الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أحمد رباص:المقاربة النظرية والبيروقراطية لمطلب التربية على القيم باءت بالفشل

أحمد رباص:المقاربة النظرية والبيروقراطية لمطلب التربية على القيم باءت بالفشل

تعرضت المدرسة المغربية، إلى جانب المؤسسات الأخرى المهتمة بالتنشئة الاجتماعية، لكثير من القصف في وسائل الإعلام الوطني بكل حواملها وكذا في مواقع التواصل الاجتماعي؛ وذلك ضمن اللغط الذي أثارته الأفعال الإجرامية التي اقترفها مؤخرا مجموعة من الفتيان المغاربة، وأقصد بها قصة أولاد سيدي قاسم مع الحمارة الموبوءة وقضية اغتصاب الشابة المعاقة في الطوبيس من قبل شبان منحرفين. من السهل اتهام المدرسة بتقصيرها في تربية التلاميذ على القيم والاختيار بين الحسن والقبيح، ولكن من الصعب التحلي بحس نقدي يضع النقط على الحروف ويحدد الجهات المسؤولة عن ذلك التقصير حتى لا يتهم الأبرياء ظلما وعدوانا.

ولعل أشد ما في الصعوبة المومئ إليها أعلاه أن الإشكالية المراد تناولها في هذا الحيز تستدعي اللجوء إلى عدة وثائق موزعة بين الميثاق الوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض، فضلا عن التوجهات العامة لوزارة التربية الوطنية المضمنة في مجموعة من المذكرات. لكن النتيجة التي أريد الوصول إليها بعد اجتياز تلكم العقبة الكأداء هي أن الآدبيات المكتوبة، مهما راق أسلوبها، ليست وحدها كافية لتحقيق المراد منها ما لم يسبقها أو يواكبها اهتمام بالمدرسات والمدرسين لتكوينهم باسستمرار وتحسين وضعياتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية. مثلا، هل ننتظر من مدرس مهزوز نفسيا وعقليا واجتماعيا ومأزوم اقتصاديا أن يفعل الخطاب المنزل في هذه الأدبيات؟

لنر باختصار ما جاء في الميثاق الوطني من باب التربية على القيم . في هذا المقام، نجد أن الوثيقة إياها نصت على أهميتها (القيم) من خلال فقرات أربع وقع التركيز في إحداها على مبادئ العقيدة الإسلامية وقيم إيجابية تهدي إلى الاستقامة والاعتدال والتسامح والانفتاح على آفاق العلم والمعرفة. وفي الفقرة الثانية أُشيرَ إلى أن النظام التربوي للمملكة ملتحم بكيانها العريق القائم على توابث ومقدسات يمكن اختصارها في شعار "الله، الوطن، الملك". ويرجى من الثباث على هذه الأقانيم أن يكون مقترنا بالرغبة في المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص، مع الوعي بالحقوق والواجبات وإتقان العربية، اللغة الرسمية للبلاد، تعبيرا وكتابة، و الانفتاح على اللغات الأكثر تداولا في العالم، والتشبع بروح الحوار، وقبول الاختلاف، واعتماد الممارسة الديمقراطية، في ظل دولة الحق القانون.

جاء في الفقرة الثالثة أن نظامنا التربوي متأصل في التراث الحضاري والثقافي للمغرب، بتنوع روافده الجهوية المتفاعلة والمتكاملة. وغايته التي يصبو إليها حفظ هذا التراث وتجديده وضمان الإشعاع المتواصل لما يحمله من قيم خلقية وثقافية. أما في الفقرة الرابعة والأخيرة، فقد تم التأكيد على أن نظامنا التربوي يندرج في حيوية نهضة البلاد الشاملة، القائمة على التوفيق الإيجابي بين الوفاء للأصالة والتطلع الدائم للمعاصرة، وجعل المجتمع المغربي يتفاعل مع مقومات هويته في انسجام وتكامل، وفي تفتح على معطيات الحضارة الإنسانية العصرية وما فيها من آليات وأنظمة تكرس حقوق الإنسان وتدعم كرامته. ولاداعي لإيراد ما تضمنه الكتاب الأبيض في موضوع القيم لأنه بكل بساطة يعيد في صورة مختزلة ما جاء به الميثاق الوطني.

