الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد بلمختار منيرة: أعطاب خفية تعيق الانطلاقة الفعلية للجهوية المتقدمة

أحمد بلمختار منيرة: أعطاب خفية تعيق الانطلاقة الفعلية للجهوية المتقدمة أحمد بلمختار منيرة

رغم كثرة الحديث عن الجهوية المتقدمة ببلدنا، مازال المواطن يعبر بطرقه الخاصة عن عدم وجود أثرها في حياته اليومية. والحقيقة أن هناك أعطابا تعيق الانطلاقة الفعلية لهذا الورش المفتوح بوطننا.

بداية سجل المهتمون في حينه تعثر انطلاقة الجهوية المتقدمة، نظرا لتأخر إصدار المراسيم والنصوص التنظيمية المرتبطة بها. مما أدى ومازال يؤدي إلى تأخر العديد من المشاريع التنموية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى كل جهة. وينعكس بالتالي سلبا على حياة المواطن ماديا واجتماعيا. فالمواطن العادي، لا تهمه الخطابات الأكاديمية والسياسية، إن ما يهمه هو تنمية مدخوله، ودراسة أبنائه وبناته، والقرب من المستشفيات، وتعبيد الطرق، والتزويد بالماء والكهرباء(...).

وأجدني ممن يرون أن هناك بالفعل أعطابا خفية وهي بنيوية في حقيقة الأمر تحول دون الانطلاقة الفعلية لهذا المشروع المجتمعي، من بينها عطبان كبيران:

- أولهما، يتمثل في وضع ثلاثة قوانين تنظيمية للجماعات الترابية منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض. في حين أنه كان من المفروض برأي مجموعة من الباحثين المختصين أن يسلك المشرع مسلكا معاكسا، وذلك بتجميعه لنصوص الجماعات الترابية (الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات) في قانون واحد، وبمسمى واحد: إما قانون الجماعات الترابية أو مدونة الجماعات الترابية كما هو الحال في فرنسا.

يستدل أصحاب هذا الطرح بأن وضع قوانين تنظيمية للجماعات الترابية منفصلة ومستقلة بعضها عن بعض، لا يوحي بوجود تصور متكامل ورؤية واضحة فيما يخص تدبير الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. وبالتالي فتشتت القواعد القانونية ومقتضيات هذه القوانين وغياب التكامل فيما بينها، لا يخدم في شيء وحدة التدبير الإداري للامركزية. إضافة إلى أن مقتضيات هذه النصوص تتميز بالتكرار والعمومية.

- ثانيهما، يتمثل في العقليات التقليدية. والمقصود أنه لحد الآن ما زلنا ندبر الشأن المحلي/ الجهوي بعقلية الماضي، عقلية القطاعات. فكل قطاع يعمل بمعزل عن القطاعات الأخرى. في حين أن التحول الكبير المطلوب لإعطاء الانطلاقة الحقيقية للجهوية المتقدمة هو تبني العقلية الالتقائية. وهي تتجسد من خلال تفاعل كل القطاعات في دراسة وتشخيص وإنجاز وتقييم وتقويم كل مشروع تنموي سيتم إنجازه على تراب الجهة. وذلك تفاديا لتشتت الجهود وبالتالي تأخر التنمية الجهوية.

إن الجهوية المتقدمة، سواء اعتبرناها مرحلة متقدمة من اللامركزية، أم آلية لتدبير الشأن  الجهوي، أم أسلوبا إداريا جديدا، أم اختيارا سياسيا، تشكل في تقديري فلسفة لتدبير التراب الجهوي. والفلسفة بطبيعتها تنظر إلى الأشياء في كليتها. ومن تم فالجهوية المتقدمة باعتبارها فلسفة، تفرض تدبير شؤون الجهة من خلال تصورات كلية وشمولية لكل مكوناتها الترابية. لذلك لا يمكن تصور نجاح الجهوية المتقدمة، في غياب التكامل بين الجماعات الترابية والتنسيق بينها والتواصل بين مكوناتها السياسية أولا والإدارية والتقنية ثانيا.

ثم دعني أقول إن من بين ما يتعين الاعتماد عليه إن نحن نريد فعلا تسريع وتيرة هذا الورش المستمر، الدور الكبير الذي بإمكان الصحافة الجادة أن تؤديه بهذا الصدد. والصحافة الجادة تحتاج إلى هواء نقي لتستنشقه، هواء الحرية. فدورها الإصغاء لنبض المجتمع، وإبراز نقائص الأداء الحكومي، وتزويد المواطن بالمعلومات الصحيحة، وإبلاغ أراء الساكنة إلى ممثليها في الجماعات والجهات تجسيدا لروح المقاربة التشاركية(...). وهي تهدف من خلال ذلك كله إلى تنبيه الحكومة والمجالس الجهوية والجماعية إلى أعطابها وتعثراتها حتى يتأتى لها التقييم والتقويم في حينه، ومن تم فدور الصحافة  إيجابي جدا.

إن المتمعن في فلسفة الجهوية المتقدمة بالمغرب يلاحظ أنه قلما يتم التنبيه إلى أنها تنبني على أساس تعاقدي وليس فقط قانوني.

أخيرا، أعتقد أن أهم عطب مازال يعوق الانطلاقة الحقيقية للجهوية المتقدمة ببلدنا يتمثل في عدم التمكن من التنزيل الفعلي لروحها السياسية وعناصرها: الديمقراطية المواطنة والتشاركية، الدور الفعال للمجتمع المدني، الاستماع لنبض ساكنة كل جهة من خلال تقديم العرائض والملتمسات، حق المواطن في المعلومة الصحيحة....

فهل نصلح هذه الأعطاب؟ المواطن وحده هو من سيحكم على النتائج، وحكمه ينبني دائما على ما يلمسه في واقعه.

- أحمد بلمختار منيرة، إعلامي وباحث