السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

عبد الله بلكوش: رجل وطني بحجم معارفه العلمية وحنكته السياسية ( الحلقة 3 )

عبد الله بلكوش: رجل وطني بحجم معارفه العلمية وحنكته السياسية ( الحلقة 3 ) ذ. مصطفى حمزة وصورة استقبال المغفور له محمد الخامس بزاوية الخنوفة بإقليم اليوسفية

يستمر نبش الباحث المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي الأستاذ مصطفى حمزة، ويقلب صفحات مضيئة من تاريخ المغرب انطلاقا من الأحداث التاريخية المحلية والجهوية التي انخرطت فيها الأسرة القروية، وصنعت رجالا وطنيين صادقين ومخلصين للوطن، حيث يرى في أسرة بلكوش الحمرية القروية نموذج الأسرة الوطنية المتسلحة بقيم الصدق والوفاء والمعرفة والعلم  " أنفاس بريس" تفاعلت مع هذه المعطيات التي تنشر لأول مرة عن أفراد أسرة بلكوش ومسارهم العلمي والمعرفي وحنكتهم السياسية ومواقفهم الوطنية.

عند استحضارنا لأسرة بلكوش الحمرية القروية، لا بد أن نستحضر القائد العربي (1875 – 1945)، الرجل الورع التقي، والناسك المتعبد. والقائد محمد (1905 – 1975)، نموذج القائد الوطني، المعروف بمواقفه الثابتة، والخليفة عبد الله (1909 – 2006 )، الفقيه المتنور، الملم بعلم تدبير الممكن. فمن هو الخليفة عبد الله بلكوش؟ وما هي أهم الأحداث التي جعلت منه فقيها متنورا، وسياسيا يحسن فن التواصل؟.

ولد الخليفة عبد الله بلكوش سنة 1909، وهي بداية تدرج والده في المناصب المخزنية، إذ عين شيخا مع القائد عيسى ابن عمر العبدي، خلال الولاية الأولى لهذا الأخير على قبيلة أحمر، ثم اختير قائدا لحركة أهل أحمر المتجهة لمحاربة بوحمارة، إلى جانب القائد قاسم بلقاضي.

أ ـ المسار التعليمي للخليفة عبد الله بلكوش.

وعند بلوغ عبد الله سن الثالثة، ألحقه والده بالكتاتيب القرآنية بمدينة مراكش، حيت حفظ القرآن الكريم حفظا متقنا برواية ورش، ورواية قالون، كما حفظ العبادة ونصف ربع الذكاء من مختصر خليل على يد الأستاذ محمد الصبان، كما أخذ عن العلامة محمد بن عبد الله الشنكيطي بدرب جامع القنارية، علم التوحيد وعلم النحو والعربية وعلم الحساب والسيرة النبوية حفظا ودراسة ودراية...، ثم نقله والده إلى بلاد أحمر إلى مدرسة سيدي اعمر لوبيري ، فأتم بها حفظ مختصر خليل حفظا متقنا، مع دراسة علوم الفقه والنحو، وبعد ذلك انتقل إلى مدرسة أولاد سيدي المعطي بأولاد أبي السبع، فأخذ عن العلامة المفتي سيدي عبد الله، قسطا من علم النحو والفقه، ثم رحل إلى مدرسة السعيدات التي مكت بها ثلاث سنوات، أخذ خلالها عن العلامة عبد القادر بن العربي، واخيه العلامة القاضي محمد الضو، وفي هذه المدرسة حصل على دراسة عليا... حيت صرد أمام شيخيه، دروس في الفقه والحديث، إذ صرد أمامهما حديث الإمام البخاري بكامله ثلاث مرات صردا متقنا وتفسيرا ملخصا.

ولتحفيز ابنه وتشجيعه على التحصيل المعرفي، أنعم القائد العربي على ابنه لما أتم حفظ مختصر خليل ب " دولة من الإبل " (عشرة رؤوس)، باعها واشترى بثمنها خزانة كتب من 400 مجلد، تضمنت خيرة المصادر في مختلف العلوم الفقهية والشرعية والتاريخ...وهي التي ساعدته على التحصيل، وبعد ذلك انتقل إلى مدرسة ابن يوسف بمراكش، التي مكث بها سنتين لدراسة العلوم، ثم انتقل إلى القرويين بفاس وأقام بالمدرسة البوعنانية. 

يقدم المسار التعليمي للسيد عبد الله، نموذج التعليم الذي كان سائدا بالمغرب والمدارس التي كانت منتشرة بالبوادي والمواد المدرسة، كما يقدم نماذج من مثقفي أسرتهم مثل: السيد المختار بلكوش خريج القرويين، إلا أنه توفي مبكرا، والحاج عبد الرحمان بلكوش المثقف العصامي.

ب ـ الأحداث التي ساهمت في التكوين السياسي للخليفة عبد الله بلكوش.

1 ـ فترة القائد العربي بلكوش: شكلت سنة 1929 حدثا بارزا في حياة عبد الله بلكوش، إذ استدعاه والده من مدينة فاس، وكلفه بعدة مهام، منها: الترتيب، والفصل بين المتقاضين، وتدبير شؤون فلاحة الأسرة، هذا إلى جانب مهمة التواصل مع السلطان.

