الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

علي رضوان: لا لوضع الجمعيات الجادة في نفس الكفة مع جمعيات الاسترزاق على ظهر المعاقين

علي رضوان: لا لوضع الجمعيات الجادة في نفس الكفة مع جمعيات الاسترزاق على ظهر المعاقين علي رضوان مع صورة لطفلين من ذوي الاحتياجات في ورشة تشكيلية

يعتبر علي رضوان، رئيس جمعية آباء وأصدقاء الأطفال المعاقين ذهنيا، في هذا الحوار مع "أنفاس بريس"، أن هناك حلقة مفقودة في تدبير ملف ذوي الاحتياجات الخاصة، وتتمثل في غياب نظرة شمولية لمعالجة ملف الأشخاص المعاقين، وسياسة مندمجة مرتكزة على القرب تروم تمكين المعاقين من حقوقهم كاملة غير منقوصة. مشيرا إلى أن السياسة المندمجة بخصوص هذا الملف تبقى مسطرة على الأوراق، لكن في الواقع لا تترجم ولا تجسد ميدانيا...

+ تؤكد تقارير ودراسات، لقاءات وتصريحات رسمية، أن ملف الإعاقة في صدارة أوليات السياسات الحكومية، والنسيج الجمعوي غير راض على النتائج؛ فما هي الحلقة المفقودة إذن؟

- الأمر لا يتعلق بعدم الرضى من عدمه، الأمر يتعلق بتقييم موضوعي للسياسات المعتمدة في تدبير ملف ذوي الاحتياجات الخاصة؛ ومرجعيتنا في هذا التقييم، التقارير الدولية والوطنية ذات الصلة والبيانات والإحصائيات وفقر هذا وذلك، معايشتنا اليومية ومعرفتنا الميدانية بالتحديات والإكراهات التي تقف في وجه تفعيل حقيقي لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة المنصوص عيها دستوريا .

أما في ما يتعلق بالحلقة المفقودة، فيمكن أن أسمي هذه الحلقة المفقودة بغياب نظرة شمولية لمعالجة ملف الأشخاص المعاقين، وسياسة مندمجة مرتكزة على القرب تروم تمكين المعاقين من حقوقهم كاملة غير منقوصة، تفعيلا للفصل 34 من دستور فاتح يوليوز 2011، الذي ألزم السلطات العمومية مسؤولية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. والدستور بالنسبة لنا مرجع في ترافعنا على حقوق المعاقين، مدعوما بالاتفاقيات الدولية والقوانين الجارية وما سطرته الحكومة من برامج .

+ تعترفون بأن الحكومة سطرت استراتيجيات وبرامج، فأين المشكل؟

- المشكل في التنزيل والتفعيل.. في المغرب لا تعوزنا القوانين والبرامج ولا الاستراتجيات، ولكن يعوزنا تنسيق السياسات بما يضمن اندماجها ن وتفعيلها الحقيقي وفق مقاربة تشاركية.

أقول المقاربة التشاركية الحقيقية، وليس "الصور الجماعية لاجتماعات" تفرض فيها الأمر الواقع فرضا، ويغيب عنها مرتكز الإنصات والتفعيل .وصدق من قال "لا نريد شراكة لا المدللين ولا المدلولين"، نريد شراكة الأخذ والعطاء، نريد شراكة من يؤمن بالفعل الجمعوي الميداني الحقيقي الذي يترجم واقع الأرض وما تعانيه الجمعيات من أجل ضمان ديمومة العمل الجمعوي وخدمة المعاق وأسرته، نريد تجاوز وضعية التراجع في حقوق المعاقين، وخاصة ما يتعلق بالتمدرس. نريد مقاربة مندمجة تضمن تنسيقا بين القطاعات الوزارية (وزارة الصحة، وزارة التربية الوطنية، التكوين المهني، وزارة الداخلية…)، فضلا عن وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية الموكول لها ملف الأشخاص في وضعية إعاقة.