ولم يبق إذن سوى التطرق للتوجهات العامة لوزارة التربية الوطنية التي أصدرت مجموعة من المذكرات الهادفة إلى تعزيز التربية على القيم في الوسط المدرسي. هناك أولا المذكرة رقم 177 الصادرة في 25 أكتوبر 2002 في موضوع تعميم منهاج على حقوق الإنسان، وتنص على:
- دعم ونشر وترسيخ حقوق الإنسان عبر المناهج التعليمية؛
- تشجيع التلاميذ على اتخاذ مواقف وسلوكات تعبر عن وعيهم بحقوقهم والدفاع عن حقوق الغير؛
- تعزيز الممارسات التربوية الديمقراطية التي ينبغي أن تنعكس بشكل أكثر إيجابية على طرائق التدريس، وعلى العلاقات التربوية بين مختلف مكونات الوسط التربوي؛
- مساعدة المتعلمين والمتعلمات على تجاوز العوائق الذاتية إزاء ثقافة حقوق الإنسان والانفتاح العقلي والوجداني على على مبادئها وقيمها؛
- مراعاة خصوصيات منهاج التربية على حقوق الإنسان بوصفه منهجا مندمجا يقوم على أساس منطق إكساب الكفايات وتنمية القدرات.
وهناك أيضا المذكرة رقم 15 الصادرة في 1 فبراير 2001 وهي متعلقة بمحاربة الرشوة، ونظيرتها تحت رقم 167 الصادرة بتاريخ 31 دجنبر في الموضوع نفسه. ثم هناك المذكرة رقم 42 الصادرة في 12 أبريل 2001 المتعلقة بتفعيل الأندية التربوية.

هل يظن الماسكون بزمام السلطة التربوية في الإدارة المركزية وفي مصالحها الخارجية الجهوية والإقليمية أنه يكفي لإنجاح استراتيجية التربية على القيم إصدار توجيهات ومذكرات للمدرسات والمدرسين تحثهم فيها على التطبيق الحرفي لمضامينها ومقتضياتها؟ كيف يستمرون في معانقة هذا الوهم والمعنيات والمعنيون بالتنفيذ يعانون من الفراغ البداغوجي منذ أن أمر الوزير الوفا بالتوقف عن العمل بمقاربة الكفايات وبداغوجية الإدماج. ألم يساهم هذا القرار الوزاري في إقناع المدرسين والمدرسات بالطابع الارتجالي لعمل وزارتهم الوصية وبقدان الثقة في كل ما يصدر عنها من منشورات ومطبوعات؟ بالطبع، تبقى لهذه الوثائق صلاحية وحيدة بالنسبة للانتفاعيين منهم الذين عليهم حفظها عن ظهر قلب ليجتازوا بنجاح الامتحانات المهنية ومقابلات تغيير الإطار..

ما يشهد على فشل هذه الاستراتيجية للتربية على القيم السلوكات المنحرفة المشينة التي تصدر عن أطفالنا عندما يخرجون إلى الشارع: تحرش جنسي مع أن مذكرة وزارية صادرة عام 2015 اعتبرته شكلا من أشكال العنف، اعتراض سبيل المواطنين في هيئة "مشرملين" بغرض السطو على ممتلكاتهم أو الاعتداء في حالة امتناعهم ومقاومتهم، التتلفظ بعبارات مخلة بالحياء العام، المساهمة في شغب الملاعب إلى جانب الكبار من مجانيني الكرة...إلخ

ضمن اللغط المشار إليه في الفقرة الأولى من هذا المقال ورد أن أولاد سيدي قاسم الذين "ركبوا" على الحمارة لإشباع نزوتهم التي لم تكن عابرة بسلام هذه المرة ضحايا غياب التربية الجنسية التي من المفترض أن يتلقاها المتمدرسون أثناء تواجدهم بالمدرسة. أقول لمن كان هذا رأيه إن إن إدماج التربية الجنسية في المنهاج التربوي لا زال بعيدا عن منظور أصحاب القرار في الوزارة التي يبدو من خلال اسمها الكامل الرسمي أنها تعتبر التعليم جزءا من التربية بالنسبة للمراحل السابقة على التعليم العالي. وفي انتظار وعي هؤلاء المسؤولين بأهمية التربية الجنسية، يعرب كافة المدرسين والمدرسات عن استعدادهم لتفعيلها شريطة أن يتلقوا تكوينا متينا وشاملا في شأنها.