السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: نتنياهو في المغرب.. إشاعة مفبركة، هل هي للإحراج أم جس نبض للمزاج؟

عبد القادر زاوي: نتنياهو في المغرب.. إشاعة مفبركة، هل هي للإحراج أم جس نبض للمزاج؟ عبد القادر زاوي

روجت العديد من المنابر الإعلامية المحلية والدولية، نقلا عن مواقع إسرائيلية، خبرا غير صحيح لحد الآن، مفاده أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتزم القيام بزيارة للمغرب عشية انتخابات الكنيست الإسرائيلي المزمع إجراؤها في شهر أبريل المقبل.

 

وقد اختلفت التبريرات لهذه الزيارة المزعومة بين من يرى أن نتنياهو يسعى إلى تحقيق ما يسميه هو شخصيا بضرورة تحسين العلاقات مع دول العالم العربي والإسلامي التي يتهددها الخطر الإيراني، وذلك استغلالا للفورة التي حدثت من جراء زيارتيه التاريخيتين لكل من سلطنة عمان وتشاد، وبين من يفسرها ببحث زعيم الليكود عن دعم انتخابي من اليهود الشرقيين "السفارديم" وخاصة أولئك المنحدرين من أصول مغربية، الذين ما زال للكثير منهم روابط حنين مع موطنهم الأم.

 

وإذا كانت الجهات الرسمية المغربية قد التزمت الصمت طويلا قبل أن تعمد الحكومة إلى تفنيد الخبر، والإعلان على أنه مجرد إشاعة غير صحيحة، وأن الجانب الإسرائيلي لم يتحدث هو الآخر عن الموضوع بشكل رسمي؛ فإن جدلا واسعا ثار في الآونة الأخيرة بشأن هذه الزيارة المزعومة بين مناهضين لخطوة كهذه من حيث المبدأ، وبين مرحبين بها ولو على خجل وبصوت خافت لحد الآن.

 

ينطلق المناهضون لمثل هذا الحدث وغيره من مواقف مبدئية ترفض أي تطبيع مع الدولة العبرية باعتبارها كيانا عنصريا غير شرعي تأسس على احتلال أراضي الشعب الفلسطيني وتهجيره من دياره. ويعتمد هؤلاء على تعاطف عام تجده أنشطتهم وتحركاتهم لدى شرائح واسعة من الرأي العام، وداخل النخب السياسية والإعلامية. ومع ذلك فإن تأثيرهم في القرار السياسي للدولة بالنسبة لهذا الموضوع محدود جدا إن لم يكن منعدما كما دلت العديد من تجارب الماضي.

 

أما المرحبون وهم مجموعة أصوات خافتة لحد الآن وغير مهيكلة في تنظيم معروف فيلجؤون إلى سياسة الترويج للتقارب والتطبيع مع الدولة العبرية كتابة وبأساليب وطرق غير مباشرة أحيانا، مركزين على ترديد ما يعتبرونه مزايا الانفتاح على إسرائيل من قبيل الحديث مؤخرا وبشكل متواتر عن تطور التبادل التجاري بين البلدين، وميل الميزان التجاري لصالح المغرب، ومن قبيل التذكير بقوة التكنولوجيا الإسرائيلية وضرورتها خاصة لتطوير الفلاحية المغربية.

 

ولكن هذا التيار يجد ضالته الأساسية في محاولة دغدغة مشاعر المغاربة واللعب على الوتر الحساس لقضية الصحراء المغربية، وذلك بالترويج إلى ما يسميه إمكانية توظيف زيارة كهذه إن حصلت في الاستفادة من نفوذ الأصوات اليهودية والصهيونية في دواليب الإدارة الأمريكية لفائدة الوحدة الترابية للمملكة.

 

في هذا الصدد، ورغم أن الحكومة كذبت خبرا يدعي أن لقاءا جرى بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والسيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي بنيويورك على هامش أشغال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وأن أي إعلان رسمي لم يصدر بشأن لقاء آخر جمع في الرباط الوزير المغربي مع  وفد من جماعة ضغط يهودية مرتبطة بالحزب الجمهوري، فإن البعض لم يتردد في اعتبار أن هذين اللقاءين يدخلان في سياق جهود مغربية لوأد أفكار قد يكون مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي جون بولتون بصدد بلورتها والسعي إلى فرضها كحل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

 

وللتمهيد لتمرير فكرة كهذه يردد هؤلاء على سبيل اليقين بأن كل الدلائل والمعلومات المتوفرة تشير إلى أن أفكار المسؤول الأمريكي لا تساير أطروحة الحكم الذاتي المغربية، التي سبق للمجتمع الدولي والأمم المتحدة بكافة مؤسساتها اعتبارها جدية وذات مصداقية. ويستند هؤلاء على التجربة المريرة التي كانت للمغرب مع السيد جون بولتون ودوره في صياغة ما كان يسمى آنذاك "مخطط بيكر 2"، وذلك عندما كان مساعدا للسيد جيمس بيكر حين كان هذا الأخير مبعوثا للأمين العام الأممي حول الصحراء المغربية.

 

ومع ذلك فإن مثل هذه التأويلات أو حتى المبادرات، إن صحت، لا ينبغي الركون إليها. فاستنادا إلى تجارب مماثلة حدثت في الماضي، فإن أي لقاءات رسمية علنية ومن مستويات عالية مع مسؤولين إسرائيليين باختلاف انتماءاتهم الحزبية لم تخدم سوى هؤلاء المسؤولين، فيما سببت مشاكل للمغرب في محيطه العربي والإسلامي مثلما حدث سنة 1986 عند استقبال شمعون بيريز في إفران، الذي كان سبب قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وقتها، والذي منح الفرصة للجزائر أثناء احتضانها مؤتمرا لمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1988 بفرض حضور ممثلي مرتزقة البوليزاريو في ذلك المؤتمر؛ الأمر الذي أدى إلى قطيعة مغربية فلسطينية من حسن الحظ جرى سريعا احتواؤها وتجاوز آثارها.

 

ولم تشذ عن هذا المنحى المبادرة المغربية سنة 1994 باستضافة أول مؤتمر اقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي أريد له أن يكون دعامة مادية لعملية السلام الشاملة التي انطلقت مع مؤتمر مدريد 1991 بمساريه الثنائي والمتعدد الأطراف؛ ثم بالإقدام على تبادل فتح مكاتب الاتصال مع إسرائيل في كل من الرباط وتل أبيب.

 

ورغم أن الخبر لا يزال مجرد إشاعة، فمن غير المستبعد وجود مساعي إسرائيلية سرية لإتمام زيارة كهذه، لأن نتنياهو يتوق إلى أن يكسر بها احتكار حزب العمل الإسرائيلي للاتصال بالمغرب، ولأنه يفكر مليا في العديد من المكاسب المعنوية التي سيجنيها وهو يحظى بشرف لقاء رئيس لجنة القدس، والتي سيوظفها في معاركه السياسية الداخلية والخارجية، وما أدراك ما ضراوة صراعاته المقبلة خصوصا حول السيادة على القدس في أفق الإعلان المرتقب قريبا لما سمي بصفقة القرن للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وما يتطلبه تمريرها من دعم عربي وإسلامي واسع، وخاصة إذا كان ذلك الدعم من دول ذات مصداقية كبيرة على الساحة العربية والدولية.