الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد اللطيف برادة: رقصة الغجري المنشق عن القبيلة

عبد اللطيف برادة: رقصة الغجري المنشق عن القبيلة عبد اللطيف برادة

يقف الغجري على الرصيف يتفكر في الرغيف وغلاء المعيشة

شيء يشغل ما تبقي من مساحة عقله التأمل في القضايا العليا

مشاريع الدنيا قد طغت على مشاعر القلب

كدلك التفكر في هذه المدينة والحي الدي كان يقطن فيه وذكريات الطفولة

كلها أشياء كانت تأخذ بلب عقله فتجعله يذوب في دوران الفكر الى درجة الجنون

آه، ما مئال المدينة التي اندثرت فيها المحبة وأصبح فيها المال الاله الأوحد الدي يعبد من دون شريك

اعتقاده ان لا شيء سيدوم الا وجه الله

مهما علت البنايات وناطحت السحاب لا شيء سيدوم

اينها بابل وبغداد العباسية

حتى غرناطة الجوهرة الاندلسية فقدت روعتها عندما تشتت الاهل ودهب المجد

لا شيء سيدوم الا بعض من الذكرى والالم

مع تعقب الأجيال تتغير الاحكام

ومع تحرك العقارب تتغير الأزمنة

فالوزير يحال الى التقاعد فيتولى مكانه موظف بائس

حتى الأرملة وان كانت تحتفظ بصولجان الملكة تنحني للملكة الجديدة

الحياة تبدو قاسية احيانا كالريح في شواطئ المدينة

كان يحب ان يشتم النسيم بالطبع ومن ثم نظرة الموج المتناغم

يحب كدلك تشابك الأمواج مع الرياح والرمال

يشعر في بعض الأحيان انه مجرد غريب في المدينة

كما يحبذ ان يذهب للمهرجانات الحضرية حيث تتكاثر النساء

النساء تبدو له أكثر جمالا من دون تبرج وأكثر جمالا من دون الياقات والاحجار الكريمة

يسر لتدوق الجلسة معهن

كان شانه في الغربة كالقارب الدي يغرق يتقلب في لج البحر

أحيانا كانت الموجات قوية والتنبيهات تأتي من كل جانب

كالقارب الوحيد كان يواجه الأمواج العتية

ومن بعيد يلوح من حين لأخر للأقارب بالأخبار

كان يعتقد انهم سوف يأتون يوما لزيارته هم وبقية الأحباب

ففي الغربة يمحو الحنين كل الجراح والفوارق

الغرباء يقول كالملاحين لهم القدرة على كشف سر الألوان ولغز الاسرار

التأمل رياضته المفضلة ومن اجلها كان يضحي بنومه

كل الليالي كانت تبدو له كالأحلام

القمر كان يسطع في تألق بين النجوم الامعة كالأسهم

وكل شيء كان يبدو له غريب

في حين كان الوضوح مدهش وغريب في كتاباته الليلية

يدكر في تلك الليالي بلده بكل نضج وشفافية

كلماته كلها تتابع في دروتها وبدورها تتولد في حلقات متتابعة

الاحرف المتمردة تبدو كشفرات معقدة في سماء النهار

ليلته كانت جميلة يستسلم فيها للراحة

اما ليلتهم فهي كلها لحظات عابرة

لا سعادة بدون حب

لا زال هو بنفسه كما كان لم يتغير

ولا زال الحب والمنفي أحب الأشياء اليه

لا يزال يتذكر

لقد اختار الابتعاد بدل المتعة

مرت السنين بعيدا عن الثقافة دون ان يتأسف عن شيء

اليوم تغيرت المشاهد

أصبح مثل قوم الغجر

يحب العيش بعيدا عن الزحمة وان يقارن نفسه بهم عندما يمتلكه الكسل

 

 

أصبح منشق عن اهل الكهف والمنغمسين في التيه والتباهي بالشيء القليل

لا يتأسف ابدا عن الأيام التي تغيرت

اشعت الراس يحمل سلسلة ضخمة وتقيله على عنقه

منشق عن اهل الكهف لا يجالس أحد

يحب ان يتكلم عن الفقراء أيام زمان عندما كان الفقراء فقراء

وعن الشعب في أيام كان الشعب له قيم الأرض وسحنة السماء الزرقاء

يحب الحياة عندما كان لها طعم الرقص

الان يقول لقد أصبح لها مداق المرارة

ولهدا ستجده يرقص كي يعطيها طعم يشبه الملح

لقد انشق عن اهل الكهف وعن الأحزاب التي كان لها دور الطليعة وهي الان تبحث سوى عن الغنيمة

يحب الان هدير الموسيقى والرقص على مفترق الطرق

يمشي في القرى يتسلل بحدر في الحشد

يمشي يتغنى غير مكترث بما يقال عن شعره الأشعث

يأخذ الدف ويرقص على إيقاع الأغاني العجرية الى غسق الليل

ولا يسترخي ابدا

ينغمس في الرقص الى درجة الابتهال.