السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور:عودة الى بغرير وصايكوك أو الصفاء اللغوي

الحسن زهور:عودة الى بغرير وصايكوك أو الصفاء اللغوي الحسن زهور

الدعوة إلى النقاء العرقي المؤدي حتما إلى الإبادة الجماعية لجنس معين بتبريرديني أوعرقي أو ايديولوجي ..هي ما بنت عليه النازية الفاشية ايديولوجيتها وأدت إلى الإبادة الجماعية لليهود في المانيا وفي البلدان التي إحتلها النازيون، تلك الإبادة التي تسمى في الأدبيات السياسية والتاريخية بالهولوكوست. و قد سبق للأوروبيين الأوائل الوافدين الى أمريكا أن استخدموا صفاءهم العرقي في إبادة قبائل من الهنود الحمر ونفس الشيء قام به الأتراك العثمانيون في إبادة مليون ارمني في ما يسمى بالإبادة الارمنية.
في بلدنا هبت على بعض المنتسبين إلى الأحزاب القائمة على الأيديولوجيا الدينية و القومية ومن شايههم ريح ظاهرها الدفاع عن العربية وباطنها عرقية تدعو الى النقاء اللغوي أسوة بالنقاء العرقي   الذي اعتمدت عليه الأيديولوجيا النازية..

