السبت 20 إبريل 2024
سياسة

سعيد ناشيد: أمريكا انقلبت على الإخوان المسلمين لأن الإسلام السياسي رهان مفلس

سعيد ناشيد: أمريكا انقلبت على الإخوان المسلمين لأن الإسلام السياسي رهان مفلس سعيد ناشيد، مفكر وباحث في الإسلام السياسي
* بعد وفاة جون ماكين الذي يعد من الصقور في السياسة الخارجية الأمريكية، وتغيير الإدارة الأمريكية السابقة في عهد أوباما بنظيرتها الحالية؟، وقرار الرئيس الأمريكي ترامب المفاجئ بسحب الجيوش الأمريكية من سوريا، تنبأ بعض المراقبين بنهاية المشروع «الإخواني» في المنطقة. فماهي قراءتك لهذه المعطيات؟ وإلى أي حد يمكن الحسم في ذلك؟
- أولا، نهاية ما يسمى المشروع الإخواني في المنطقة، وتحديدا الرهان الأمريكي على «الإخوان المسلمون»، والذي شهد أوجه في فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ووزيرة خارجيته السابقة كلينتون. هذا الرهان كان من المتوقع انتهاؤه في غضون فشل ما كان يسمى بـ «الربيع العربي»، وقد كان أساس الرهان هو أن «الإخوان المسلمون»، وهم فصيل من فصائل الإسلام السياسي، الأقدر – حسب الرهان الأمريكي – على احتواء الإسلام السياسي الأكثر تطرفا من جهة، وهم الأقدر على ضمان قدر معين من الاستقرار في المنطقة، والذي كان دائما مطلبا أمريكيا، وهم الأقدر- حسب نفس المنظور الأمريكي - على الإطاحة بما كان يسمى «الأنظمة المستبدة» سابقا، ثم أنهم وانطلاقا من ممارسة السياسة يمكن أن يتطورا أكثر ويقبلوا ببعض مقتضيات الحداثة، كما حدث للإسلام السياسي لما بعد أربكان بتركيا. إلا أن الذي حدث هو إخفاق مدوّ لهذا الرهان بفعل انفجار تنظيم «داعش» وقدرته على ابتلاع الكثير من التنظيمات التابعة لـ «الإخوان المسلمون» حتى في مصر نفسها، بصرف النظر عما حدث من انقلاب السيسي هل هو انقلاب على الديمقراطية أم لا؟ والواقع العيني أن التنظيمات الأكثر تطرفا قد ابتلعت «الإخوان المسلمون». ففي الساحة الآن لا يوجد غير المتطرفين وغير «الدواعش» وغير الجهاديين المتطرفين، وفي سوريا كذلك حدث الأمر نفسه. ففصائل الإسلام السياسي الأكثر تطرفا قد ابتلعت في الأخير ما كان يسمى بـ «الإسلام المعتدل»، ونقصد بذلك جماعة «الإخوان المسلمون». إذن هناك إخفاق كبير على هذا الرهان وعلى هذه الاستراتيجية، ثم أيضا الاقتتال بين الفصائل المعارضة في سوريا كشف أن الرهان على الإسلام السياسي لضمان الاستقرار هو رهان مفلس فالذي أنتج هو الفتنة في آخر المطاف، ونفس الشيء حدث في اليمن، وأيضا في ليبيا، اذن كان متوقعا بشكل أو بآخر أن الإدارة الأمريكية ستنسحب من هذا الرهان، وستنقلب عليه، وستغير رهاناتها في اتجاه آخرا. لذا طبيعي أن يكون هذا التحول بطيئا بفعل عاملين: أولا، هو الطابع المؤسساتي والقوي والمتجذر للإدارة الأمريكية نفسها، حيث أن الانتقال من رهان إلى رهان آخر لا يتم بسلاسة وبمجرد أمزجة وقرارات فردية، بل لكل رهان ثقل مؤسساتي يجعله يأخذ بعض الوقت. والعامل الثاني هو أنه لا يوجد على مستوى شعوب المنطقة أي بديل واضح ومنسجم ومتكامل قد يوفر الحد الأدنى مما تطلبه الإدارة الأمريكية أو الغرب بشكل عام، وأوله الاستقرار الذي يضمن الحد من الهجرة إلى الغرب، والاستقرار الذي يضمن الحد من تجنيد الإرهابيين الذي بدأوا ينفجرون حتى في ضواحي المدن والمدن الغربية. وبالتالي فهذا الاستقرار هو مطلب أمريكي وغربي أساسي وجوهري ولا يمكن للإدارة الأمريكية التراجع عنه، إنما لحد الآن لا يبدو أن هناك قوى قوية بما يكفي كي تملأ فراغ ما بعد انهيار الإسلام السياسي.
 
