الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

الحسين بكار السباعي: حرق العلم والساعة الإضافية

الحسين بكار السباعي: حرق العلم والساعة الإضافية الحسين بكار السباعي

قبل الحديث عن الحق في الاحتجاج رفضا للساعة الإضافية، لا بد من الانعراج لما شهدته هاته الأحداث من تجاوزات لا شك انها ستؤثر سلبا على المسار العام التي تعرفه نضالات ومطالب فئات كبيرة من المجتمع المغربي.

لا أظن أن هناك من سيتفق على واقعة حرق العلم الوطني أمام البرلمان، ولا الشعارات النابية التي همت بعض الوقفات، وكلا الحدثين سيتسببان في فشل المطالب المشروعة التي رفعها ابناء هذا الوطن.

سنبتدئ تحليلنا بفعل حرق العلم الوطني، وإذ نشير أن العلم هو رمز للوطن وليس رمزا للحكومة، لسنا ضد ثقافة الاحتجاج التي يكفلها الدستور والمواثيق الدولية، في المقابل لا يمكن للعاقل أن يؤيد ويتفق على هذا التجاوز في التعامل مع رمز الدولة، وحتى نؤطر مقالنا لا بد أن نعرض أطروحة كاسيرر التي مفادها أن فهم العالم الإنساني مشروط باستحضار الرموز؛ لأن الجانب الرمزي هو مفتاح ذلك العالم، وكيف يعتمد في تشييد تصوره للرمزية، على مصادر فلسفية وعلمية متنوعة، وهذا التصوّر يبنى على تأكيد تميز الإنسان من الحيوان في اللغة والذكاء، وتصورات المكان والزمان، والقدرة على الفصل بين ما هو واقعي وما هو ممكن، ويفسر الرمز بتوفره خصوصية من حيث طبيعة سيرورته التكوينية، ووظيفته الرمزية.

العلم هو رمز الدولة، ويجدر بنا الوقوف على رمزية العلم المغربي الذي هو عبارة عن خلفية حمراء اللون ويوجد في منتصفها نجمة خماسية لونها أخضر ولكل لون وشكل معنى وهي كالتالي:

اللون الأحمر: يشير اللون الأحمر لدماء الشهداء التي سالت من أجل الوطن ومن أجل الدفاع عن الوطن.

اللون الأخضر: يشير اللون الأخضر إلى الأرض الخضراء ويشير إلى النماء والأرض الخصبة.

النجمة الخماسية: تشير النجمة ذات الخمس أزرع إلى أركان الإسلام الخمسة وهي تضفي طابع إسلامي على العلم، وتشير إلى أن الإسلام هو الديانة الرسمية للمغرب.

نقف هنا على وجهين لعملة واحدة وحدة الرمز والعلم المغربي الذي يعني كل الوطن وكل المغاربة، ولا يحق لأي كان، كيفما كان، وحيثما كان أن يتطاول على رمز من رموز المغرب، فالوطن والعلم يلزمان الجميع.

يقول إيلي ويسيل ”قد نعجز أحيانا عن منع وقوع الظلم ولكن لا يجب أبدا أن نعجز عن الإحتجاج ضده”، فالحق في الاحتجاج هو حق من حقوق الإنسان، ولكنه يتميز عن غيره من الحقوق بأنه يؤسس لها جميعا، فهو يشكل خط الدفاع الأول لمنع السلطة من التغول على سائر الحقوق العامة. بدون حق الاحتجاج ضد تجاوزات السلطة ينهار الأساس الديمقراطي للحكم، هو إذن وثيق الصلة بحق المواطنة، وبحق السيادة، ما يوقفنا على مقولة إدوارد آبي ”الشخص الوطني يجب أن يكون على استعداد دائما للدفاع عن بلاده ضد حكومته.”

معلوم أن الوطن يتكون من ثلاث مكونات:

1) الإقليم وهو قطعة الأرض التي تقع داخل حدود الدولة المعترف بها دولباً.

2) والشعب وهو مجموع الأشخاص الذين يعيشون بشكل دائم فى ذلك الإقليم.

3) والسلطة التي تمارس السيادة على الإقليم. الحس الوطني حسبما أصبح سائدا الآن هو ما يمثله الإنتماء لذلك الإقليم في الضمير الجمعي للشعب بما يضمه من عوامل يشتركون فيها بمختلف مكوناتهم، هنا يطرح السؤال عن الوطنية والوطن، وهل يحق لنا الدوس على مبادئ مشتركة ونحن في حالة الغضب.

ما عرفه ويعرفه المغرب من تجاوزات تعرفها الاحتجاجات بغض النظر عن مشروعيتها من عدمها، تبين حقيقة فشل الأحزاب السياسية في تأطير الشباب وحتى فعاليات المجتمع المدني في تخليق الحياة العامة، فالشباب طاقة وهم فئة مهمة في المجتمع يجب الاستفادة منها بدل التخلي عنها، فالانتماء يكون لوطن وليس لدولة.

ثقافة الاحتجاج بالمغرب عالجها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في إطار اختصاصاته في مجال حماية حقوق الإنسان، بإعداد دراسة حول “حرية الاحتجاج السلمي” التي عرفت تطورا كميا ونوعيا خلال السنوات الأخيرة، إذ تم خلال الفترة الممتدة ما بين فاتح يناير و31 أكتوبر 2008 تنظيم ما مجموعه 5508 تجمعا، بمشاركة حوالي 330 ألف مواطن.

الدراسة تناولت السمات الرئيسية التي طبعت الاحتجاج خلال العقدين الأخيرين في المغرب واعتبرت قطيعة مع الاحتجاج المسلح أو المدعوم بأدوات بسيطة، لكنها تحدث أذى في الناس وفي ممتلكات الخواص وممتلكات الدولة، وهو يعرف الآن انتقالا من الاحتجاج الصدامي إلى الاحتجاج السلمي. ولأن الأمر يتعلق بانتقال، فإن الانفلاتات أو الانزلاقات، سواء على مستوى الأمن أو على مستوى أفراد من بين المحتجين، تبقى دائما غير محسومة التوقعات، الأمر الذي يجعل من فعل حرق العلم الوطني أمرا غير محسوب من طرف الفاعلين ويستدعي أولا إلى فهم دواعي الفعل والوقوف عليه.

تأسيسا على ما سبق نقف على أن ثقافة الاحتجاج في المغرب تحتاج تأطيرا من أناس يرغبون في التغيير وليس الركوب عليه، من أناس دعاة وليسوا قضاة. لهم رغبة في إيصال رسالة احتجاجية سلمية يعبرون فيها وبخط واضح عما بداخل الشعب من معاناة وليس رسالة احتجاج تنم على قلة وعي بالحق والتطاول على رموز الوطن، يقول توماس كارليل: ”جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن".

- الحسين بكار السباعي، محامي، ممثل المنظمة الدولية للفن الشعبي التابعة لليونسكو بالصحراء المغربية، وباحث في قضايا الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.