+ ولكن غير ما مرة رددت الوزيرة بسيمة الحقاوي على انخراط كل القطاعات الحكومية الشريكة في مسلسل تتبع تنفيذ تدابير البرنامج الوطني التنفيذي للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة منذ انطلاقه، فما الجديد في كلامكم؟

- لقد قلت في جوابي السابق أن المشكل في التنزيل والتفعيل؛ قد تكون هذه السياسة المندمجة مسطرة على الأوراق، ولكن في الواقع لا تترجم ولا تجسد ميدانيا. أين نحن من أثر هذه السياسات على واقع المعاق وأسرته؟ أين نحن من الحكامة في تدبير الحق في التمدرس؟ أين هي أوجه إنصاف هذه الفئة؟، سواء فيما يخص منح البطاقة التي تعطي الحق للمعاق بالاستفادة من بعض الامتيازات والأسبقية للولوج إلى المرافق الإدارية، ومشكل عدم تفعيل قانون نسبة 7 في المائة من المناصب الشاغرة بالوظيفة العمومية المخصصة للأشخاص المعاقين، وعدم انخراط القطاع الخاص لتوظيف المعاقين وعدم  تحفيز الشركات المواطنة بإعفائها من بعض الرسوم والضرائب الخاصة بتوظيف شخص معاق. أين هي أبسط الحقوق في المواكبة الصحية (التطبيب والعلاج النفسي والترويض الطبي) للمعاقين ذهنيا وجسدا، وتفعيل القانون التنظيمي للولوجيات النور منذ 2010 بالنسبة لأصحاب الإعاقة الجسدية .

+ على ذكر الإعاقة الذهنية اعتبر الباحث والفيلسوف جوزيف شوفانيك، وهو من مرضى التوحد، أن المصاب بمرض التوحد يحتاج إلى مساعدة من أقربائه وفهم معاناته والتعامل معه بشكل إيجابي، ضمانا لاندماجهن؛ كيف تفاعلتم مع  عرض هذا الباحث؟

- العرض الذي قدمه الباحث والفيلسوف جوزيف شوفانيك، وهو من مرضى التوحد يندرج في إطار نقل تجربة شخصية، والتعريف بالمرض وآليات اندماج أطفال التوحد في المحيط الاجتماعي. لقد ربط الباحث ضمان الاندماج مع انخراط الأسرة ومساعدتها للطفل المتوحد وفهم معاناته والتعامل معه بشكل إيجابي.

من منظورنا يرتبط نجاح الأسرة في إدماج طفلها أو مراهقها بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .

ما يغيب عن الأذهان أننا نتكفل بالأطفال المعاقين ذهنيا، ومنهم المتوحدين، من طبقات اجتماعية مسحوقة، حيث تغيب الأم ويغيب الأب من أجل جلب لقمة العيش. والأمر لا يقف عند هذا، فأحيانا تتكفل الجمعية بالأسرة، وفق الإمكانيات المتاحة.

الأسر تدرك هذه الأشياء، ولكن الظروف الاجتماعية لا تسعفها بسبب ظروفها الاجتماعية والاقتصادية؛ وذكرني هذا بنكتة رواها المرحوم العربي باطما، أيقونة ناس الغيوان، حين قال "قالت أستاذ العلوم للتلاميذ، امضغوا اللقمة سبع مرات لكي يسهل الهضم"، فأجابها المرحوم باطما "نحن سبعة إذا مضغت اللقمة  "طار الطبسيل" ولن تكتب لي اللقمة الثانية".

واقع الأسر المغربية بعيد كل البعد عن ما تتداوله الصالونات، وما ينظم من محاضرات في الفنادق المصنفة والمكيفة.. هناك واقع مرير لا يقدر عليه إلا من عاشه عن قرب.. ولا نقبل التمييز بين المعاقين.

