغلين محتملين، إن لم يكن لهم انتماء، ويتهافت المنظمون العابرون على منشطين، أو مرتزقة في الميدان يبيعون معارفهم ومواهبهم أو حاجتهم إلى من يؤمن لهم مصروفا متميزا .
وإذ يسجل في مغربنا، اليوم، ازدياد الاهتمام بموضوع قضاء عطلة منظمة، بشكل كبير ومتطور كحق للأطفال وللشباب والعموم، يتوضح أكثر من قبل وجود فراغات قانونية رسمية شاملة لهذا الموضوع.
لقد بدأت بلادنا تعرف «إنشاء» مخيمات حرة خارج الإطار القانوني لفتح المخيمات الذي يعود قانونا فقط للقطاع الحكومي المكلف بالشباب والرياضة.
فهناك فراغ قانوني يطرح على مستوى مخيمات الأطفال غير تلك التي تحت وصاية القطاع الحكومي إياه، والمؤسف أن الوضعية تزداد تأزما وتعميقا نظرا لتكاثر الجهات المنظمة له، ويطرح على مراكز الاصطياف التي تنظم تحت رعاية ومسؤولية كثير من القطاعات لصالح أبناء مستخدميها، ولدى القطاع الخاص الذي ينظم مخيمات أو مراكز اصطياف أو حتى تحت ستار مراكز وحصص دعم لغوي وتعليمي.
إن كل هذه الأنواع تعمل في حصص يومية أو أسبوعية أو أكثر مع مجموعات أطفال وشباب بدون ترخيص مسبق يضبط معايير فتح تلك الفضاءات لتلك الأنواع من الأنشطة ويحدد شكل المسؤوليات الملقاة على المشرفين في تأمين استقبال ورعاية وتغذية منظمة ومشروطة وضوابط تحدد مؤهلاتهم ويرسم الإطار القانوني لحماية المستفيدين والمشرفين بتأمين من الأخطار التي قد يتسبب الغير لهم بها، وتلك التي يسببونها للغير.
والشكل المنتشر،اليوم، هو مبادرات تجارية محضة في الغالب عن طريق مؤسسات تعليمية خاصة (ابتدائية أو تعليم أولي أو رياض الأطفال)، والتي تشتغل شهرا إضافيا لا يحتسب للآباء ضمن السنة الدراسية، وإما عن طريق مقاولات «تنشيط» تتكفل بتنظيم مصطافات للأطفال و/ أو الشباب أو تنشيط تجمعات، وقد بلغ إشعاعها أو استقطابها دولا أجنبية ويستعمل وسائل تنشيط أقرب للتنشيط السياحي التجاري الصرف منه للتنشيط التربوي، وقد تنامت ظاهرة فصول الصيف هذه لتخبئ ورائها مخيمات بدون روح.
لقد توالدت مخيمات الأطفال لدى قطاعات شبه حكومية كفضاءات وتنظيم لقلة الفضاءات المخصصة للتخييم لدى الدولة وتوفر الإمكانيات لديه وكتقليد لجهات أخرى؛ تمكنت من ذلك بفضل تنظيماتها الاجتماعية التي تشرف على أنشطة متنوعة لصالح المنتسبين وعائلاتهم وأبنائهم، ولكنه غير خاضع لسلطة القطاع الحكومي المشرف على الشباب والرياضة المؤهل دستوريا للإشراف على هذه الأنشطة، لقد بدأ الانفلات من هذا الإشراف لضعف إمكانيات القطاع الحكومي المكلف من حيث ممارسة وصايته القانونية، وانشغال أغلب أطره بالتدبير المباشر على المخيمات التي تعقد في كنفه، وتناسلت مراكز الاصطياف التابعة للمؤسسات شبه العمومية والخاصة كجواب على ضعف بنيات الاستقبال للسياحة الداخلية والحاجة المجتمعية المتصاعدة لقضاء فترة عطلة واستجمام واستعملت بعض هذه المراكز كمخيمات للأطفال بنفس الصيغة التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة بدون مراقبة ولا معايير ولا ضوابط .