المهام المتعددة التي أسندت للخليفة الفقيه، كما كان يناديه السلطان ، ينبغي وضعها في سياقها العام، المتمثل في ثقل المسؤولية التي بدأ يحس بها القائد العربي، نتيجة تدرجه في المناصب المخزنية، فمن منصب شيخ، سيتولى في سنة 1916م، منصب خليفة على قبيلة الزرة، وفي سنة 1918 عين قائدا على الزرة الشمالية ، مكان الخليفة بن ميه، وفي 02 نونبر 1919، عند وفاة القائد قاسم بلقاضي، انتقلت قيادته (الزرة الجنوبية) ، إلى القائد العربي بلكوش، وتلقى ظهيرا بذلك في 06 يونيو 1920، ثم أضيف له نصف أولاد يوسف عند عزل القائد إبراهيم ولد الحمري في 18 يونيو 1920.
فقيادة من الحجم الذي نتحدث عنه ، تتطلب موارد بشرية يثق فيها القائد كثيرا، ومن هنا كان في البداية تعيين القائد لابنه محمد خليفة ب " كشكاط " وبالنظر للوضع الذي أصبحت عليه هذه الأخيرة منذ 1929، والذي أصبح يفرض تواجد دائم لخليفة القائد هناك ، فقد أصبح لزاما على القائد الاعتماد على ابنه الثاني عبد الله الذي أسند له عدة مهام، والأكيد أن التكوين العلمي الذي تلقاه الابن عبد الله، سيمكنه من تدبير المهام التي أسندت له، وسيشكل سندا قويا لوالده.

فقد شهدت الفترة التي عمل فيها إلى جانب والده، مجموعة من الأحداث كانت أبرزها زيارة السلطان محمد الخامس للزاوية الخنوفة واستقباله من طرف القائد العربي سنة 1943، وقد لعب القائد وابنه عبد الله دورا أساسيا من أجل أن تتحقق هذه الزيارة، فقد استغلا رحلة السلطان إلى الجنوب، فقاما بزيارته بقصره العامر بمراكش، وطلبا منه أن يزورهم بمقر إقامتهم بالزاوية الخنوفة، ورغم ظروف الحرب العالمية الثانية، ومحاولة الفرنسيين حذف تلك الزيارة من برنامج رحلة السلطان، فقد قام السلطان بالزيارة متحديا إرادة الفرنسيين، وقدم له الخليفة عبد الله الحليب والثمر حسب العوائد المألوفة لدى الملوك والأمراء، كما توضح ذلك الصورة التي أخذت للسلطان عند مدخل دار القائد بلكوش، وخصص للسلطان رياض خاص، وكان المشرف على الاتصال بين الخليفة والسلطان، الكاتب الخاص للسلطان السيد أحمد بن مسعود.

2 ـ فترة القائد محمد بلكوش: بداية نؤكد أن تكوين المعرفي للخليفة عبد الله، وعمله إلى جانب والده، مكناه من اكتساب خبرة كبيرة في التدبير والتواصل، ونسج علاقات متعددة، دعمها تشبعه بالعادات والتقاليد المخزية. وهكذا سيتمكن إلى جانب أخيه، من لعب دور أساسي في تدبير المفاوضات وإنجاحها، من أجل أن تستمر القيادة في أسرة آل بلكوش، وذلك رغم العراقيل التي وضعت في طريقهما. كما ستظهر حنكة الرجل وتجربته السياسية، في مساهمته الفعالة في إنجاح زيارة السلطان محمد الخامس ل " لوي جانتي " سنة 1952، إذ وظف إلى جانب أخيه لإقناع السلطان، الحظوة التي كانت لوالدهما عنده، وعدم مشاركتهما في مناورة 51 الفاشلة ، وعند حصولهما على الموافقة، هيئا كل الترتيبات في ظرف وجيز، مقدمين بذلك نموذجا للوطنية الصادقة. ويعد رفض الخليفة عبد الله والقائد محمد، المشاركة في مؤامرة غشت 1953، وتحمل الاعتقال والنفي طيلة فترة نفي السلطان محمد الخامس، من ابرز المواقف التي سجلت للرجل.

وبعد عودة المغفور له محمد الخامس وأسرته من المنفى، وإصداره لظهير 9 فبراير 1956 القاضي بإرجاع المبعدين والمنفيين لوظائفهم التي كانوا يزاولونها في عهده، تقدم له الخليفة عبد الله بطلب من أجل تعيينه في منصب مستقل، فعين بسلك القضاء، واستمر يتدرج في المناصب القضائية إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1975، وفي سنة 1984، عين عدلا بالمحكمة الابتدائية بمراكش.

في سنة 2006 غادر الفقيه إلى دار البقاء، مخلفا أربعة ذكورهم: محمد أستاذ التعليم العالي متقاعد، عبد اللطيف مهندس بمديرية الإحصاء، محمد الحبيب بلكوش رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، شكيب أحمد منتدب قضائي بالمحكمة الإدارية بمراكش. وست إناث هن: أمينة، فاطمة، حفصة، سعاد، بشرة، مليكة.

ويبدو من المسار التعليمي للخليفة عبد الله، أنه كانت له رغبة جامحة في إتمام دراسته بالقرويين، والراجح أن طموح الرجل، كان أكبر بكثير من المسار الذي رسمه له والده، فعندما يعتذر الأب للابن على مسار رسمه له، ويطلب منه الصفح، أكيد أن طموحهما العلمي معا كان أكبر، والجميل أن المسار الذي اختاره الأب، صنع وطنيا غيورا شهما، متيما بثوابت الأمة.