الخميس 28 مارس 2024
سياسة

حميد النهري: إلى متى ستظل الكيانات الحزبية تختبئ وراء توجيهات الخطب الملكية؟

حميد النهري: إلى متى ستظل الكيانات الحزبية تختبئ وراء توجيهات الخطب الملكية؟ حميد النهري

ما زال خطاب الملك، في افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة، يثير اهتمام الباحثين ورجال القانون من حيث حمولته الإجرائية والعملية، ومدى تفاعل النخب السياسية في المغرب مع مضمونه. "أنفاس بريس" التقت في هذا الإطار حميد النهري، أستاذ جامعي ورئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بطنجة، وأجرت معه الحوار التالي:

+ كيف تقرأ الإشارة المتعلقة بالرفع من الدعم المالي المخصص الأحزاب السياسية، وتخصيص جزء منها للكفاءات، وهي الإشارة التي تأتي لتذكر بإشارة سابقة تحث على ضرورة تشبيب النخب الحزبية.. فماذا حققت هذه الأحزاب، في وقت نجد أن التمسك بالكرسي والمنصب يبقى هو السائد عند القيادات الحزبية، ومنطق الزبونية والأقارب والأحباب هو المطبق.. فكيف تدعي، والحالة هذه، الدفاع عن الديمقراطية، وهي لا  تومن بها حتى داخل عقرها الحزبي؟

- كما هي العادة بالنسبة للخطب الملكية، غالبا ما تتضمن رسائل وتوجيهات على صعيد السياسات العمومية، وغالبا ما يسجل ضعف على صعيد تجاوب الفاعلين السياسيين (حكومة، برلمان، أحزاب قطاع خاص).. وقد سبق وخلصت العديد من التحاليل والدراسات إلى هذه الخلاصة، حتى أني سميتها سابقا برداءة المشهد السياسي المغربي؛ وإن العديد من سياسات الدولة غدت هذه الرداءة.

واليوم نطرح السؤال من جديد، وبصيغة أخرى: هل هذه النخب التي وجهت لها الخطب الملكية الأخيرة في مستوى التجاوب والتفاعل مع مضامين هذه الخطب؟

في الحقيقة، وبكل صراحة، يجب أن نعترف، ولا يمكن تغطية الشمس بالغربال، فنخبنا السياسية والاقتصادية، وحتى الثقافية، تعيش اليوم، في أغلبها، نوعا من الرداءة والانحطاط؛ وللأسف هذا هو الواقع الذي لا يمكن إخفاؤه.

وداخل هؤلاء الفاعلين بطبيعة الحال تأتي بالدرجة الأولى الأحزاب السياسية المقصودة بسؤالك، والذي يخص إجراء رفع الدعم لهذه الأحزاب لتقوم بوظيفتها داخل المجتمع.

هل هذا يعني أن المشاكل التي تعاني منها الأحزاب السياسية المغربية ترتبط أساسا، وبالدرجة الأولى بالجانب المادي؟ لا أظن، بل بالعكس أغلب المشاكل أساسها هو الصراع بين الأحزاب وداخلها حول الدعم المالي المقدم من طرف الدولة.. وهنا نرجع إلى تقارير المجلس الأعلى للحسابات.

+ (مقاطعا) هل يمكنك توضيح ما هي نوعية هذه الاختلالات التي تضمنتها تقارير هذا  المجلس؟