هبت ريح "ويمينك" أي الشرقية فجأة تروم حذف كلمات امازيغية من الكتب المدرسية فتجيشت المواقع الإلكترونية والصحفية والحسابات الشخصية في الأنترنت وفي الواتساب ..في جيوش متراصة أمام هذا الدخيل على اللغة العربية بالمغرب، وكأن غزوا خارجيا أو طاعونا مدمرا حل بهذا البلد، و ركب الفريق الإسلامي في البرلمان الموجة وقدم مقترح نقائه اللغوي إلى البرلمان مساندا ممن سبقوه في الدعوة جهارا وتكرارا إلى هذا النقاء.
فكرة النقاء اللغوي هذه التي اشعلها هؤلاء أسوة بالنقاء العرقي التي إرتكزت عليها الإيديولوجيات العنصرية انتشرت فجأة كالنار في الهشيم .. وشغلت الناس والهبت مشاعرهم الدينية والجنسية التي كرسها القوميون والإسلاميون بالمغرب منذ الستينات إلى حد أصبح فيه المغرب في حالة حرب ضد هويته و ضد ثقافته لئلا تقوم أية قائمة لهذا التميز المغربي الذي يغضب الكثيرين في الداخل و في الخارج، مما دفع وزارة التربية الوطنية إلى نوع من الإعتذار لهذه الجيوش المجيشة على ورود كلمات مغربية أمازيغية في المقررات الدراسية الإبتدائية بتبرير ذلك في بيانها ب" مبررات بيداغوجية صرفة" و هو تبرير سخيف و بليد لا يليق بوزارة تحمل إسم " الوطنية".
فبدلا من تبرير استعمال كلمات مغربية وأمازيغية بكونها كلمات دالة على أسماء اكلات مغربية( نفتخر بها  باعتبارها رموزا لهويتنا المغربية) ليس لها ما يقابلها في العربية، انجرت الوزارة بدورها إلى النقاء اللغوي لإرضاء لشريحة ايديولوجية ما زالت تومن بالنقاء الديني و اللغوي و العرقي في هذا البلد المتنوع و المتعدد في وحدته، بل بلغ ضعف الوزارة درجة تغيير الكتاب المدرسي (المستوى الثاني ابتدائي) الذي وردت فيه هذه الكلمات المغربية من أجل ارضاء ذوي النقاء اللغوي.
ورغم أن هذه الكلمات الأمازيغية والدارجية وضعت في الكتاب المدرسي بين مزدوجتين فلم يشفع لها ذلك في الدعوة الى اجتثاثها للإبقاء على النقاء اللغوي، ولكن ان سألت هؤلاء المؤدلجين و من شايههم عن مقابل " بغرير، صيكوك، الغريبة..." بالعربية لبهتوا، أولأوجدوا لها اصلا فرنسيا كما وجدها البعض من "المؤرخين" لكلمة " صيكوك" الأمازيغية! !.
لكن السؤال هو: اي نقاء لغوي يريده هؤلاء المؤدلجون ؟
إذا عدنا الى كتب المقررات الدراسية لجميع المستويات سنجد المئات ان لم نقل الآلاف من الكلمات الأجنبية سواء الفرنسية او التركية او غيرهما توظف في الكتب المدرسية و  تحملها اللغة العربية إلى أن أصبحت عربية المبنى؛ أما اللفظ والمعنى فيبقى على اصله الأجنبي، والامثلة كثيرة لا يسعها كتاب مثل : التيلفون، الهاتف، الأنترنت، الشكولاطة، الاستاذ،  الطباشير..
هذه الكلمات الأجنبية لا تمثل إشكالا لدى  هؤلاء المؤدلجين ما دامت هي اجنبية، لكن ان يتم توظيف كلمات امازيغية لأكلات امازيغية مغربية؛ هنا تثور ثائرة المؤدلجين بدعوى تلويث اللغة العربية بكلمات من لغة وطنية انتجتها هذه الارض-التي يعيشون فيها- منذ غابر الأزمان، و يعتبرونها دونية لا تليق بتشويه نقاء لغتهم التي اقتحمتها التركية والفارسية والفرنسية بكلماتها وبتعابيرها، لكن هذا الاقتحام يعتبر في نظرهم تحديثا للغة لكن ان تقتحمها كلمات مغربية امازيغية تعتبر في نظرهم تلويثا وتشويها لها نظرا للوعي الجماعي( و ليس الجمعي) عند هؤلاء المؤدلجين ومن شايههم و الذي قولبته الأحزاب القومية والإسلامية في قالبها الإيديولوجي العرقي المستورد من الشرق.
هذا الوعي الجماعي المقولب هو ما دفع بعض مفكري الحركة القومية بالمغرب إلى الدعوة  بدون خجل إلى اماتة اللهجات الأمازيغية في إحدى كتبه حفاظا على الصفاء اللغوي.
وهذا ما دفع كذلك بعض الأحزاب القومية و الإسلامية الى الوقوف بشدة ضد ترسيم الأمازيغية في دستور2011 وهو نفس الموقف الذي دفعها الآن إلى معارضة ادخال الأمازيغية في الأوراق النقدية بدعوى مضمرة هي هذا الصفاء اللغوي،  لكن ان يتم تزيينها بالفرنسية فذاك عصرنة بالنسبة لهم. و هذا النقاء اللغوي والعرقي هو ما دفع البرلماني المقرئ ابي زيد إلى اضحاك اسياده السعوديين بنكتة سمجة عن التجار الامازيغ كجنس متخلف و بخيل ( عندنا تجار من جنس معين) في نظر عرقيته المبنية على التفوق العرقي و اللغوي، وهو ما دفع صحفي في اذاعة مغربية خاصة إلى التهكم على التجار" الشلوح" دون ان تتخذ  الهاكا موقفا و لو بادانة هذا السلوك العنصري في وسائل الاعلام.
ونفس النقاء اللغوي و العرقي هو ما دفع رئيس الوزراء السابق السيد بن كيران الى نعت تيفيناغ ب: " الشينوية"، و الى سب الامازيغ: " باش كاع كايفطر الشلح". ونفس النقاء اللغوي هو ما يدفع حزب العدالة و التنمية اليوم إلى محاربته الشديدة لكتابة الأمازيغية بحرف تيفيناغ لأنه يشوه الفضاء اللغوي بالمغرب حسب زعمهم الجنسي.
يقول المثل الأمازيغي: " ازرو ن تمازيرت اسا ئبنا يان".

 كاتب  ومحل سياسي