غالبية الأسر لم تجد ما تقتات به، فكيف لها توفير شروط الاندماج. ومن هنا فالمؤسسات الحكومية الرسمية مسؤولة في المقام الأول على الاندماج بمساعدة الأسر، لكي يسهل عليها مرافقة ومصاحبة أبنائها المعاقين. اليوم الحكومة مطالبة بمأسسة أي فعل اجتماعي في إطار منظور حقوقي، بعيدا عن المقاربة الإحسانية.

الأمر يتعلق بحقوق فئة من الشعب المغربي (بلغ عددها 1.703.424 شخصا في وضعية إعاقة، حسب نتائج البحث الوطني الثاني حول الإعاقة، لسنة 2014، بنسبة انتشار تقدر بـ 5,1 في المائة على الصعيد الوطني، من بينهم 393.919 شخصا يعانون من عجز تام عن أداء واحدة من الأنشطة الستة للحياة اليومية، من الرؤية، والسمع، والمشي أو صعود الأدراج، والتذكر أو التركيز، أو الاعتناء بالذات والتواصل باستعمال اللغة المعتادة). هذه الأرقام واردة في وثيقة رسمية بين أيدي الآن وليست من عندي، والأرقام خير دليل على أن ملف الإعاقة هو ملف يتطلب مقاربة مندمجة.

+ يحتفل المغرب على غرار بلدان العالم يوم 3 دجنبر من كل سنة باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، لم يبق إلا شهر واحد، ما هو ندائكم لهذا اليوم؟

- ندائنا كنسيج جمعوي، أن يكون الاحتفاء بهذا اليوم العالمي، الذي أقرته الأمم المتحدة منذ عام 1992 لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة، سنة 2018، مناسبة للحكومة والوزارة الوصية للمرور إلى السرعة الثانية من أجل التفعيل الحقيقي للسياسات ذات الصلة، واعتماد حكامة سديدة جديدة تقطع مع المنظور البيروقراطي والتكنوقراطي الجاف بما يضمن تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة، الكامل والمتكافئ، بحقوق الإنسان، والمشاركة المجتمعية، والذي أقره برنامج العمل العالمي المتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1982.

نتمنى أن تغير الوزارة الوصية منهجيتها في التعاطي مع منحة التمدرس وتعيد النظر في شروطها الثقيلة والمجحفة، وخاصة ما يتعلق بدفتر التحملات وطريقة إعداد اتفاقيات الشراكة؛ ونطالب بعدم وضع الجمعيات الجادة والمهيكلة في نفس الكفة مع جمعيات الاسترزاق على ظهر المعاقين.

+ هل من كلمة أو رسالة أخيرة؟

- إذا كان لي من رسالة، فإني أوجهها لكل مدبري ملف الإعاقة، وخاصة رئاسة الحكومة والقطاعات الوزارية، وأجملها في كلمة واحدة، وهي أن "تدبير ملف الإعاقة وفق حكامة سديدة يقتضي إرادة سياسية حقيقية ومقاربة مندمجة حقيقية وإشراك حقيقي للنسيج الجمعوي الحقيقي".

ولا يمكن أن أختتم حواري هذا دون أن أتطرق لظاهرة خطيرة يعرفها المجتمع المغربي، وهي ظاهرة الأطفال المعاقين ذهنيا المتخلى عنهم، وأتمنى من الإعلام بكل أشكاله، أن يشمل الظاهرة بعنايته ومتابعاته.

إن ظاهرة الأطفال المعاقين ذهنيا تشكل مأساة إنسانية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وحتى النيابة العامة تجد صعوبة في التكييف القانوني للجهة المتكفلة، ومن ثم على الحكومة أن تلتفت لهؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يقاسون ظلم المجتمع وآلام الإعاقة، وأن تتكفل بهم الدوائر الرسمية في إطار مراكز للرعاية الاجتماعية للمعاقين ذهنيا المتخلى عنهم.