* بعض المراقبين يسجلون أن الإسلام السياسي سواء في شقه الوهابي أو الإخواني يستقوي بالغرب في مواجهة أنظمة المنطقة، ما مرد ذلك في نظرك؟
- هذا الأمر ورثناه من ظروف الحرب الباردة التي كان فيها رهان العالم الرأسمالي في معركته في مواجهة منظومة المعسكر الشيوعي، حيث كانت معظم التقديرات تشير إلى أن معركة مواجهة «الخطر الأحمر» أو المد الشيوعي هي معركة لعشرات السنين، بل ومئات السنين، ولم يكن متوقعا أن المعسكر الشيوعي سينهار بتلك السرعة، حيث لم تكن أي مؤسسة للبحث الاستراتيجي في الغرب قادرة على التنبؤ بأن المعسكر الشيوعي سينهار سريعا، ومن ثمة فقد أعد الغرب عدة أكبر من الحجم المطلوب فيها الجوانب العسكرية والجوانب الاستخباراتية، وتجنيد المنظمات الدينية لمواجهة ما كان يسمى «المعسكر الشيوعي الملحد». وبالتالي دخلت عدد من النصوص التي كتبها الإسلام السياسي في الرد على ماركس والرد على الاشتراكيين واليساريين، وكانت هذه هي معركتهم الأساسية، كان العدو الأساسي لهم هو الشيوعية، وفي هذا الإطار يمكن استحضار كيف أن أحد أقطاب الجهاد الأفغاني وهو ابن فلسطين، غادر فلسطين وذهب ليقاتل في أفغانستان، وكان ينظر للأنظمة التابعة للمعسكر الشيوعي وأقصد النظام الناصري في مصر والنظام البعثي في العراق كعدو أساسي للإسلام السياسي. ومن ثمة اتجهت بلدان الغرب إلى دعم «الإخوان المسلمون» في إطار الحرب الباردة. وحتى بعد انهيار المعسكر الشيوعي ورثنا هذا «الزواج المدنس» بين الطرفين. هكذا تم استقطاب جماعات الإسلام السياسي في شقها السني وفي شقها الشيعي لدعم الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. وبعد نهاية الاحتلال، انتهى سريعا هذا الزواج بين الإدارة الأمريكية والإسلام السياسي وانقلبت الأمور. كما أن المؤسسات المالية الكبرى في العالم، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، راهنت هي الأخرى على الإسلام السياسي باعتباره الأقدر على تمرير مخططات التقشف من أي قوى أخرى، وهو ما نجده بالفعل في كل البلدان التي حكمها الإسلام السياسي (تطبيق إجراءات الخوصصة، إلغاء مجانية التعليم، تقليص النفقات الإجتماعية، للدولة..). وبهذا المعنى يعتبر الإسلام السياسي ورقة لتمرير مخططات لا يستطيع أن يمررها غيرهم، فهم ورثة النزعات المعادية للطابع الاجتماعي للدولة، وقد ورثوا هذا من ظروف الحرب الباردة.
 
* في ظل الرهان الذي ذكرت، كان مطلوبا من تركيا أن تلعب دور محوريا في تثبيت وجود الإسلام السياسي في المنطقة، فهل مازال أردوغان يحتفظ بنفس البريق؟
- هذا ما توقعته، وفي اتصال لي ببعض الأصدقاء الأتراك، فهم كانوا يتوقعون هجوم وشيك لأردوغان على شرق الفرات، وفي تقديري فإن الرئيس ترامب لا يمكنه أن ينسحب من المنطقة إلا عبر اتفاقات وتوافقات وخطوط حمراء حقيقية، بطبيعة الحال بعض الأمور بدأت تظهر الآن من خلال التوافق بين وحدات حماية الشعب الكردي والنظام السوري من جهة ثم أيضا توقف اردوغان عن تهديده باجتياح المنطقة، وكل هذا يؤكد أن ترامب لن يخرج من المنطقة إلا بعد ضمان ترتيبات حقيقية ينضبط إليها الجميع، ولعلها تصب في آخر المطاف في اتجاه الحل السياسي بعد ان استحال الحل العسكري بعد سنوات من الدمار والألم والقتل المجاني والحرب الأهلية.
 
