السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد حمزة: دفاعا عن مجانية التعليم العالي

محمد حمزة: دفاعا عن مجانية التعليم العالي محمد حمزة، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم بنمسيك

فإذا كان المدخل الوحيد والأوحد لخروج بلادنا من دائرة التخلف وربح رهان التنمية الشاملة يمر أساسا عبر ترسيخ مركزية العلم والمعرفة في بلادنا، فان إعطاء الأهمية القصوى للتعليم العمومي كأولوية وطنية، واستثمار كل الموارد والطاقات والإمكانيات في تجويد وعصرنة التعليم العمومي، وتقوية حضور البحث العلمي في كل المخططات والاستراتيجيات الوطنية يبقى ضرورة ملحة.

فالتعليم خدمة عمومية، ومن تم فالأصل في التعليم أن يكون عموميا ومجانيا، وضامنا لتكافؤ الفرص بين مختلف الشرائح الاجتماعية. ذلك أن ضمان التعليم الجيد والتكوين المستمر يندرج في إطار مسؤولية الدولة تجاه الأفراد، واستثمارها الاستراتيجي في تحقيق التقدم والرفاه للمجتمع ككل.

التعليم ضرورة اجتماعية و إنسانية و ليس سلعة، وإتاحة التعليم للجميع عبر مجانيته في كل المستويات لا ينفصل عن تحقيق متطلبات الجودة المطلوبة. كما أن الجودة لا ينبغي أن تدفع إلى التمييز الاجتماعي عبر اقتصار التعليم على فئة أو جماعة، ولكن يلزم أن تكون متاحة للجميع حتى يتحقق تكافؤ الفرص الضامن للعدل الاجتماعي وإتاحة التعليم أمام الجميع شرط أساسي  لخلق مجتمع الكفاءة  والجدارة القادر على المنافسة والمندرج في منطق العصر.

إن التعليم الجامعي مكون أساسي في عملية بناء المواطن وكل تهميش له أو تقليص لخدماته العمومية والمجانية سيؤدي حتما إلى انعكاسات سلبية على تكوين المواطن، الذي نريده قائما على التفكير الحر وتشجيع النقاش والنقد والبحث والتشبث بحرية الرأي، باعتبارها مدخلا لبناء التفكير النقدي  وإكساب المواطن الحس بالانتماء للوطن والمتشبت بهوية منفتحة، والواعي بحقوقه وواجباته. في حين أن ضرب المجانية  يعتبر مدخلا لمزيد من الإقصاء وتعميقا لإعادة إنتاج التراتبات الاجتماعية القائمة ويعمق أسباب التخلف ويتعارض ومتطلبات العصر العلمية والمعرفية القائمة على العنصر البشري، ويناقض المواثيق الدولية التي تهم حقوق الإنسان.

فلم يعد ممكنا تصور بناء مجتمع حديث من دون سياسة دولة أو سياسة مجتمعية بشأن التعليم العالي لدى على الدولة أن تتحمل كامل مسؤولياتها وتبذل كامل جهدها من أجل تمكين هذا القطاع الحيوي من لعب دوره المركزي في تأهيل البلاد ومساعدتها على الإيفاء بمستلزمات التحديث والعصرنة و التنمية وولوج مجتمع  المعرفة.

إن التراجع عن المجانية وتشجيع تعليم جامعي خاص أجنبي (في بلد مازال يعاني من مختلف مظاهر التخلف على جميع الأصعدة، وغياب الشفافية، وانعدام آليات المراقبة والمحاسبة، وهيمنة عقلية اقتصاد الريع)، لا يمكنه إلا أن يوجه الضربة القاضية للجامعة العمومية خدمة للأجندة الرامية إلى التخلص من المرافق الاجتماعية كالسكن والصحة والتعليم. والتشبث بالمجانية ينطلقـ من تأكيدنـا على أن وطننـا لا ينبغي أن يعمق أسباب التخلف، ولا نريده أن يتعارض ومتطلبات العصر العلمية والمعرفية القائمة على العنصر البشري في زمن أضحت تتعاظم فيه سلطة المعرفة..

كيف لسياسة تعليمية فشلت كميا ونوعيا في عدد الطلبة المسجلين في الجامعة الوطنية حوالي 0900.000 طالب (ة) مقارنة مع 2 مليون طالب (ة) في الجزائر) في ظل المجانية النسبية، أن تحقق تقدما في هذا المجال وهي ترفع شعار التراجع أو التخلي عن المجانية؟

إن تمادي الدولة المغربية وإصرارها على رفع دعمها عن الخدمات والمرافق العمومية الأساسية وفي مقدمتها التراجع عن مجانية التعليم العمومي عبر فرض ما أسمته بـــ"مساهمة الأسر في تمويل التكوين في التعليم العالي على المدى القريب وفي التعليم الثانوي التأهيلي على المستوى المتوسط"،  والسعي إلى خصخصة وتسليع التعليم العالي العمومي وجلب مؤسسات أجنبية واستنبات مؤسسات للتعليم العالي مؤدى عنها،  توجه خطير تنتهجه الحكومة وسينتج عنه ضرب التعليم العمومي والقضاء عليه، ومعاكسة التجارب الدولية الناجحة في الدول النامية بآسيا وأمريكا اللاتينية والتي تعزز من الدعم العمومي للتعليم العمومي.

خطورة ضرب المجانية تكمن أساسا في تهديد التماسك الاجتماعي وتفكيك التجانس الهوياتي والقيمي للمجتمع المغربي، وهو ما من شأنه هدم مقومات الانتماء إلى المجموعة الوطنية واجتثاث جذور الحس الوطني، وبالتالي تهديد وحدة واستقرار وفتح مستقبل الأجيال القادمة على آفاق مظلمة.