السبت 27 إبريل 2024
مجتمع

جعفر: ملف "الخمور" بالمغرب يؤكد على أن الدولة تحتاج اليوم إلى نفس جديد للحريات

جعفر: ملف "الخمور" بالمغرب يؤكد على أن الدولة تحتاج اليوم إلى نفس جديد للحريات سعيد جعفر

يمكن الحديث عن أن اقتصاد الخمر بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا ودراهم، بفضل عائداته الضريبية التي تعد من أهم الروافد التي تنعش  خزينة الدولة، حيث تمثل ضرائب الخمور لوحدها دخلا سنويا سمينا يقدر ب 127 مليار. بالمقابل مازالت الحكومة الإخوانية بزعامة رئيسها سعد الدين العثماني تتبنى "مذهبية التحريم" وخطابا أخلاقيا اتجاه تجارة الخمور التي ينتظر أرباحها من الحكومة " الملتحية " أن ترفع سياسة " الحظر " الأخلاقي عن اقتصاد مهيكل يقتات منه الوزراء وكبار الموظفين وصغارهم، الأصوليون منهم واليساريون. في هذا السياق أوضح الفاعل المدني الأستاذ سعيد جعفر، في حوار مع " الوطن الآن " و " أنفاس بريس" حول ملف الخمور، بأن  مؤسسة الاقتصاد المغربي تحتاج إلى نشاط تجاري اسمه في نهاية المطاف بيع الخمور للاستفادة من عائداته وضرائبه كنشاط تحتاجه الدولة الحديثة، بل أنه هو المحرك لنشاط أعم وهو نشاط الخدمات والسياحة"، لكن بالمقابل يقول الأستاذ جعفر من المفروض انخراط  الوسطاء الذين لهم دفتر تحملات مع الدولة كالأحزاب السياسية،  للإنخراط عمليا في فتح نافذة الحريات.

+ حكومة "الإسلام السياسي" اعتمدت في تبويب ميزانيتها على ضرائب الخمور ( 127 مليار)، ومع ذلك تروج لخطاب أخلاقوي، تجرم وتحرم وتدين بيع وتناول الخمور. كيف تقرأ هذه الثنائية المتناقضة التي طبعت أسلوب تدبير الشأن الوطني ؟

ـ لما نتكلم عن بنية وعقيدة الدولة ككل، يبرز نوع من التوتر بين بنيتين ، بنية المحافظة والتقليدانية التي يمثلها الحقل الديني بكل عناصره، وفي نفس الوقت فإن هذه البنية فيها مستوى ثاني يتمثل في بنية الحداثة التي تمثلها مؤسسات الدولة على جميع المستويات. إذا هناك بنية هجينة، لأن الاختيار بين منزلتين، يا إما في اتجاه الدولة الدينية حصرا، أو نتجه نحو الدولة المدنية حصرا، وهذا التوتر القائم في البنية ينعكس أوتوماتيكيا بشكل تأصيلي على جميع السلوكيات، بما فيها القوانين .

بناء وقياسا على هذا التوتر داخل بنية عقيدة الدولة، نلاحظ أن القانون بدأ يترنح بين هذه الثنائية، فالمؤسسات بما فيها مؤسسة الاقتصاد تحتاج إلى نشاط تجاري اسمه في نهاية المطاف بيع الخمور للاستفادة من عائداته وضرائبه كنشاط تحتاجه الدولة الحديثة، بل أنه هو المحرك لنشاط أعم وهو نشاط الخدمات والسياحة.

الجزء الآخر في البنية الذي يمكن أن يعطي شرعية معينة بالنسبة للنظام السياسي بشكل عام، يجد نفسها في تناقض لما تطرح عملية التحريم، هنا يطرح سؤال يرتبط بأسلوب وبكيفية اشتغال الحكومات وتعاطيها مع مثل هذه الملفات.  فقد عشنا مع حكومات ذات توجه ليبرالي قبل حكومة التناوب، لم يكن هناك مشكل مطروح في توزيع وعاء الحريات وفي نفس الوقت وعاء العائدات الضريبية، كانت الأمور تسير بشكل عادي، ومع حكومة التناوب حافظنا على منسوب الحريات في بيع الخمور وفي الأماكن التي تحتاج مجالا للحرية الشخصية أكبر، مثل حرية التذوق واحتساء الخمور، وحرية الجسد إلى غير ذلك.

+ لماذا في نظرك هذه الحكومة تحرم الخمور وتحلل عائداتها الضريبية؟

مع حكومة ما يسمى بشكل ما "بالحكومة الإسلامية"، لاحظنا أن طرفا حكوميا يؤول البنية المحافظة والتقليدية في الدولة وفق مقاساته ووفق موازين القوى. هذا الطرف يريد عائدات ضريبية أكبر، ولكن في نفس الوقت يستعملها كورقة انتخابية باعتبار أنها تلاءم مرجعيته الإسلامية والدينية كحزب. وفي نهاية المطاف نلاحظ بأن الأمر يتعلق بدعاية انتخابية وبترويج وحملة انتخابية، وأصبحت لها آثار على مستوى الأرض/ الواقع . 

لقد سمعنا على أن الحكومة أصبحت تفاوض المستثمرين في مجال التجارة وخصوصا في الأسواق الكبرى، تفاوضهم بتخفيضات في أسعار مواد استهلاكية أخرى مقابل رفع الضرائب على مستوى الخمور، لهذا فرأس المال الجبان قبل بإغراء التخفيض في بعض المواد الاستهلاكية الغذائية المباشرة ليقتنص هامش الربح المرتفع بدل المغامرة في تجارة الخمور بهامش ربح ضئيل.