* لكن ما يسجله بعض المراقبين هو أنه رغم تراجع شعبية حزب الغنوشي في تونس و»الإخوان» في مصر واليمن وسوريا والمغرب، فإن الوجود «الإخواني» على المستوى العقائدي والإيديولوجي يظل راسخا في المجتمع عبر عدد من القطاعات  التي تغلغل فيها هؤلاء وضمنها وزارة الأوقاف، المجالس العلمية المحلية...إلخ، فكيف تنظر إلى هذا المعطى؟
- تماما.. فالإسلام السياسي ورغم كونه أخفق سياسيا وأخفق في تجربة السلطة، فلا شيء يؤكد أن هذه الصفحة سيتم طيها مرة إلى الأبد، حيث تؤكد كل المؤشرات أن المعركة ستأخذ مدى طويلا وطويلا جدا، في خلال ذلك ستظهر أغلال كثيرة لن يكون آخرها هو «داعش»، إنما أصل المشكل هو نفسه يظل واردا ويعود إلى المؤسسات الدينية الرسمية نفسها، سواء المساجد أو خطب الجمعة أو الأزهر في مصر ومؤسسات العلماء الرسمية هنا في المغرب والوزارات وبرامج التربية والتعليم الديني والمدارس الدينية العتيقة.. وكل هذا، هنا أصل المشكل، دائما ننتج نفس الخطاب ونفس المفاهيم والقيم، ودائما ندور حول نفس الدوائر، «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»، «الآخر أو اليهودي نجس» و«المغضوب عليهم والضالين» تحيل إلى النصارى واليهود، وحتى بالنسبة للأدعية لم تتغير: «اللهم شتت شملهم..» يعني أدعية مليئة بالحقد والكراهية.. المشكلة هنا. نحن ننتج ثقافة الكراهية في مضامين الخطاب الديني نفسه، وإن زال «الإخوان المسلمون» سيظهر أصوليون من نوع آخر، لأن السياسة في آخر المطاف هي صدى للثقافة داخل المجتمع، إن انتشرت ثقافة الكراهية، ستنتشر بالمقابل سياسة الكراهية، وفي آخر المطاف الحركات الدينية المتطرفة هي الأقدر على احتضان قيم الكراهية والحقد وما إلى ذلك، لأنها تضع له مبررات دينية..
 
* بعد نهاية حكومة بنكيران توقع عدد من المحللين نهاية حزب العدالة والتنمية بالنظر لعدد من التراجعات المسجلة اقتصاديا واجتماعيا، ليفاجأ الجميع بعودة قوية لحزب «المصباح» خلال الانتخابات التشريعية السابقة، وهو الأمر الذي نمّى المخاوف من إمكانية فوز الحزب بولاية ثالثة وإن تحقق ذلك، فإن هذا سيجعلها شريكا في الحكم إلى جانب المؤسسة الملكية؟
- هذه نتيجة لأخطاء سياسية قاتلة تعود إلى مراحل سابقة، فحين أرادت السلطة أن تواجه هذا المد الأصولي ارتكبت خطأ قاتلا حينما راهنت على حزب معين، وكنت قد كتبت مرارا بأنه لا يمكن أن نواجه «حزب لله» بـ «حزب الملك»، والتي ستجعل المقدسات في حالة حرب، « لله، الوطن، الملك» مقدسات وطنية إذا جعلناها في حالة حرب سنخسر جميعا. وبالتالي كان المطلوب هو دعم الحياة السياسية الطبيعية، أي دعم الأحزاب السياسية كما هي، ثم دعم المجتمع المدني، باعتباره القادر على لعب دور السلطة المضادة، ودعم النخب، لأن ما جرى في تونس على سبيل المثال هو أن الإسلام السياسي لم يصده الجيش والأمن بل صده المجتمع المدني نفسه، حيث وجد نفسه محاصرا أمام مجتمع مدني قوي، أمام حركة نسائية قوية، أمام نقابة من أقوى النقابات في المنطقة، أمام نخب جامعية وأكاديمية قوية، بينما نحن ليست لدينا نفس الإمكانيات، فنخبنا ضعيفة، واهنة، منخورة، غاية الكثيرين منهم هو منطق الريع وهذا يدمر النخب ويبعدها عن لعب رسالتها ودورها الحقيقي في التنوير العمومي. أما بالنسبة للأحزاب فقد تعرضت للإضعاف والتفكيك سواء بجهد من داخلها أو من الخارج، كما تعرض المجتمع المدني لهجمة شرسة، الهجمة الأولى وكانت من السلطة كي لا يلعب المجتمع المدني أي دور مزعج والهجمة الثانية من الحركة الأصولية نفسها التي استطاعت أن تخترق المجتمع المدني بشكل كبير بالتمويل سواء منه التمويل من داخل المغرب أو خارجه، واستطاعت في وقت قياسي تفريخ مئات الجمعيات المحلية والمتحلقة حول المشروع السياسي للإسلام السياسي. وأعتقد أن هذه هي ورطتنا في هذا البلد. ثم أن الإسلام السياسي، كي نكون صرحاء، استطاع أن يخترق الكثير من دواليب الدولة، تصور معي أن أحد الشيوخ قبل أيام قليلة كفر علنا وجهرا وعلى رؤوس الأشهاد مثقف مغربي كبير، وكان يجب أن يحاكم الرجل لأن هذا إفتاء بهدر الدماء، ولكن للأسف لايزال الرجل طليقا. ثم لا ننسى أن كثيرا من الأشخاص أشادوا بالعملية الإرهابية التي أفضت إلى ذبح السائحتين الإسكندنافيتين وباركوا ومجدوا هذه العملية بصورهم وأسمائهم الحقيقية في الشبكات الاجتماعية. وبلا شك، فإن هؤلاء يتظللون بشيء ما داخل السلطة، وبالتالي يحق لنا طرح سؤال: أين الدولة من كل هذا؟