قد يبدو عنوان المقال للوهلة الأولى غريبا،إذ كيف يمكن للمشكلات البيئية أن تؤجج وتغذي الحركات الاحتجاجية في مختلف دول العالم ،و ما يستتبع ذلك من تأثير على الاستقرار الاجتماعي والسياسي ،والحال أن الحركات الاحتجاجية غالبا ما ترتبط بمطالب يكون قوامها المطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية وكذا تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
إن كان هذا الطرح وجيها من عدة جوانب،فإن الواقع المعاش اثبت بما لا يدع مجالا للشك ،إن المشاكل البيئية يمكن أن تسهم بشكل أساسي في ظهور حركات احتجاجية ،لا سيما في دول العالم الثالث حيث تبرز إشكاليات كبيرة تتعلق بتدبير النفايات ونقص الموارد المائية وغياب سياسات ناجعة تهم المشاكل المطروحة.
و في هذا الصدد يمكن استحضار الاحتجاجات التي عرفتها مدينة اسطنبول التركية سنة 2013 بسب قرار الحكومة هدم منتزه" جيزي "، والأزمة اللبنانية سنة 2015 بعد تكاثر النفايات في العاصمة اللبنانية بيروت،إضافة للاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن المغربية سنة 2017 بسبب النقص الحاد في المياه.
تركيا: احتجاجات ميدان تقسيم سنة 2013
بدأت احتجاجات ميدان تقسيم بعد قيام مجموعة من الناشطين البيئيين بالاعتصام بحديقة" جيزي" قرب ميدان تقسيم وسط مدينة إسطنبول التركية. وذلك رفضا لمشروع الحكومة التركية الرامي لتحويل المنتزه الى مركز عسكري وسوق تجاري ضخم.
لم يحظى هذا الاعتصام في بدايته باهتمام كبير، غير أن تدخل قوات الشرطة لفض الاعتصام، أدى الى تسليط الضوء على هذه القضية والترويج لها محليا ودوليا .
و بعدما حظيت هذه القضية بتغطية إعلامية واسعة، ازداد عدد المشاركين بشكل كبير وانتقلت الاحتجاجات من مدينة اسطنبول الى مدن تركية أخرى ،ما وضع الحكومة التركية في مأزق سياسي كبير جعلها تفتح حوارا مع المحتجين لتلقى مطالبهم، وقد كان ابرز ما تضمنته لائحة المطالب التي تقدم بها المحتجون هو تراجع الحكومة عن تدمير منتزه جيزي والحفاظ على المساحات الخضراء بالمدينة.
لبنان:أزمة القمامة في بيروت سنة 2015
عرفت لبنان سنة 2015 أزمة سياسية كبيرة حظيت باهتمام وتغطية واسعة من قبل المنابر الإعلامية الوطنية والدولية، كادت تطيح بالعديد من الوزراء بل وبحكومة تمام سلام أنداك بأكملها.
وتعود فصول هذه الأزمة الى خروج الآلاف من المتظاهرين في العاصمة اللبنانية بيروت مطالبين المسؤولين بحل أزمة نقل النفايات .التي أدى تكدسها في العاصمة اللبنانية الى انتشار روائح كريهة ونثنة في شوارع وأزقة المدينة ،إذ قدرت النفايات المكدسة في الطرقات والمصبات العشوائية نحو 20 ألف طن من الازبال .
هذه المظاهرة سرعان ما تطورت، وأصبحت تنادي باستقالة الحكومة اللبنانية ووزير البيئة أنداك نهاد المشنوق. إذ تعدت الأزمة مسالة النظافة والروائح التي تنبعث من الازبال المتراكمة ، لتصبح عنوانا لازمات سياسية كثيرة ، كما أدت الى اصطدام المتظاهرين بقوات الأمن الشيء الذي خلف العديد من الإصابات في صفوف رجال الأمن والمتظاهرين على حد السواء.
المغرب: أزمة الماء بزاگورة سنة2017
عاشت مدينة زاگورة سنة 2017 على إيقاع احتجاجات عارمة عرفت إعلاميا" بثورة العطش" إذ خرجت ساكنة المدينة في مسيرات احتجاجية للمطالبة بالحق في الاستفادة من الماء الصالح للشرب.
هذه المظاهرات سرعان ما انتقلت الى عدة مدن مغربية أخرى كمدينة اليوسفية والقنيطرة نتيجة للانقطاعات المتكررة للماء الصالح للشرب في بعض المناطق وامتزاج الماء الصالح للشرب بالماء المالح في مناطق أخرى.
وعودة لمدينة زاگورة التي انطلقت منها الشرارة الأولى لهذه الاحتجاجات،فقد أسفر التدخل الأمني عن اعتقال العديد من المتظاهرين ،لتتم متابعتهم من النيابة العامة بعدة تهم ، ليتم الحكم عليهم فيما بعد بعقوبات مختلفة.
إن المتتبع لبعض الأزمات الاجتماعية ليسجل لا محالة غياب دور الفاعل السياسي والحزبي في لعب دور الوساطة، وكلما ازدادت أزمة الوساطة كلمات اتسعت دوائر الاحتجاج.
لكن هل تنطبق أزمة الوساطة هذه على "الحركات الاحتجاجية البيئية" في المغرب. ؟
يمكن القول على أن أزمة الوساطة في بلادنا لا تختص فقط بالاحتجاجات الاقتصادية والاجتماعية، بل حتى بالاحتجاجات البيئية.غير أن هذه الأخيرة تعكس أزمة أخرى وهي أزمة السياسات العمومية في المجال البيئي.غير انه ينبغي الاعتراف هنا بان الأزمة البيئية في المغرب هي ارمه متعددة الأوجه تتداخل فيها جملة عوامل وأسباب من بينها غياب سياسات عمومية فعالة في هذا المجال. ولعل أزمة المياه في مدينة زاكورة خير دليل على ذلك. وهو ما جعل الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 19 لعيد العرش يطالب الحكومة والمؤسسات المختصة باتخاد تدابير استعجالية وتعبئة كل الوسائل المتاحة لمعالجة الحالات الطارئة المتعلقة بالنقص في تزويد السكان بالماء الصالح للشرب،مشددا على أن المخطط الوطني للماء يجب أن يعالج مختلف الإشكالات المرتبطة بالموارد المائية
غير إن أزمة المياه هذه لم تكن الأزمة الوحيدة التي خلفت غضبا شعبيا ، إذ كان المغرب قد عرف نقاشا واسعا ومحتدما حول واقعة استيراد آلاف الأطنان من الازبال الايطالية والتي تزامنت مع اقتراب موعد استضافة المغرب للقمة العالمية للمناخ.وعلى اثر هذا الغضب الشعبي تم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق أصدرت تقريرا بهذا الخصوص.
إن كثرة الاحتجاجات البيئية في السنوات الأخيرة، تنذر بظهور حركات بيئية في العديد من الدول العربية، على غرار الحركات البيئية في دول أوروبا التي باتت فاعلا مؤثرا في الحياة السياسية، الشيء الذي يستدعي الكثير من الاهتمام بقضايا البيئية ومعالجة الإشكالات المرتبطة بتدبير النفايات وكذا نقص الموارد المائية وغيرها من الإشكاليات البيئية.
عثمان اشريبة، باحث وعضو بمركز الدراسات والأبحاث للبيئة والتنمية المستدامة