الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

سعيد جعفر: لماذا "يحيد" الإسلاميون الله من خطابهم ويركزون على النبي (ص)؟

سعيد جعفر: لماذا "يحيد" الإسلاميون الله من خطابهم ويركزون على النبي (ص)؟ سعيد جعفر

لماذا يجعل الإسلاميون النبي محمد بن عبد الله فوق بشريا، ويضربون صفحا عن الواقع والظروف النفسية والاجتماعية والقبلية والسياسية التي عاشها وعاش ضمنها؟

لماذا يلحون على "نزعه" من حقيقته كمخلوق بشري يأكل، ويشرب، ويتنفس، ويحب، ويتزاوج، وينام، ويشتهى، ويصوم، ويقلق ويفرح.. كما يفعل كل البشر، ويخضع لما تخضع له البشرية؟

هناك سببان اثنان في ما أعتقد يقفان وراء هذا التكتيك:

- السبب الأول: لأن التركيز على الله وتعظيمه وتعظيم مخلوقاته هو خطاب غير مربح، لأنه لا يساعد على التميز والانطباع في الذهن والقلب. فالدعوة إلى الله سلوك مميز لكل الحركات الدينية والعقدية في العالم، إذ يدعو إلى الله المسلمون والمسيحيون واليهود والبوذيون، ويدعو إليه السيخ والسنة والشيعة والمتصوفة ومنتسبو الزوايا وأهل الحال وحتى الإنسان العادي، وهذا ما يجعل خطابهم كأي خطاب ولا يعطيه أي تميز.

فالهدف بالنسبة للتيارات الدينية ليس دعويا نهائيا، لأنه لو كان كذلك لركزوا على الدعوة إلى الله الخالق المبدع، كما تفعل كل الحركات المحض -دعوية- ولكنها حركات تسعى إلى السلطة جاعلة من استغلال المشترك الديني وسيلتها الوحي. ومن جهة أخرى، الدعوة إلى الله غير مربحة سياسيا، ولهذا يعمل الإسلاميون على تحييد الله، ومن غير شك فهم يستفيدون من فوائد الدعوة المحضة إلى الله في الكنائس المسيحية، إذ تدعو إلى الله روحيا دون أن تكون لها مكاسب من هذه الدعوة،  كما  يعود  أيضا  تركيز الإسلاميين في خطابهم على النبي كوسيلة لرسملة النبي وسيرته. فالنبي محمد (ص) ليس مجرد نبي، فهو خاتم الأنبياء وهو ما سيوفر لكل من يرسمله رأسمالا كبيرا للشرعية، فهو بمثابة "رصيد بنكي" يساعد على استجلاب مزيد من الثقة و الاهتمام.

لا يحب الإسلاميون الرسول (ص) أكثر من باقي مستضعفي ومستضعفات أمته، ولا يتوجهون إليه بخشوع ودموع وخضوع أكثر من خضوع فلاح ضاع رزقه بسبب تأخر المطر، وليس أكثر من فرد يأمل ألا يتعرض أهله لسوء، وليس أكثر من أبوين يترجيان مولودا بعد أن تأخر أملهما، أو تلميذ أو طالب اجتاز امتحانا وينتظر النتائج ليفرح أباه المقعد أو أمه، أو أكثر من مريض يتوسل شفاءه أو على الأقل أن ينقص ألمه؛ ولكنهم بدون شك متأكدون أن رسملة خاتم الأنبياء ستعطي الانطباع للناس بأنهم "آخر الأنبياء" للناس، ومن هنا نفهم سر عبارة الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران بأن "حزبه هبة من السماء للمغاربة"، فحزبه حزب-نبي، وأعضاؤه أعضاء مطهرون...

- السبب الثاني الذي يدفع التيارات الدينية لتناول الرسول (ص) بشكل مقدس كليا، وليس كشخص ينتمي لقوم ويعيش مع أفراد قومه يومياتهم المرتبطة بالتجارة والفلاحة، والحرب والسلم، وغيرها من شؤون الحياة اليومية في شبه الجزيرة العربية، هو في العمق سعيهم إلى التميز عن أفراد مجتمع القرن 21 الذين يعيشون فيه، والظهور بمظهر المتعالين والمترفعين عن مغريات ووساوس وموبقات الحياة الدنيا الزائلة بتعبيرهم اقتداء بسيرة النبي (ص) كما صورها أسلافهم من فقهاء السنة.

ومن هنا نفهم سر رفضهم، بل قلقهم الكبير من كل دراسة أو بحث أو مشروع بحثي يعيد قراءة السيرة النبوية والتراث الفقهي الإسلامي على ضوء التاريخ ومعطيات واقع شبه الجزيرة العربية.

وخلاصة القول، هذه إذن هي خلفيات تمسك الحركات الدينية السياسية، خصوصا بالتركيز على سيرة الرسول محمد (ص) أكثر من عظمة الخالق نفسه، فالله للجميع مسلمين ونصارى ويهود، بوذيين وسيخ، متدينين وغير متدينين، مؤمنين وملحدين..

ورغم أن الرسول محمد (ص) بعث للإنسانية جمعاء بنص القرآن، فإن هذه الحركات سعت إلى رسملته في مستويين، مستوى الأمة الإسلامية حتى لا يكون لباقي الأقوام نصيب فيه وفي روحانيته، وعلى مستوى فئات المجتمع الواحد بين "الإخوان" و"الأخوات" بشكل يجعل الإسلام "طبقيا" و"كهنوتيا"، فيه طبقة عليا تلعب دور وساطة، وطبقة دنيا تتدخل لها العليا لدى النبي والخالق...

- سعيد جعفر، محلل سياسي وباحث في سوسيولوجيا الدين