الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ:الاعلام من التعتيم الى التضليل.. "الاتفاق الاجتماعي" نموذجا

جمال المحافظ:الاعلام من التعتيم  الى التضليل.. "الاتفاق الاجتماعي" نموذجا
في الوقت الذى كان المشاهدونوالمستمعون وجمهور القراء، يتابعون عبر وسائل الاعلام، ما أفضى له " الحوار الاجتماعي" اول أمس الخميس ( 25 أبريل الجاري) بالرباط، بين الحكومة والمركزيات النقابية والباطرونا، عاد إليهم رقيب سنوات السبعينات، ليقوم بمهامه وأفعاله السابقة، ويشهر في وجوههم،سلاح المقص من جديد ويمارس ب" كفاءة متناهية، ولكن بغباء كبير أيضا"، غير مكثر بأننا في زمن الثورة الرقمية، وليس "سنوات الرصاص" .
المناسبة، والمناسبة فرض كما يقال، وهي ما قام به هذا "الاعلام" من "ضرب الطم" أي الصمت المطلق وممارسة التعتيم على موقف احدى المركزيات الاكثر تمثيلية- كما يقال في دواليب رئاسة الحكومة ويردده الاعلام العمومي- في مناسبات الحوار الاجتماعي.
ليس الامر يتعلق هنا بتقييم نتائج الاتفاق الاجتماعي ،بقدر ما يطرح للنقاش تناول وسائل الاعلام لمجريات الحدث بمنابرها المختلفة، إذ يلاحظ على أن معالجتها غابتالضوابط المهنية التي تتطلبها التغطية الصحفية، خاصة على مستوى تقديم الرأي والرأي الآخر.
كما يلاحظ من خلال قراءة أولية "ساخنة" أن الحس المهني المطلوب في تناول المادة الاجتماعية من قبيل الحوار الاجتماعي الذى تعثر لأزيد من سبع سنوات، ولم يتم تمثله من لدن وسائل الاعلام من سمعية بصرية وورقية والكترونية، فضلا عن أن نفس المادة التي تداولتها كانت متشابهة في المضمون والاسلوب حتى يخيل الى المتتبع ان " رئيس تحرير" واحد من زود وسائل الاعلام هاته عمومية وخاصة.
بالمادة الصحفية التي تم تعميمها حول الحدث.
وبصفة عامة،جاءت التغطيات الاعلامية التي لم تستحضر السياقات العامة التي جاء في اطارها الاتفاق الاجتماعي، " باردة " في ظل وضع اجتماعي " حار"، اذ التزمت وسائل الاعلام على ما يبدو ب" تعليمات الحكومة" ولم تبارح مقر الاجتماع، الا بعد نقل تصريحات الاطراف الخمسة المشاركة في توقيع الاتفاق ( رئيس الحكومة رؤساء النقابات الثلاث والباطرونا)التيجاءت تعليقاتها متشابهة، الا من اضافات طفيفة.
وإذا كانت هذه التغطية " المخدومة" - حسب تعبير المرحوم القائد الاستقلالي امحمد بوستة ذات زمان ومكان- قد قامت بواجب التغطية ( لا نقصد هنا الصحفية)، فان وسائل الاعلام الحاضرةوالمتمترسة بمقراتها تنتظر التوصل ببلاغ الحكومة، فقد مارستبطريقة أو أخرى "التعتيم"، تجلياته الكبرى، هو اقصاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل،والتعتيم على موقفها بالانسحابمن اجتماع حضر رئيسها افتتاحه، وغادرهقبل أن تمهر على اتفاق الحوار الاجتماعي،الثلاثي الأطراف ل 25 أبريلوالذي ضم أعضاء الحكومة وممثلي الباطرونا وممثلي ثلاث مركزيات نقابية الاكثر تمثيلية ، وهى العبارة التي لم ترد في تغطيات غالبية وسائل الاعلام خاصة منها العمومية.
الا أن ما يثيرالاستغراب أيضا ، هو أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بدورهالم " تحتج " ولو ب" نقطة نظام" على اقصائها من التعبير عن موقفها في وسائل الاعلام العمومي، التي اكتفت بإدراج "مواقف" النقابات الثلاث الاخرى الموقع على الاتفاق الاجتماعي.
واكتفتالكونفدرالية، في هذا الصدد ببلاغ أصدره مكتبها التنفيذي، عبرت فيه عن أسفها لعدم اخذ الحكومة بعين الاعتبار كل القضايا الضرورية التي يجب تضمينها في اي اتفاق اجتماعي، مطالبة بصرف كل الإجراءات المتعلقة بتحسين الدخل ابتداء من فاتح مايالجاري، والالتزام بإحالة كافة القوانين الاجتماعية على طاولة الحوار الاجتماعي، فضلا عن إدراج مراجعة الضريبة على الدخل وإعفاء معاشات المتقاعدين من الضريبة في مشروع القانون المالي للسنة القادمة.