إن رفع سلة الضرائب على جميع أصناف المشروبات الروحية والخمور بجميع مستوياتها تحملها المواطن / المستهلك وحده ، على اعتبار أن مالكي رخص الخمارات والحانات ومتاجر بيع وتقديم الخمور يفتقدون لتكتل يحميهم، ويترافع عنهم ، هم اليوم في حاجة ماسة إلى لوبي ضاغط يترافع عنهم أمام الحكومة. علما أن هامش الربح ظل مستقرا في تجارة الخمور والمشروبات الروحية بشكل عام. والمثير في ملف الخمور أن نسبة استهلاك الخمور في المغرب يتصاعد منسوبها رغم ارتفاع الضرائب، وهذا يعني أن العادات المغربية مستمرة، ومغربية المغربي الذي يجمع بين الجانبين مستمرة . يبقى معطى واحد، هو أن هذه المتاجر ( نقط بيع الخمور) في بعض المدن المغربية  تناقصت بشكل كبير، ويمكن أن تجد محلات بوفرة في مدن أخرى، "مثلا مدينة واد زم انتقلت من 3 متاجر إلى 7 ، أسفي تراجعت بناقص 3 ، اليوسفية تراجعت بناقص 2 ، ومدينة بن جرير 4 متاجر" .( رخص بيع الخمور تشرف عليها وزارة الداخلية من خلال السلطة الإقليمية/ العمالة بشكل مباشر). خطاب حكومة " الإسلاميين" هو خطاب مؤثر، لماذا؟ لأن فئة المستهلكين، وفئة أرباب الحانات والخمارات ومتاجر الخمور، وقعوا بين أنياب كماشة خطاب يعتبرهم غير أخلاقيين ، ومخالب كماشة الضرائب ، علما أنها الفئة الوحيدة التي لم تترافع عن حقوقها لأن هامش الربح ظل تابتا ، في حين تحولت جيوب المستهلك رافد تجاري رغم الغلاء الفاحش، لأن المستهلك لا يستطيع أن يحتج ويترافع على حقوقه ولا يمكن للفئتين أن يتكتلا أمام الرأي العام .

+ كيف يمكن تجاوز هذه المعضلة ؟

الحل مرتبط بسنة 2021 ، وهذا خطاب عين العقل، لأن أشكال التناوب الإيديولوجي لا يجب أن تجتاز عقدا من الزمن، هذه آلية سياسية وتجارب دولية عرفت نفس المنحى ، لأنه حينما تتجاوز التجربة السياسية عقدا من الزمن ترتخي  أطراف الإيديولوجيا ويصبح التسيير غير سليم لأنه يمر إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة التمكين. وهذه التجارب وقعت مع الإسلاميين ومع الاشتراكيين ومع الليبراليين لهذا لا يمكن أن نكون أفهم للديمقراطية من الديمقراطيين أنفسهم، الغرب بشكل عام ( نظام ولايتين يتوقف العمر السياسي والإيديولوجي) وهذه ضرورة نفسية قبل أن تكون ضرورة اجتماعية أو سياسية.

لتجاوز المآزق الاقتصادية، يجب على المغرب أن يختار ويحدد النموذج الاقتصاد الخدماتي في المستقبل، بدون شك أن الدولة الرسمية واعية  بأن التحديات المستقبلية اقتصاديا وتنمويا صعبة جدا، لهذا فرهانها على السياحة هو رهان كبير جدا، البنية الاستقبالية السياحية تتجه في مستويات  ضخمة من خلال الأوراش التي تفتحها الدولة ، وهذا يعني أننا سنعيش تناقضا في العمق  ما بين أن نفتح أوراشا ونراهن على قطاع السياحة وفي نفس الوقت نترك حصاة داخل الحذاء تزعجنا كلما تحركنا، وهو الجانب المتعلق بتجريم العلاقات الجنسية الرضائية، وتجريم شرب الخمور، وهذا سيؤدي إلى تناقض بين البعد الاستراتيجي للدولة، وما بين الآلية القانونية التي لا تواكب هذا البعد.

أظن في تقديري الشخصي أن الدولة اليوم تقوم بعملية جس النبض، ولا يمكن لها أن تدخل في مواجهة مع الشارع ومع الرأي العام،  لهذا فالوسطاء الذين لهم دفتر تحملات مع الدولة كالأحزاب السياسية، عمليا من المفروض فيها أن تفتح نافذة الحريات ، خصوصا في ثلاثة مواضيع حساسة جدا ترتبط بالموضوع الأول وهو تجريم السب والقذف في اللون والعرق والجنس، ثانيا موضوع العلاقات الجنسية لأنه اليوم هناك 8 ملايين شابة بدون زواج، و 10 مليون شاب غير متزوج، وثالثا هو موضوع الخمور وما تجنيه الدولة من عائدات وضرائب مع تحريمه ومعاقبة شاربيه، حيث نعيش في لخبطة حقيقية.

إن كان رهان الدولة أن تجعل من قاطرة السياحة رئة يتنفس بها الاقتصاد الوطني يعني أن هذه العوائق القانونية يجب معالجتها بشكل عقلاني وأظن أن حكومة بنفس ليبرالي ممكن أن تكون أكثر مرونة في أنها على الأقل توقف الخطاب الأخلاقوي. لذلك أؤكد على أن الدولة تحتاج اليوم إلى نفس جديد للحريات.

ملاحظة : " (ينص القانون الصادر عام 1967، في فصله الأول، على “يعاقب بالحبس لمدة تترواح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح قدرها بين 150 و500 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل شخص وجد في حالة سكر في الأزقة أو الطرق أو المقاهي أو الكباريهات أو في أماكن أخرى عمومية).