إن الفراغ وعدم تحمل المسؤولية وهو الذي طورته الإدارات والمؤسسات والشركات في غياب المراقبة المباشرة للوزارة المشرفة على القطاع حسب القانون، عندما أسست "مراكز تخييم " بدون معايير قانونية ، حيث حولت فيلات إلى مراكز اصطياف وتعمل فيها بنوع خاص بعيد عن المفاهيم البيداغوجية لجمعيات التخييم التربوي وتطورت هذه الوضعية إلى حالة متشردمة وتسيبت إلى ممارسات لا أخلاقية وتجارية محضة تزداد صعوبة احتوائها وتقويمها اليوم أكثر من الأمس،
ومن مساوئ هذا الواقع هو انفلاته من مراقبة تربوية لازمة ومراقبة مالية ولو أنها تعود لاستقلال القطاع المعني ولكنها تدبر بشكل غير عقلاني، لانعدام توجه واختيار بيداغوجي واضح لهذا النشاط، فغالبا ما يهدف المسؤولون فقط سفر، وتزجية فراغ شبه مراقب بالنسبة لهؤلاء الأطفال، وبعض المكتسبات الهشة كلباس للأطفال وسطحية كقضاء فترة اصطياف للجن مراقبة وتتبع وتنسيق من ممثلي المستخدمين.
وتضاف إلى هذه " المخيمات" مراكز الدعم والتقوية ومراكز الترفيه والتنشيط الفني والرياضي التي انتشرت من جهة كحاجة لتقوية التلاميذ ورغبة في استغلال بنيات عاطلة عن العمل صيفا بدون مداخيل، وكحاجة إضافية لضبط التلاميذ في جزء من عطلتهم التي لا يتمكن من استغلالها كلها آبائهم وأولياؤهم ، وهي كذلك مراكز لا تخضع لمقاييس ومعايير وضوابط لا أمنية، ولا تربوية، ولا تنشيطية، ويستغل فيها العاملون والمدرسون وقد يضاف إليهم بعض المنشطين من ذوي الكفاءات والمواهب.
إن على القطاع الوصي أن يقوم بدوره في الإشراف على كل القطاع، سواء منه الذي ينظمه ويدبره مباشرة أو الذي خرج عن طوعه تدريجيا وفي غفلة من القانون إلى أن استقل أي مخيمات القطاعات الحكومية المستقلة جغرافيا عنه، ثم مخيمات القطاعات شبه الحكومية والخاصة، ثم أخيرا القطاع الحر، فالمخيمات تنبث هنا وهناك كالفطر بدون مقاييس ولا معايير، وتفتح «مراكز مخيمات» بدون إذن أو علم مسبق، وفي نفس الوقت تسجل مقادير خيالية في مخيمات صيفية تقام في أقباء وحدائق وفلل وعلى هامش مسابح وخلفيات مقاه في البيضاء والرباط والجديدة والمحمدية والقنيطرة وبني ملال، مثلا مقابل 750 و 1000 درهم للأسبوع، بالإضافة إلى التغذية وبدون مبيت، فاليوم يجب أن تتأكد سلطة الدولة على القطاع كله، وأن تخضع المخيمات ومراكز الاصطياف كلها في إنشائها وتأسيسها وتنظيمها لمعايير ومقاييس مضبوطة ومعروفة ومعلن عنها حتى تتكافأ الفرص للجميع وحتى يكون هذا النشاط التربوي خاضع لرقابة وإشراف من ذوي الاختصاص ومنظم بالقانون وليس بالنزوات التي تسير أغلب هذه الأنشطة لعدم تواجدها في صلب اختصاص المؤسسات القائمة بها.
يجب رفض تخلي القطاع الوصي على المخيمات على مهمة الإشراف على هذا النشاط واستقالته من مهامه، لأنه سينحرف وسيتضخم، إننا مطالبون على الأقل بتقنينه ومعيرته لكي يتوسع إلى كل الفئات والقطاعات، ولكي يساهم فيه الجميع حسب ضوابط سيصعب الالتزام بها بعد فوات الأوان.
إننا في حاجة إلى تعميم المخيمات على كل الأطفال لأنها الجواب الأفضل على حاجيات الأطفال في العطلة والسفر وتغيير الجو والراحة والمتعة المفيدة وتكوين الشخصية والحق في الترفيه واللعب والتثقيف والتكوين، حري بنا في هذا الوطن أن نكثف جهودنا جميعا لكي تصبح المخيمات فضاء للمتعة الهادفة وليست للممارسات غير التربوية التي تضيع الأموال بغير حساب ولا تكافؤ، علينا أن نبحث في ميزانيات المخيمات وكلفة طفل/ يوم في مخيمات المؤسسات شبه العمومية والخاصة والقطاعات الحكومية وأن نقارن بينها، لا بقصد تدجينها ولكن للاستفادة الحقيقية والمباشرة والمنطقية من خيرات البلاد بتكافؤ الفرص وتساويها بين كل أبناء الوطن، وأن نفتح حوارا حول خير السبل لاستفادة أكبر عدد من الأطفال من المخيمات.
محمد المذكوري، مسؤول وطني بحركة الطفولة الشعبية