وارتباطا بهذا الأداء المهني لوسائل الاعلام، جدير بالتذكير بما دبجه في 21 مارس 1998، المرحوم محمد العربي المساري في وثيقة نادرة عنونها ب"وقفة تأملية في أمر مهني.. يتعلق بكيفية تدبير نشرة الأخبار"بالاعلام العمومي، بمناسبة ترؤس بصفته وزيرا للاتصال، اجتماعا مع أعضاء هيئة تحرير السمعي البصري العمومي، والذى اعتبر فيه أن نشرة الأخبار في الإذاعة والتلفزيون العموميتين في "حاجة إلى مراجعة جذرية"، في مقدمتها العمل على سيادة "إعلام الحقيقة"، الذى قال عنه أنه يشترط أن "نكف فيه عن التنويم والتعتيم، ولسان الخشب" مع التمييز بين حدين: "كيف لا تقع في طمس الواقع؟، وكيف تتجنب التهويل"-
وإذا كانت المادة الخبرية، التي هي كل معطى يساعد الجمهور على التفاعل بكيفية واعية مع محيطه، فان المساري، حذر من أنه إذا لم يتم الانتقال إلى المستوى المهني المطلوب، "فسيأتي وقت يكون فيه المذيع يخاطب أهل بيته وهم ينتظرون عودته إلى المنزل"، في اشارة الى هجرة المشاهدين الى قنوات أجنبية،يوضح وزير الاعلام الذى غادر دواليب حكومة زمن التناوب الذى لم يحدث حسب ما دونه الاستاذ عبد الواحد الراضي، في مذكراته " المغرب الذى عشته".
يشار الى ان الاتفاق وقعه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وكل من الاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، بصفتها مركزيات نقابية أكثر تمثيلية.وينص على إجراءات وتدابير تهم بالأساس تعزيز الحماية الاجتماعية، وتحسين مجال التشريع والحريات النقابية، ومأسسة الحوار الاجتماعي، والعمل على وضع ميثاق اجتماعي يحقق التماسك والسلم الاجتماعيين،
فضلا على الزيادة العامة في الأجور بغلاف مالي إجمالي يبلغ 2.5 مليار درهم خلال هذه السنة ليصل إلى 7 مليار درهم سنة 2021 ينص - حسب الموقعين عليه-أيضا على الزيادة في التعويضات العائلية لحوالي 400 ألف موظف بغلاف مالي سنوي يصل إلى (1 ) مليار درهم وإحداث درجة جديدة للموظفين المرتبين في السلاليم الدنيا وتحسين شروط الترقي لفئات بقطاع التربية الوطنية، وهو إجراء سيهم أكثر من 24 ألف موظف بغلاف مالي يتجاوز 200 مليون درهم".علاوة على الزيادة في الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص (قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات، والقطاع الفلاحي)، وذلك بنسبة 10% على مدى سنتين والزيادة في التعويضات العائلية لأجراء القطاع الخاص.
وإذا كان الامل معقود في ان يساهم هذا الاتفاق- حسب ما قاله رئيس الحكومة سعد الدين العثماني خلال مراسيم التوقيع عليه- في " إرساء قواعد السلم الاجتماعي، وفي تحسين الأوضاع الاجتماعية ببلادنا، وتقوية الاقتصاد الوطني من خلال مناخ اقتصادي واجتماعي سليم"، فان نساء ورجال الاعلام، ينتظرون وبحرقة أن تتوفر لهم بيئة اعلامية سليمة، تساعدهم على ممارسة مهنة الصحافة بحرية واستقلالية، وحتى لا يظلون يشعرون،بأنهم موظفين في مؤسسات للدعاية والتوجيه أكثر منهم صحافيين يمارسون مهنة ضمير ، كما جاء في الكتاب الاخير للزميل محمد البقالي أحد طيور الصحافة المهاجرة ، بعنوان " سؤال المهنية والايديولوجيا في الصحافة.. الحالة المغربية أنموذجا".
كما أن استقلالية أية وسيلة اعلام، لا يمكن أن تتحقق بشكل واضح وسليم، إلا إذا رافقتها استقلالية الصحفي نفسه، فالصحفيين هم من يصنعون الاستقلالية، وذلك عبر مقاومة كل أنواع وأشكال الضغوط، التي تمارس عليهم، فضلا رفضهم الانصياع لتوجيهات خارج هيئات تحريرهم منها المشاركة في التعتيم والتضليل، على الرغم أن الاعلامي إذا كان جاز له أن يكون "موظفا"، فيتعين أن يلتزم بأن يكون موظفا للحقيقة وللمهنة ولأخلاقياتها .
جمال المحافظ: كاتب صحفي