- لقد سجلت تقارير المجلس الأعلى مجموعة من الاختلالات المالية على صعيد تدبير الأحزاب السياسية. وهنا أذكر خصوصا التقرير الذي خص تدقيق الحسابات السنوية للأحزاب السياسية وفحص صحة نفقاتها برسم الدعم العمومي وبرسم السنتين الماليتين 2013 و2014، حيث خلص ذلك التقرير إلى أن القاسم المشترك الذي يجمع بين أغلب هذه الأحزاب هو سوء التدبير المالي؛ بل إن هذه المخالفات وصلت إلى مستوى خطير! ومع ذلك لم تتم إحالة الجرائم المتضمنة في هذا التقرير على النيابة العامة لمباشرة تحقيقاتها وإقامة الدعاوى ضد المخالفين لمقتضيات القانون التنظيمي للأحزاب السياسية رقم 29.11، بل إن من بين الجرائم الواردة في التقرير ما يصل، حسب ما ينص عليه القانون التنظيمي، إلى عقوبات في حق مرتكبيها بالسجن والغرامة. وهذا يبين أن أغلب الصراعات داخل الأحزاب السياسية المغربية تكون حول التصرف في مالية الحزب، حتى أصبح الجميع اليوم يعرف ما يجري في هذه الأحزاب، من تفشي العديد من الظواهر السلبية، من قبيل المحاباة والزبونية وتغييب الديمقراطية الداخلية. وأعتقد، إذن، أن رفع الدعم لن يزيد من هذا الإشكال إلا تعقيدا، ولن يجعل هاته الأحزاب تقوم بوظيفتها الحقيقية وتسترجع ثقة المواطنين، بل سيزيد الظواهر السلبية أكثر انتشارا في هذه الأحزاب.

فإذا أخدنا نفقات هذه الأحزاب خلال الاستحقاقات الانتخابية، لا أظن أن هناك عاقل سيجزم أنها سليمة وشفافة سوى أصحاب لغة الخشب، الذين أصبحوا ينتشرون في وسائل الإعلام العمومية لنشر مغالطات؛ لأن آخر شيء يتم التفكير فيه خلال الاستحقاقات هو الالتزام بالشفافية.

+ ما هي في نظرك اقتراحات هذه النخب الحزبية، والتي يلاحظ أنها تتدافع عند كل مناسبة وخطاب، وتعتبره خطة طريق جديدة؟ وما هي مساهمتها هي حتى تستحق كل هذا الدعم.. أليس هذا قمة النفاق السياسي، أو بلغة ميكيافيلي "الغاية التي  تبرر  الوسيلة"؟

- بالرجوع إلى وضعية هذه الأحزاب، فالجميع أصبح يعلم أنها فقط تبرع في وظيفة الانتخابات، بل تستعمل كل الطرق من أجل الظفر بالاستحقاقات الانتخابية، وفشلت في الوظائف الأخرى.. فمنذ سنوات وهذه الأحزاب تعيش حملة انتخابية مفتوحة، فكلما خرجنا من استحقاق انتخابي إلا وأصبحنا نفكر في الاستحقاق المقبل، حتى أنها أصبحت كيانات انتخابية فقط، تظهر خلال مرحلة الانتخابات، وتختفي متناسية وظيفتها التأطيرية والتكوينية داخل المجتمع. أما على مستوى السياسات العمومية، للأسف لا نرى برامج حزبية حقيقية تتجاوب مع مطالب وانتظارات المواطنين. بل ما نراه هو صراعات حول المناصب.. وهذه المسألة ليست جديدة، ولكنها ازدادت حدة وأصبحت أكثر رداءة. وإذا رجعنا إلى تقرير وزارة الداخلية حول مستويات المنتخبين، والذي اعتبرت خلاصاته فضيحة، سنستنتج إلى أي حد وصلته ممارسات هذه الأحزاب من تهميش للكفاءات واعتماد الزبونية والمحاباة، مما جعل منها كيانات غير قادرة على مسايرة تطور المجتمع ببرامج حقيقية، لذلك يتم اللجوء غالبا إلى الاختباء وراء توجيهات الخطب الملكية .

وقد أبانت التجارب السابقة منذ خطاب "المفهوم الجديد للسلطة 1999" إلى يومنا هذا، أن نخبنا، خصوصا الأحزاب السياسية، ضعيفة التجاوب مع هذه التوجيهات؛ بل إن أغلبها -للأسف- ليس في مستوى مسايرة هذه التوجيهات وإنتاج سياسات عمومية قادرة على تفعيل هذه التوجيهات.. ففاقد الشيء لا يعطيه.